أوضح الداعية الإسلامي الدكتور عمر عبد الكافي سر التعاطف العربي والإسلامي الواسع مع فاجعة الطفل المغربي ريان بالتحديد رغم معاناة عشرات الآلاف من الأطفال في منطقتنا، وأكد أنه لم يتفاجأ بهذا التضامن العالمي مُعدّدًا الأسباب.
وقال الداعية المصري لبرنامج (المسائية) على الجزيرة مباشر، إن قضية ريان جددت أحزان الأمة وبصرّتنا بشيء من واقعنا وجمعت قلوبنا جميعًا وصنعت حفرته تحت الأرض ما لم تصنعه مؤتمرات القمم العربية والإسلامية.
وأضاف “كان تأثير حادثة ريان في النفوس أن الإنسان العربي والمسلم إذا ظل مديرًا ظهره لقيم السماء هكذا فسوف يقع في حفرة نفسه ولا يرتفع إلى المعالي ليرى حقائق الأمور”.
ولفت إلى أن قصة ريان ضغطت على شيء في مكمن جراح الأمة، فذكرّنا بصراخ يتامى العراق والشام واليمن والروهينغيا وكل المضطهدين في بقاع الأرض.
وتابع “ريان كشف بكشّاف من نور بصائري يقيني سماوي بأن نرى حقائق أمورنا، ويجب أن تكون تلك الحادثة وقفة لنا بأن الشعوب العربية والإسلامية تجمعها الأحداث الكبيرة”.
واستطرد “هذا الطفل ذو السنوات الخمس المعدودات بصرّ الأمة بما لم يبصرّها بها كثير من الوعّاظ والخطباء والمنظّرين والمفكرين ووسائل الإعلام لأنه كشف للأمة فقرها في وحدتها فأحرجها وانهارت في لحظة كل المشاكل التي صنعتها الزعامات الورقية وإعلامها بين الشعوب، بوجود ريان في حفرته فتعاطف الجميع مع قضيته”.
وأكد أن “قضية ريان هي قضية كل طفل على مر التاريخ، هي قضية اليتامى الذين كانوا يبكون خارج المدينة ورآهم الخليفة عمر ورفض أن يعود إلى بيته إلا عندما يراهم يضحكون كما رآهم يبكون. اليتامى هم اليتامى ولكن أين عمر؟!”.
“علينا ردم الحُفر التي بداخلنا”
ووصف الداعية الإسلامي عدم الالتفاف العربي والإسلامي مع حالات الأطفال الذين يموتون بردًا وعلى الحدود كما حدث مع ريان، بأنه “انفصام سلوكي عجيب سببه وجود لصوص كبار من الأثرياء الذين في أموالهم حق معلوم للسائل والمحروم، لا يخرجون الزكاة، فنجد الجوعى والمشردين في البرد والعراء، ومع كل حالة موت يصبح هؤلاء اللصوص قتلة أيضًا”.
وأشار الدكتور عمر إلى أن العالم عاد مرة أخرى إلى القرنين الثامن والتاسع عشر حيث “ألهنة” الإنسان و”أنسنة” الإله، وتابع “الناس يريدون مشاركة الله في إدارة كونه، يريدون مناقشة النص الإلهي على أنه منتج ثقافي وأن يهزوا الأصول. يجب أن تفيق الأمة كلها نحق الحق ونبطل الباطل ونعرف حقائق الأمور ونعود إلى منابع الكتاب والسنة ونرد الظالم”.
وزاد “كما توجد آلاف الحفر في بلادنا وأرضنا لا نردمها وكان عمر يخاف من البغلة التي تتعثر في شرق الفرات فيحاسَب عليها، يجب أيضًا أن نردم الحفر التي في داخلنا، سلوكياتنا من الحقد والحسد والضغينة وتأليب الناس على بعضها وتخويف الشعوب وإثارة النعرات القبلية والتعالي، فأين نذهب؟ لابد لنا من عودة”.
وأكد أن الأمة في حالة تيه منذ ما يقرب من خمسة قرون، ويجب أن نشخص الداء وأن نتبع العلماء الحريصين على دينهم وأوطانهم ونعرف أين نحن ذاهبون، ثم يجب أن نعدّل انتكاسة فطرتنا”.
“لم أتفاجأ وهذه هي الأسباب”
وعما إذا كان يتوقع كل هذا التضامن مع قصة ريان، قال الدكتور عبد الكافي إنه من القلة الذين لم يتفاجؤوا بما حدث فهذه طبيعة الأمة المحمدية وكي يصدق كلام الله “كنتم خير أمة أُخرِجت للناس”.
وأضاف “عندي يقين وأمل ورهان كبير بأن المسرح يُعد للإسلام وأن الغد للإسلام إن شاء الله وأن الأمة مستكنّة فيها حقائق الإسلام الكبرى لكنها تنظر أحداثًا ورايات معينة تُرفع للحق فيتبعوها”.
وتابع “أما أن تُكسف الشمس أو يُخسف القمر فإنهما لا يخبوان طوال العام إنما هي لحظات، الأمة الآن في حالة كسوف، تخسف ولكن لا تموت، تمرض لكنها لا تنتهي، أمّتنا شروق لا غروب”.
وأوضح “الإسلام نزل في الجزيرة العربية لأن العربي عنده من الأخلاق والملكات ما لا يوجد عند الآخر: المروءة والشهامة والتعاطف والإيثار فيتعاطف ويشارك إخوته المسلمين الحزن والفرح، هذه أخلاق لا يعرفها الآخر -في دول تطلق على نفسها متقدمة- ولا في منظومة قيمه وثقافته”.
وأكد أن “الأمة سوف تؤوب إلى كتابها وسنّة حبيبها وتلفظ النفايات الفكرية والفوضى وهؤلاء الإمعات الذين يسلكون وراء أي قوم. هناك طائفة ثابتة واضحة المعالم لا يضرها من ضل ولا تحركها هذه الأبواق. وسوف يُنتج طائفة وذرية قادمة تحمل هم الأمة”.
منطق “العبادة بالقطعة”
وعن آلية استمرار التعاطف الإنساني خاصة بين البسطاء الذين لا يملكون تقديم أموال أو مساعدات، قال الدكتور عبد الكافي إن “تحمل هم الأمة معنويًّا فهذا تبرع بالعاطفة لكن مشكلتنا في منطقنا كمسلمين وهي (العبادة بالقطعة)، فمثلا شهر الصيام قادم قريبًا تجد مجالس العلم والصدقات والزكوات فإذا جاء العيد (رمضان ولّى هاتِها يا ساقي) ونعود إلى ما كنا عليه”.
وتابع “الإيمان بالقطعة لا يصلح، فإما أن نؤمن بالكتاب كله وإما لا، نكون كالآخرين الذي يؤمنون ببعض الكتاب ويكفرون ببعض. عليّ أن أحمل هم المسلم، أشعر أن ريان ابن أخي، وكل يتيم ابن أختي، إذا استشعرنا منطق الأخوة فسوف نعيد ترتيب أولويات بيوتنا وأفكارنا مرة أخرى، ولا ننساق وراء قدوات مزيفة، بل قدوات تعلي منطق قيم السماء وتأخذ بيد الأمة إلى بر السلام”.
وقدم عبد الكافي تعازيه لوالدي ريان ومن على شاكلته قائلًا “ريان خرج من حفرته إلى الجنة فهو غير مكلف، فلتفرح أسرته أنهم ضمنوا أن أحد أفرادها اليوم في الجنة وأن خوفه الذي استمر عدة ساعات قد زال بخروج روحه إلى بارئها”.
كما عزّى أُسر كل الأطفال الذين ماتوا وفُجع آباؤهم وأمهاتهم بهم، فقال “هنيئًا لكم أن لكم على أعتاب الجنة أولادًا وبنات واقفين منتظرين ليأخذوا بأيدكم -إذا صبرتم- إلى جنة الرضوان”.
تعليقات الزوار ( 0 )