شارك المقال
  • تم النسخ

على هامش الخرجة الإعلامية للدكتور لحسن الداودي قيادة البيجيدي والنضال

تابعنا منذ أيام الخرجة الإعلامية للأستاذ المصطفى الرميد القيادي السابق في حزب العدالة والتنمية، وبعد ذلك، تابعنا الحوار الصحفي للدكتور لحسن الداودي مع المنبر الإعلامي ذاته، وقد أثارت متابعته عدة ملاحظات نجملها في الآتي:

الملاحظة الأولى: لا جديد

بعد تواري الدكتور لحسن الداودي إلى الظل، قام بخرجات إعلامية متعددة، يمكن أن أقول باطمئنان أن خرجته الأخيرة ليست سوى فوطوكوبي لخرجاته السابقة، وهي رغم طولها الزمني لم تتضمن جديدا ذا بال، سوى إخبارنا بقضاء الشيخ مصطفى بنحمزة لشهر العسل في بيت الدكتور الداودي الذي كان يقضي عطلته بفرنسا.

وقد تفطن الدكتور الداودي للفقر المعلوماتي في خرجته، وأشار إلى أنه لن يأتي بجديد، وهذا في غاية الغرابة، لأنه إذا كان شخص قد أمضى في العمل الطلابي والأكاديمي والجمعوي والحزبي والنيابي والوزاري فترة لا تقل عن خمسين سنة، ثم يختصرها في معلومات مكرورة لا تتجاوز الساعتين، فهذا مؤشر على فقر هذه السيرة والمسيرة.

كان حريا به أن يستثمر خرجته الإعلامية ليذكر ما لم يذكره سابقا، وذلك ببرمجة أسئلة مسبقة مع معد البرنامج، وأن يتناول مسائل مهمة جدا، كطُرقه لفض النزاعات الحزبية في المناطق والأقاليم إن كان له إسهام فيها، وعن أسراره حول التزكيات الانتخابية، ومعلوماته عن التزوير الذي عانى منه الحزب، ومعلوماته الأخرى عن سماح الدولة لحزبه بالفوز سنة 2011، وعن كواليس زيارته لمصر ما بعد مرسي وثنائه على نظامها الجديد في الوقت الذي كان الرئيس الشرعي المنتخب وراء القضبان، وكان بإمكانه أن يفصح عن صدى التجربة الحكومية في الأوساط الغربية (فرنسا ــ أمريكا) والعربية (السعودية ــ الإمارات)، إضافة إلى تعليقه على ما تسرب من وثائق ويكيليكس، وعن مدى نجاح حزبه أو إخفاقه في تنزيل برنامجه (إسقاط الاستبداد والفساد)، وهل حاربوا الفساد أم قلّصوه أم تنامى في عهدهم أم انتقلت عدواه إلى صفوفهم …. هذه أسئلة وتفصيلات غائبة فرضت على الحصة الإعلامية أن تكون بعنوان: (خرجة الداودي بيس).

الملاحظة الثانية: الملكية التنفيذية

بقراءة عجلى للدستور، قد يقتنع المتابع أن للحكومة المغربية وضع متقدم في الممارسة السياسية المغربية، وأن الحكومة تتحمل مسؤوليتها الكاملة في تدبير الشأن العام، ومن يرجع إلى تصريحات قادة الأحزاب أثناء تسويقهم للوثيقة الدستورية سيلمس بوضوح انخراط المغرب في نادي الكبار، وأننا أمام ملكية برلمانية إلا رُبُع، على اعتبار أن الحكومة تتحمل مسؤوليتها في الملفات الحارقة والمهمة باستثناء الشأن العسكري والديني وبعض التفاصيل الجزئية الأخرى.

وبالرجوع إلى الخرجات الإعلامية للوزير عزيز الرباح والوزير لحسن الداودي وغيرهما من وزراء البيجيدي، فإننا نجد حضورا قويا للملك في تفاصيل جزئية من اختصاصات الحكومة.

فالوزير الرباح أخبرنا بتفاصيل جلسة خاصة في غرفة متواضعة مع الملك لدراسة الملفات والمشاريع التي ينوي القيام بها، والموافقة الملكية عليها بعد الاطلاع على تفاصيلها. والوزير لحسن الداودي أخبرنا بجلسة خاصة مع الملك والتي ذهب إليها بدون ورقة أو قلم، وموافقة الملك على مشاريعه ومنها ضم الجامعات المحلية، وأخبرنا أنه بعد تعثر ملف من الملفات بعث إلى الملك برسالة حولها وتلقى الرد في ظرف وجيز، كما أخبرنا باستئذانه للملك في إحداث كلية الشريعة بالسمارة سرعان ما تغيرت من الشريعة إلى متعددة الاختصاصات، وأخبرنا أن الملك اتصل به وطلب منه التوجه إلى التلفزيون وحدد له النقط التي يجب التطرق إليها، وأفادنا أن الملك طلب منه التدخل لحل ملف طلبة الطب.

لو تجاوزنا المتتبع المغربي، وأعطينا هذه المعطيات لباحثي العلوم السياسية في جامعة فرنسية أو كندية لخلصوا بناء عليها إلى أحد احتمالين:

الاحتمال الأول: أن الحكومة المغربية مكونة من أناس ضعفاء لا يقوون حتى على تدبير ملف ضم الجامعات المحلية، وأن ذلك يستدعي تدخلا أقوى.

الاحتمال الثاني: أن النظام المغربي هو نظام ملكية تنفيذية لا علاقة له بالحداثة وأدبياتها.

وإذا استحضرنا أن الاحتمالين غير متناقضين ولا يخضعان لمبدأ الثالث المرفوع، أمكن لأولئك الباحثين أن يجمعوا بين الاحتمالين، وهذا يسيء إلى المغرب وإلى سمعته، وهو الذي يجتهد في تسويق صورة النظام الملكي الدستوري الديمقراطي الذي يعرف نظاما برلمانيا تمثيليا وحكومة قوية لها رئيس وليس لها وزير أول.

قبل الانتقال إلى الملاحظة الموالية، نشير إلى أن عمداء منتخبين لمدن إسبانية رفضوا الانخراط في احتضان المونديال، فهل نقارن عمدة مدينة بوزير مسنود بأغلبية برلمانية؟

الملاحظة الثالثة: جلد الذات

لا يتردد قياديو البيجيدي في الحديث عن الأسباب الذاتية التي أسهمت في إسقاط حزبهم من عليائه الانتخابي، ويرددون سيمفونية النقد الداخلي الذي وجهه منتسبو الحزب لقيادته في ملف التناوب اللغوي والقنب الهندي والتطبيع وغيرها، وأحيانا يسمون الأشخاص بأسمائهم وأوصافهم، وإذا ما انتقلوا إلى الحديث عن الأسباب الخارجية فإنهم سرعان ما يتبنون الاختصار بدل التفصيل والبيان، ويتبنون الإشارة بدل العبارة، ويستعملون ضمير الغائب بدل تعيين الأسماء.

وتصريح الدكتور الداودي لم يشذ عن هذه القاعدة، لذا تحدث عن الأسباب الذاتية بالعبارة دون الإشارة، ولما عرّج على الأسباب الخارجية صرح بأنه وفريقا من القياديين أدركوا أن الحزب ومهمته انتهت، وأن الدولة لا ترغب في تجربة جديدة لهم، ليخلص إلى أنهم (دكدكونا).

بالنسبة للنقطة الأولى، وأن الدولة لا ترغب في تجربة جديدة إلخ، فهذا يصب في فرضية الدولة البعيدة عن الديمقراطية، والتي تتحكم جهات فيها في الانتخابات قبل إبانها، وهذا ما يعزز احتمال الملكية التنفيذية التي أشرنا إليها.

بالنسبة للنقطة الثانية، وأنهم (دكدكونا) فيبقى لزاما على هؤلاء القياديين أن يفصحوا عن ضمير الغائب (هُم)، وعن ضمير الجماعة (نا)، فمن غير المعقول أن يذكروا إخوانهم كبنكيران والعثماني بالنقد القاسي والجَلد بالسياط على الظهر، ولا يذكروا الآخرين إلا باستعمال الضمائر.

وبإمكانهم أن يتشبثوا بورقة واحدة، وهي عدم تمكين مراقبي المكاتب الانتخابية من محاضر التصويت في حينه، وأن هذا المنع هو المقدمة الأساس لـ(دكدكونا)، ولا يمكن توضيح (الدكديك) إلا بهذا المنع الذي يتعارض مع بدهيات الانتخابات الديمقراطية في الدول المحترمة.

الملاحظة الرابعة: نضالية عبد الإله بنكيران

بعد الانتخابات الأخيرة، عرف الحزب تشظيا لم يسبق له مثيل في الحياة الحزبية المغربية، كما عرف الحزب استقالة قيادته استقالة جماعية غير مألوفة في العمل الحزبي العالمي، وتراجعا ملموسا في أعضائه (ولا أقول مناضليه) على المستويات المحلية والإقليمية والجهوية، وهذا التصرف لا يشبهه إلا هروب الركاب من القارب الذي غرق نصفه أو أكثر.

هذا الهرب/الاستقالة قد يكون متفهما في حالات مرضية (حالة الأستاذ الرميد)، أما في غير الحالات الصحية فلا يقبل إلا توصيفا واحدا، وهو أن هؤلاء القادة غير مناضلين وليسوا مناضلين ولا علاقة لهم بالنضال، والمناضل آخر من يغادر الميدان.

هؤلاء القادة كانوا في المقدمة حين كانت الموجة الإسلامية تحملهم طيلة عقدين ونيف، فكانوا يحبون القيادة ويحبون الصدارة.

هؤلاء القادة كانوا في المقدمة إبان الانتداب البرلماني الأثير والمناصب الحكومية، إبانئذ كانوا يحبون القيادة والصدارة.

أثناء الغرق، فرّوا وتركوا القواعد لوحدها وأبدعوا استقالة جماعية، أهكذا يكون النضال؟

الحزب يكون في حاجة ماسة إلى وجود القيادي المناضل أثناء الغرق وليس إبان الرفاه، لذلك يمكن اعتبار لحسن الداودي وعزيز الرباح وعبد القادر عمارة وغيرهم قياديين ولا يمكن اعتبارهم مناضلين.

يبقى الاستثناء الوحيد في قيادة الحزب هو الأستاذ عبد الإله بنكيران، وهو الرجل الذي نختلف معه في كثير من تقديراته وخرجاته وإجراءاته، لكنه يبقى القيادي المناضل وفق تصوره ورؤيته ومقاربته.

أولا: يمكن أن أقول بأن جهات في الدولة كانت مع إنجاح البام بقيادة إلياس في الانتخابات التي أجريت في عهد حكومة بنكيران، ولكن الحزب هزَم الدولة وأفشل استراتيجيتها، وبالتدقيق في العبارة، فيمكننا أن نقول بأن بنكيران هو الذي هزم الدولة، هزمها بمهرجاناته التي كان يحج إليها الآلاف وتكتظ بهم الساحات. وهذا غير مقبول في النظم الديمقراطية الهجينة، كما هزمها من خلال تصريحه بنتائج الانتخابات قبل وزارة الداخلية وفق المحاضر التي توصل بها الحزب، وهذا وإن كان من ذكائه الذي حصّن به نتائج حزبه، لكنه نال بسببه انتقادا من قبل وزارة الداخلية، وهذا مؤشر على النضالية التي لا توجد في القياديين الذين قفزوا من المركب، لذلك لم يتردد البعض في ممارسة البلوكاج الذي مورس ضده وليس ضد حزبه، بدليل أن رواد البلوكاج سرعان ما صاروا رواد التيسير في تشكيل حكومة خلفه.

ثانيا: حين كان منتسبو الحزب في حاجة ماسة إلى قيادي قادر على مواجهة البام الذي كان يضم السيد فؤاد والسيد إلياس ومن معهما من فرسان الكلام و(النضال)، لم يجدوا بدا من عبد الإله بنكيران، وهو الذي لم يتردد ولم يقفز من القارب خوفا على مستقبله ومستقبل أسرته، مع العلم أن المواجهة مع هؤلاء النفر إبان قوتهم ونفوذهم وتغولهم كانت محفوفة بالمخاطر، وهنا نتوقف مع لحسن الداودي الذي يصرح بأنه لم يسبق له أن صوت على بنكيران ألبتة، وصوت عليه مرة وحيدة فريدة حين كان يريده (إيرباك) يقي به نفسَه جراء الاصطدام مع البام.

ثالثا: بعد أن قفز القادة من القارب الغارق، جاء أو جيء بعبد الإله بنكيران إلى القيادة. وأية قيادة؟

كان حريا به أن يتوارى إلى الظل، وأن يرفض اللعب بكرة (مفشوشة)، وكان حريا به أن يتذرع بالسن أو المرض، ورغم ذلك لبى نداء ما تبقى من البيجيدي، وجاء ينفخ في الرماد بلقاء هنا ولقاء هناك، واجتماع هنا واجتماع هناك، وهذا ما لم يقو عليه عبد الرحمن اليوسفي بعد الحيدة عن المنهجية الديمقراطية، ولم تقو عليه قيادة البيجيدي.

لسنا في حاجة إلى تكرار ما قلناه من اختلافنا مع الرجل، ولا يمكن أن ننسى خرجاته في اللايفات وأوراق الزبدة، وهي الخرجات المؤثرة التي لا تمت إلى بروتوكول العمل الحزبي بصلة، لكن هذا لا ينفي عنه إقدامه ونضاليته في سبيل إحياء الحزب بعد إسقاطه من الطابق السابع عشر، كما أن خرجات الداودي والرباح وغيرهما تدل بوضوح على أن قيادتهم ليست قيادة مناضلة، وأنهم أبعد ما يكون عن النضال، إلا إذا استثنينا نضال المقابلات الإعلامية، فذلك نضال آخر.

شارك المقال
  • تم النسخ
المقال التالي