سلط تقرير حديث لمعهد دراسات أمريكي، الضوء على كيفية إدارة وتعامل الرباط مع الدمار الذي خلفه “زلزال الحوز”، والسياسة التي تقف خلف رفض المملكة عدة عروض لمواجهة تداعياته، وذلك بعد السجال الإعلامي والسياسي الذي دار في المغرب وخارجه حول المساعدات الدولية والمعايير التي تتبعها المملكة في قبولها.
وقال تقرير المجلس الأطلسي (The Atlantic Council)، الذي اطلعت جريدة “بناصا” على نسخة منه، إن أنظار العالم لم تقتصر فقط على الدمار الشامل الذي خلفه زلزال الحوز، وإنما اتجهت أنظار المهتمين بالشأن السياسي أيضا إلى إدارة الرباط للأزمة والسياسة التي تقف وراءها.
وذكر المصدر ذاته، أنه وبعد وقت قصير من وقوع الزلزال، عقد العاهل المغربي الملك محمد السادس اجتماعا طارئا وأمر قواته العسكرية بكسر عزلة القرى النائية التي كانت في أمس الحاجة إلى الغذاء والمأوى والرعاية الطبية، وأظهرت وسائل الإعلام الدولية والمحلية صورا لمروحيات وعسكريين مغاربة يتحدون قوى الطبيعة ويقومون بمهام إنقاذ محفوفة بالمخاطر.
وأضاف التقرير، أن رد فعل المجتمع الدولي كان سريعاً على الزلزال أيضاً، حيث أعرب عن تعاطفه وعرض المساعدة، وأعرب زعماء العالم في قمة مجموعة العشرين، بما في ذلك الدولة المضيفة الهند، عن تضامنهم الكامل واستعدادهم لنشر مهام الإنقاذ على الأرض.
وفي حين سمح المغرب لفرق البحث من عدة دول بالوصول إلى مناطق الكوارث ونشر عملياتها الميدانية، فقد رفض أو تجاهل المساعدات التي قدمتها فرنسا والجزائر، ويرجع ذلك، بحسب التقرير، على الأرجح إلى التوترات السياسية والدبلوماسية المستمرة مع مستعمرها السابق وجارتها الشرقية، حيث تم تداول صور وحدات البحث والكلاب البوليسية الإسبانية والقطرية والإيطالية والسنغالية، من بين أوائل المستجيبين الآخرين، بعد وقت قصير من وقوع المأساة.
تسييس الإنقاذ الإنساني
ومنذ انتشار الخبر في وقت متأخر من يوم الجمعة، سارع المعلقون ووسائل الإعلام الفرنسية إلى اتهام السلطات المغربية بعدم الكفاءة وإلقاء اللوم عليها في ما وصفته بـ”قتل شعبها بصمت”، بدورهم، رأى مستخدمو وسائل التواصل الاجتماعي والمثقفون المغاربة أن الرد الفرنسي كان متعاليا، وهو إرث من الغطرسة الاستعمارية والتدخل في القرارات السيادية للبلاد.
ومع مرور الساعات والمغرب لم يستجب بعد لعرض باريس للمساعدة في إدارة الكارثة الطبيعية، تعالت الأصوات التي تتهم المغرب بـ”رفض التدخلات الإنسانية على حساب سكانه المنكوبين”، وفي مقابلة مع محطة الأخبار الفرنسية BFM TV، ردت الصحافية المغربية سميرة سيتايل بقوة ضد وجهة النظر التي عبر عنها المشاركون، واتهمتهم بـ”التحريض على التمرد بين الشعب المغربي ونشر ادعاءات كاذبة”.
ووفقا للتقرير ذاته، فلم يستسلم المغرب للضغوط، وأصدرت وزارة الداخلية بيانا شكرت فيه المجتمع الدولي وشرحت الأساس المنطقي وراء اختيارها قبول فرق الإنقاذ من أربع دول فقط، وذكرت الوزارة أن فتح أراضيها أمام جميع طلبات تقديم العروض”سيؤدي إلى نتائج عكسية وفوضوية”، وأنها “تواصل تقييم الاحتياجات والاستجابة وفقًا لذلك بما يتوافق مع المعايير الدولية”.
وذهب معهد الدراسات الأمريكي بالقول، إنه وفي الوقت نفسه، تشير الحقائق إلى خلاف ذلك، وتشير إلى احتكاكات أعمق بين البلدين، كما تشير تقارير محلية إلى أن العاهل المغربي رفض تلقي اتصال تعزية من الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون.
ولعل ماكرون توقع في تقديم المساعدة رداً مماثلاً للحشود اللبنانية التي رحبت به وبالمساعدات الفرنسية خلال زيارته لبيروت عام 2020 بعد الانفجار القاتل هناك، إذا كان الأمر كذلك، فيبدو أنه نسي أن شمال أفريقيا لوحت منذ فترة طويلة بالوداع لقصة الحب الخاضعة “للمركز مقابل المحيط” للأم فرنسا (ماما فرانسا).
ويرى التقرير، أن الحقيقة الصعبة هي أنه حتى في عمليات الإنقاذ الإنسانية تظل سبباً للحسابات والتوترات السياسية، سواء كان ذلك استجابة لحالة طوارئ أو بشكل عام لأغراض التنمية، لا ينبغي أبدًا فرض المساعدات على أي دولة، ويجب أن تشعر دول الجنوب العالمي دائمًا بالسيطرة على من يُسمح له بالعمل في أراضيها السيادية، معتبرا أن هذه القضية مشحونة بشكل خاص بالنظر إلى الماضي الاستعماري للمغرب والانتعاش الأخير لعموم أفريقيا الذي يرفض التدخل الفرنسي ومعاملة القارة وكأنها فناء خلفي لها.
أسلوب الملك محمد السادس
ومن خلال عدم قبول المساعدات الفرنسية، يبدو أن القادة المغاربة ينظرون إلى بلادهم على أنها ترفض التضحية بنفسها بعد الزلزال أو تقديم نفسها كمناشدة للأعمال الخيرية الخارجية، وفي مقابلة أجريت مؤخراً، أوضحت سيلفي برونيل، الرئيسة السابقة لمنظمة العمل ضد الجوع، وجهة النظر هذه، موضحة بأن المغرب يفضل تصنيف نفسه على أنه مستقل وقادر على تعبئة الموارد لمعالجة مصاعبه، وهو ما يفسر سبب سماحه فقط للجهات الفاعلة الدولية التي يعتقد أنها تفهم هذه الشروط وتحترمها.
بالإضافة إلى ذلك، أصبح المغرب معروفًا بأسلوبه الفريد في العلاقات الخارجية وإدارة الأزمات – المعروف باسم “أسلوب محمد السادس” في الأوساط المغربية – والذي أصبح أكثر ثقة على مر السنين في إبعاد نفسه عن فرنسا وإقامة علاقات أقوى مع الحلفاء الجدد والمتعافين، وأنهت المملكة مهام سفيرها لدى فرنسا محمد بنشعبون في فبراير 2023 بعد سلسلة من الخلافات بين البلدين.
وأشار التقرير، إلى أن المغرب انفصل عن قصر الإليزيه، حيث شرعت الرباط في المطالبة بمواقف أكثر وضوحًا بشأن قضية الصحراء المغربية، حيث تم تمكين المغرب من خلال تقارب أقوى مع الولايات المتحدة وإسرائيل وإسبانيا، وجميعهم يعترفون الآن بمطالبات المغرب بشأن الأراضي المتنازع عليها.
وقال الملك محمد السادس في خطاب ألقاه عام 2022، واصفا فيه توجهات السياسة الخارجية لبلاده، إن “قضية الصحراء هي العدسة التي ينظر المغرب من خلالها إلى العالم”، ولا يختلف الأمر خلال هذه الكارثة الوطنية.
وفي خطوة استثنائية، عرضت الحكومة الجزائرية -أشرس خصم إقليمي للمغرب منذ قطع العلاقات الدبلوماسية في أغسطس 2021- فتح مجالها الجوي أمام المساعدات الإنسانية والإجلاء الطبي وتقديم المساعدة الإنسانية “إذا طلب المغرب ذلك”، وهو عرض آخر قررت أن تتجاهل الرباط، وإذا قبل المغرب مساعدة الجزائر، وهو ما رد بالمثل على اقتراح الرباط لمساعدة الجزائر في مكافحة حرائق الغابات في عام 2021، فقد يكون ذلك بمثابة فرصة جديدة في العلاقة المتوقفة والمعقدة بين الجارتين.
عصر التدخل الأجنبي من خلال البعثات الإنسانية قد انتهى
ومع ذلك، وبالنظر إلى التاريخ التراكمي للاستفزازات والحوادث المتبادلة بما في ذلك إطلاق النار في فاتح شتنبر، على يد خفر السواحل الجزائريين على السياح الذين كانوا يزورون المغرب بعد أن ضلوا طريقهم إلى المياه الجزائرية، فمن غير المرجح أن يؤدي أي تضامن مؤقت بعد وقوع كارثة طبيعية إلى مصالحة أكثر جوهرية.
وخلص تقرير المجلس الأطلسي، إلى أنه من الواضح أن الجنوب العالمي ينمو بثقة ويطور قدراته وخبراته المحلية في مواجهة الكوارث الإنسانية، وفي حالة المغرب، فإنها تستخدم هذه الأزمة كفرصة علاقات عامة لإعادة تصوير نفسها كدولة قادرة ومستقلة، واليوم، في منطقة المغرب العربي وفي مختلف أنحاء القارة الأفريقية، يبدو أن عصر التدخل الأجنبي من خلال البعثات الإنسانية قد انتهى”.
تعليقات الزوار ( 0 )