دخل إدوارد فيليب، رئيس الوزراء الفرنسي السابق الموالي للرئيس إيمانويل ماكرون، على خط المطالبين بمراجعة اتفاقية التنقل بين الجزائر وفرنسا لسنة 1968، التي تتيح امتيازات خاصة للمهاجرين الجزائريين، وذلك في مجاراة لموقف اليمين الذي يشن حملة غير مسبوقة لإلغاء هذه الاتفاقية.
وقال فيليب، الذي يقود حزب “أوريزون” المنخرط في الأغلبية الرئاسية النسبية، في حوار مع مجلة “لكبرس”، إن اتفاقية 1968 تحدد بشكل كامل القانون المطبق على دخول وإقامة الرعايا الجزائريين، بشروط أفضل بكثير من القانون العام، معتبرا ذلك “سمة مميزة للغاية، إذ لا يتمتع أي مواطن من دولة أخرى بهذه المزايا”، على حد تعبيره.
وأضاف رئيس وزراء ماكرون السابق “بالطبع، هناك علاقات تاريخية قوية للغاية بين فرنسا والجزائر، لكن الحفاظ على مثل هذا الوضع اليوم مع بلد لدينا علاقات معقدة معه لم يعد له ما يبرره بالنسبة لي”.
وحذر فيليب من أن الهجرة أصبحت “أمرا واقعا” في فرنسا، مع “تسارع شديد للغاية في زيادة عدد الأجانب” منذ بداية العقد الأول من القرن الحادي والعشرين. ولفت إلى تغير “الأصل الجغرافي للأجانب”، إذ تأتي نسبة أكبر من الأجانب من شمال أفريقيا وأفريقيا جنوب الصحراء، حسبه. وذكر أنه خلال هذه الفترة، زاد عدد السكان الفرنسيين بنسبة 9 بالمئة بينما ارتفع عدد الأجانب بنسبة 53 بالمئة، ولا يوجد في هذا التطور ما يتوافق مع خيار سياسي أو قرار كنا اتخذناه”، في دعم لفكرة أن الهجرة أصبحت أمرا واقعا وفرضت نفسها على الجميع.
ويعد هذا أول موقف مناوئ لاتفاقية 1968 من قبل شخصية سياسية ثقيلة محسوبة على الموالاة، وذلك في توقيت مريب يسبق زيارة الرئيس الجزائري عبد المجيد تبون إلى باريس المقررة هذا الشهر، ما يجعل من الصعوبة بمكان فصل تصريحات فيليب عن سياق الضغط، الذي يحاول تيار اليمين بشقيه المتطرف والمعتدل فرضه على الرئيس الفرنسي، من أجل حمله على فتح موضوع هذه الاتفاقية مع ضيفه الجزائري.
وتاريخيا، يعد إدوارد فيليب من تيار اليمين المعتدل حيث نشأ في كنف مساندة آلان جوبيه رئيس الوزراء السابق الشهير سنوات التسعينيات، ثم اختاره ماكرون في عهدته الأولى ليكون رئيس وزراء أولى حكوماته. وفي ظل وجود ماكرون في ولايته الأخيرة، بات كثيرون يقدمون فيليب كخليفة محتمل على رأس فرنسا، ما قد يفسر رغبته في التحرر من واجب التحفظ، الذي فرضه عليه موقعه كمساند لماكرون، وطرح وجهة نظر مخالفة خاصة في مسائل الهجرة، التي تلقى تفاعلا واسعا في الشارع الفرنسي.
ويتساوق ما طرحه فيليب، مع ما كانت شخصيات سياسية وفكرية محسوبة على اليمين قد طالبت به منذ أسابيع فقط. وفي مقدمة أولئك السفير الفرنسي السابق في الجزائر، اكزافيي دريونكور، الذي أجرى مقابلتين مع صحيفة لوفيغارو ومجلة لوبوان، من أجل الدعوة لإعادة النظر كليا في اتفاقية 1968، التي لم تعد صالحة، حسبه، اليوم، بالنظر للتحول الطارئ في نظرة المجتمع الفرنسي عموما لظاهرة الهجرة.
وطرح السفير السابق خطة على الحكومة الفرنسية تخلصها، وفقه، من حرج هذه الاتفاقية، إذ قال “يمكننا على سبيل المثال أن نقول للحكومة الجزائرية: لنمنح أنفسنا ستة أشهر لإصلاح نظام التنقل بأكمله بين البلدين، لأنه يمكنكم أن تروا بوضوح أن مسألة الهجرة تهيمن على الحياة السياسية الفرنسية. وقضية التأشيرات (مثل الذاكرة) تسمم علاقتنا الثنائية، وإذا رفضوا ذلك، فسنضطر في غضون ستة أشهر إلى إنهاء اتفاقية 1968”.
من جانبه، قال رئيس حزب الجمهوريين اليميني في فرنسا، إيريك سيوتي، إنه يجب مراجعة اتفاقية 1968، مستغربا في لقاء تلفزيوني له استمرار “منح امتيازات للجزائريين الذين يقومون بشتمنا كل يوم”، على حد زعمه. وبرر هذا السياسي الذي يعد من صقور اليمين، دعوته بكون القنصليات الجزائرية باتت ترفض تماما منح مواطنيها الذين صدرت في حقهم قرارات طرد، تصاريح عبور من أجل عودتهم لبلادهم. وطرح حزب الجمهوريين في السياق مشروعا كاملا يتضمن تدابير قاسية للحد من ظاهرة الهجرة، نشرته قبل أسابيع صحيفة “لوجورنال دوديمونش”.
وتوجد في اتفاقية 1968، التي تم التفاوض بشأنها سنوات فقط بعد استقلال الجزائر، عدة امتيازات، بعضها كان متعمدا لجذب العمالة الجزائرية في وقت كان الاقتصاد الفرنسي يشهد انتعاشا كبيرا وبحاجة ماسة لليد العاملة. ومن هذه الامتيازات، حصول الجزائريين على شهادة إقامة لمدة 10 سنوات بعد 3 سنوات من الإقامة مقابل 5 سنوات للآخرين، وحق الجزائري المتزوج من فرنسية في الحصول على شهادة إقامة لمدة 10 سنوات بعد عام واحد من الزواج، والتسهيلات الخاصة بممارسة مهنة حرة والحصول على إقامة لمدة 10 سنوات بموجب ذلك. كما يمكن للجزائري، بعد 10 سنوات من إثبات الوجود في فرنسا، أن يسوي وضعيته والحصول على كامل حقوقه حتى وإن دخل فرنسا بطريقة غير شرعية.
(القدس العربي)
تعليقات الزوار ( 0 )