قال محمد عبادي الأمين العام لجماعة العدل والإحسان، في افتتاح أشغال المؤتمر الدولي بمناسبة الذكرى الثامنة لرحيل الإمام عبد السلام ياسين، مؤسس التنظيم الإسلامي، إن “هذه الذكريات كانت تعقد ونحن مجتمعون، ولكن شاءت قدرة الله سبحانه وتعالى في هذه السنة أن تعقد عن بعد، خفف الله عن المؤمنين الذين كانوا يودون الحضور، اختصر عليهم الزمان والطريق”.
وأضاف عبادي أن هذه الذكرى تحل و”عالمنا الإسلامي لا يزداد إلا قتامة وترديا وانحطاطاً، توالت علينا النكبات والابتلاءات، وأصبحنا غثاء كغثاء السيل، تكالبت علينا قوى الشر التي توظف إمكانياتها الهائلة لتعيث في أرضنا فساداً، لتشعل فتائل الحرب هنا وهناك، وتأجج نار العداوة والأحقاد بيننا، مزقتنا شيعاً وأحزاباً، نهبت أموالنا، استباحت حرماتنا، أهانت مقدساتنا وعلى رأسها الحبيب المصطفى صلى الله عليه وسلم”.
وتابع الرجل الأول في جماعة العدل والإحسان، أن هذا الأمور “خدرت عقول شبابنا، ومسخت فطرتهم السليمة، دعمت ونصبت حكاماً علينا من بني جلدتنا، أمدتهم وما زالت تمدهم بالمال والسلام لقمع الشعوب واستعبادها، روضتهم على اتخاذ الصهاينة أصدقاء يعانقونهم ويآكلونهم ويجالسونهم، استسلم الحكام وخضعوا طعماً في الحفاظ على عروشهم وما دروا أن الجائرة ستدور عليهم”.
وأردف المتحدث نفسه: “وها هم اليوم يراودوننا نحن الشعوب، بل ويرغموننا أحيانا على أن نسلك مسلكهم ونرحب في ديارنا بالعدو اللدود الذي قتل الآلاف من إخواننا الفلسطينيين وما يزال يقتل، وشرد الملايين وما يزال يشرد، وقلما يمر يوم دون أن تطلعنا وسائل الإعلام على جرائمه المتنوعة من قتل واعتقال وهدم للبيوت وإبعاد حصار، أنستجيب ونخنع ونرضى بالذل والهوان؟”، مشدداً: “تبا لنا وسحقا إن فعلنا ذلك؛ إنه خزي الدنيا وعذاب الآخرة، اللهم إنا نبرأ إليك مما يفعل حكامنا”.
وأوضح عبادي: “إخواننا في فلسطين هم أحق من يجب أن ندافع عنهم، فهم منا ونحن منهم، والأمة جسم واحد لا يمكن أن يتجزأ”، مشيراً إلى أن هناك من يقول: إن “تازة قبل غزة”، وهذا كلام مردود، حسبه، “لا فرق عندنا بين تازة وغزة والصحراء وسبتة ومليلية؛ كلها أرض المسلمين يجب أن نستردها وأن ندافع عنها”.
وواصل زعيم أكبر تنظيم إسلامي معارض في المغرب: “فلسطين هي أقدس أرض على وجه الأرض بعد الحرمين الشريفين، هي قبلتنا الأولى؛ المسجد الأقصى، وسكانها شهد لهم رسول الله صلى الله عليه وسلم بأنهم الطائفة التي لا تزال على الحق لا يضرها من خالفها حتى يأتي أمر الله وهم على ذلك، “قَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ وَأَيْنَ هُم؟ قَالَ: بِبَيْتِ الْمَقْدِسِ وَأَكْنَافِ بَيْتِ الْمَقْدِسِ“. فالدفاع عن إخواننا في فلسطين أمر واجب شرعا”.
واسترسل: “وحتى إذا فرضنا أن دولة ما اعتدت على مجتمع آخر ولو كان كافرا، فالواجب الديني والإنساني والقانوني يوجب علينا الدفاع عن المظلومين أيا كانوا، “وَمَا لَكُمْ لَا تُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَالْمُسْتَضْعَفِينَ”، فالمستضعفون في الأرض يجب أن ندافع عنهم، فكيف إذا كان هذا المستضعف من أحب الناس إلينا ومن عباد الله الصالحين، فلا ينبغي أن نستجيب لهذه الدعوة الآثمة”.
ونبه المتحدث نفسه: “أمتنا أرادها الله سبحانه وتعالى عز وجل أن تكون خير أمة أخرجت للناس؛ تأمر بالمعروف وتنهى عن المنكر، تحرر البشرية وتقيم العدل “وَكَذَٰلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا لِّتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ وَيَكُونَ الرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيدًا ۗ“”، مردفاً: “هكذا كانت في بدايتها، وهكذا ستكون إن شاء الله تعالى عندما يأذن عز وجل بالذهاب للقضاء على هؤلاء المفسدين المستعبِدين لخلق الله سبحانه وتعالى عز وجل، فالاستضعاف له أمد والاستكبار له أمد لا يمكن أن يتجاوزه، “وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الْأَرْضِ”، وهذا وعد سيتحقق بإذن الله سبحانه وتعالى عز وجل لأن الله لا يخلف الميعاد”.
ومضى عبادي يقول: إن المستضعفين في “الأرض سيكونون هم الوارثون بحول الله سبحانه وتعالى عز وجل، ورسول الله صلى الله عليه وسلم أخبرنا أن الله سبحانه وتعالى يبعث على رأس كل مائة سنة من يجدد للأمة أمر دينها، وهذه سنة الله عز وجل في الكون، كلما فسدت أمة بعث فيها نبيا يردها إلى رشدها ويعيدها إلى فطرتها، ما من قرية إلا خلا فيها نذير “ثُمَّ أَرْسَلْنَا رُسُلَنَا تَتْرَىٰ“ ؛ تتابعا، قبل الإسلام، وبعد الإسلام وعبر التاريخ رأينا أن الله سبحانه وتعالى يبعث على رأس كل مائة سنة من يجدد للأمة أمر دينها، واليوم نرى انتفاضات في العالم الإسلامي، وحركات، هذه الانتفاضات والنداءات للتحرر من قيود الجاهلية وسلطانها”.
واستطرد المتحدث نفسه: “نجتمع اليوم لإحياء ذكرى هذا الرجل، لماذا؟ هناك أهداف ومقاصد سامية؛ وَاتَّبِعْ سَبِيلَ مَنْ أنابَ إليَّ، فكيف تتبع من لا تعرف؟”، مسترسلاً: “اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ، صِرَاطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ”، كيف نسلك طريقهم إذا لم نتعرف على الأسباب التي جلبت لهم نعمة الله سبحانه وتعالى عز وجل؟ إذن فمدارسة سيرتهم أمر إلزامي وضروري، فعن طريق التعرف تحصل المحبة ويحصل الاقتداء لرسول الله صلى الله عليه وسلم وعلى آله، فهم لا يدعوننا إلى أنفسهم وإنما يدعوننا إلى متابعة الحبيب المصطفى صلى الله عليه وعلى آله وسلم، وإذا اتبعنا رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم أوصلنا إلى ربنا: “قُلْ إِن كُنتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ”.
وزاد عبادي بأن “المقصد الثاني من إحياء هذه الذكرى؛ استمطار رحمة الله تعالى والتعرض لنفحاته، يقول الشاعر: اذكر الصالحين وسمهم ▪️▪️ فبذكرهم تتنزل الرحمات”، متابعاً: “ذكرهم عبادة نتقرب بها إلى الله سبحانه وتعالى عز وجل، في القرآن آيات كثيرة يقول فيها الله عز وجل أن نذكر أنبياءه: واذكر في الكتاب إدريس، واذكر في الكتاب أيوب.. هذا ذكر للأنبياء وللأولياء، وهي عبادة نتقرب بها إلى الله سبحانه وتعالى عز وجل، بهذا الذكر نقوي صلتنا ورابطتنا بهم، الشيء الذي يلحقنا بهم غدا يوم القيامة، نسأل الله تعالى أن يحشرنا في زمرتهم”.
أما المقصد الثالث، يواصل عبادي، فهو “الترحم على هذا الرجل الذي كان سببا لما نحن فيه من خير، الرسول صلى الله عليه وسلم أمرنا قائلا: “من أسدى إليكم معروفاً فكافئوه، فإن لم تستطيعوا فادعوا له حتى تروا أنكم قد كافأتموه”، قد يكافئ الإنسان إنسانا آخر أسدى إليه معروفا ما ولكن كيف تكافئ من دلك على الله، من غرس الإيمان في قلبك؟ مهما بذلنا ومهما حاولنا أن نكافئه فلا نستطيع، نسأل الله سبحانه وتعالى عز وجل أن يجازيه عنا وعن دعوته خيرا”.
ومن المقاصد كذلك، على حدّ قول عبادي: “تجديد النية والعزم على المضي قدما لتحقيق هذا المشروع؛ مشروع العدل والإحسان، والتعريف به، الإمام المرشد رحمه الله ليس ملكا للجماعة فهو ملك للمسلمين وملك للأمة جمعاء، علينا أن ننشر دعوته في الآفاق، فمشروعنا مشروع دعوة، ودعوة رسول الله صلى الله عليه وسلم هي رحمة وعطف وشفقة وتدرج وإحسان إلى خلق الله سبحانه وتعالى عز وجل، هذه المعاني كان الحبيب المرشد يعيشها، الشيء الذي دفعه إلى أن يخاطب البشرية جمعاء من خلال ما كتب، يدعوها إلى الله سبحانه وتعالى عز وجل، يدعوها إلى إقامة العدل، ويدعوها إلى التعاون على ما فيه صلاح الدنيا والآخرة، هاله أمر الأمة وأمر البشرية، فكان يتمزق في داخله أسى وحسرة على ما آل إليه أمر المسلمين وأمر البشرية جمعاء، فواصل الليل والنهار يفكر في طريق الخلاص، فهداه الله سبحانه وتعالى إلى هذا المشروع الذي أطلق عليه: “المنهاج النبوي تربية وتنظيما وزحفا”.
تعليقات الزوار ( 0 )