بالأمس، أعلن عالم الاجتماع يورغن هابرماس رفضه جائزة الشيخ زايد للشخصية الثقافية لعام 2021، بسبب الأبعاد السياسية للجائزة. وقبل عدة شهور، قاطع عدد من الباحثين والأدباء العرب -منهم كاتب هذه السطور- الجائزة نفسها بسبب إعلان دولة الإمارات عن علاقاتها السياسية والاقتصادية والعلمية مع الاحتلال الإسرائيلي لفلسطين، وسعيها لدفع دول عربية أخرى إلى اتخاذ المسار نفسه.
ربما يحفز رفض هابرماس للجائزة، وتسليطه الضوء على خدمتها لأغراض سياسية على التفكير في أثر الجوائز التي تمنحها الأنظمة العربية على الطامحين إليها، وعلى المجالات التي تُمنح فيها.
تعمل معظم الجوائز وأشكال التكريم الرسمية في عالمنا العربي وفق آلية الجزرة المعلقة أمام الحمار؛ أي أنها أدوات تُستعمل لضمان ولاء الراغبين في الحصول عليها، وحفزهم على تأييد الأنظمة السياسية المانحة، وإظهار الإعجاب بها، أو على الأقل السكوت عن ممارساتها، وعدم نقدها. ويعني هذا أن على الراغب في الحصول على أية جائزة أن يحرص طوال الوقت على ألا ينطق أو يكتب حرفًا يمكن أن يؤخذ عليه يومًا ما، حتى يكون من قائمة المرضي عنهم. ويشمل ذلك تجنب نقد كافة أشكال التحالف مع قوى الاحتلال، والقهر، والفساد، والعنصرية، والتلاعب، والتمييز، والسيطرة، وغيرها من التشوهات التي تنتشر في بلدان العالم العربي من المحيط إلى الخليج. وهذا شكل خطير من أشكال تقييد حرية الرأي والفكر والإبداع، يمارسه الأفراد طوعًا على أنفسهم، على أمل أن يحظوا يومًا ما بالجزرة الموعودة، متخلين عن حريتهم ونزاهتهم واستقلالهم، قربانًا لليوم الموعود.
من ناحية أخرى، فإن تحول بعض الجوائز إلى “مكافأت” للولاء، على حساب الجودة، يُدمِّر معيار القيمة في مجال منحها. فحين تُمنح جائزة كبرى لأعمال ضعيفة أو متوسطة القيمة (وفي بعض الأحيان مسروقة) لأن صاحبها من المرضي عنهم، يتخلخل معيار القيمة نفسه، لا سيما عند شباب أجيال جديدة لا يعرفون قواعد اللعبة، يظنون أن هناك علاقة بين الجوائز والإجادة. والنتيجة المترتبة على ذلك مدمرة تقريبًا؛ فبحصول أعمال رديئة على تقدير عالي، تتحول هذه الأعمال الرديئة نفسها إلى معيار يقيس إليه الآخرون أعمالهم، ويكتسب ضعاف القيمة من الحائزين على الجوائز سلطة، يفرضون بواسطتها قيمهم ومعاييرهم الرديئة على الآخرين. بالطبع هناك علماء ومبدعون يستحقون الجوائز التي يحصلون عليها، بل ما هو أعلى منها بكثير، لكن هؤلاء غالبًا قلة، يكون اختيارهم بهدف تبييض وجه الجوائز المُسيَّسة لا أكثر ولا أقل.
آمل أن يؤدي موقف هابرماس إلى زيادة الوعي بمخاطر الجوائز المسيَّسة على حريات الباحثين والمبدعين، وأن ينحاز الباحث والمبدع – في أي مجال – إلى حريته، ونزاهته، واستقلاله، فلا يكتب حرفًا إلا إرضاء لضميره الإنساني والمهني، فإن حظي بتقدير أو مكافأة، نالها وهو مرتاح الضمير، وإن حُجِب عنه شيء، لم يندم على وهم السراب وقبض الريح.
*أكاديمي مصري متخصص في البلاغة السياسية
تعليقات الزوار ( 0 )