في آخر ما تبقى من مباني حي المغاربة الذي دمرته إسرائيل عقب احتلالها القدس، تستمر المغربية المقدسية عائشة المصلوحي في مجاورة المسجد الأقصى بالمدينة الفلسطينية.
لم تفرط بأصولها المغربية، ولم تبرح حيها رغم تدميره، وظلت مقيمة بجوار الحرم القدسي، مواصلة بذلك مسيرة رباط مغاربي ضارب في تاريخ القدس.
أصل مغربي ومنشأ مقدسي
حاورت الأناضول المرابطة المصلوحي، الموجودة بالمغرب في زيارة عائلية، وتحدثت عن قصة نشأتها المقدسية وأصولها المغربية ورباطها في المسجد الأقصى.
وعن هذه النشأة، أوضحت المصلوحي أن والدها الذي ولد وكبر في قرية “تمصلوحيت” بمراكش (شمال) كان سبب وجودها وعائلتها في مدينة القدس، حيث استقر في المدينة بعد عودته من أداء فريضة الحج.
وأضافت: “كان لدى الحجاج المغاربة عادة تتمثل في وجوب التوجه بعد الانتهاء من الشعيرة إلى المسجد الأقصى ثم الرجوع إلى بلادهم، وكان بعض هؤلاء يفضلون البقاء في القدس خاصة مع وجود حي كبير للمغاربة في القدس”.
وتابعت: “كان والدي من الذين فضلوا البقاء ومجاورة المسجد، وسكن بحي المغاربة، وتزوج والدتي المقدسية وولدت أنا في ذلك الحي الملاصق للمسجد الأقصى، وبقينا محتفظين إلى جانب هويتنا المقدسية بوثائقنا الشخصية المغربية”.
وشكل احتفاظ المصلوحي بجنسيتها المغربية ووثيقتها المقدسية فرصة خولت لها حرية التنقل بين المغرب وفلسطين، وعدم الانقطاع عن أي منهما.
جوار الحرم القدسي
وبحسب المصلوحي، ظلت عائلتها مجاورة للمسجد الأقصى بحي المغاربة، الذي كان “حيا عامرا مزدهرا بأهله وعلمائه”.
وأوضحت: “كنَّا نسكن في الحي مع مئات العائلات التي ترجع في أصولها المغاربية إلى الجزائر وتونس والمغرب، لكن العدد الأكبر من سكان الحي كانوا ممن جاء من المغرب”.
وأردفت أن “حب بيت المقدس فريد من نوعه وأنا دائما أقول إنه موجود في جيناتهم، وهو الذي دفعهم إلى السكن في هذا الحي منذ عهد صلاح الدين ومجاورة المسجد الأقصى والرباط فيه”.
ويعود تأسيس حي المغاربة غربي المسجد الأقصى بحسب مؤرخين إلى عهد صلاح الدين الأيوبي الذي حرر القدس سنة 1187 للميلاد بعد 88 من الاحتلال الصليبي.
وبحسب الروايات التاريخية، فقد منح صلاح الدين المنطقة الغربية الملاصقة للمسجد الأقصى للمجاهدين الذين التحقوا بجيشه من دول المغرب العربي وبذلك سمي حي المغاربة.
آخر ما تبقى من حي المغاربة
وعقب احتلال إسرائيل لكامل مدينة القدس والضفة الغربية وقطاع غزة، وهزيمة الجيوش العربية في 5 حزيران/ يونيو 1967، أخلت القوات الإسرائيلية حي المغاربة وهدمته كاملا، بدعوى إيجاد ساحة لأداء الصلوات اليهودية أمام حائط البراق.
وعن هذا الحدث قالت المصلوحي: “كانت نكسة حزيران مؤلمة للجميع وبالخصوص للمغاربة بعد تدمير حيهم وتهجيرهم سواء إلى أحياء القدس الأخرى أو إلى دول شتى”.
وأضافت: “كنا نحن ممن بقي في مدينة القدس بعد هدم الحي واتخذنا زاوية المغاربة التي تعد المبنى الوحيد المتبقي من حي المغاربة مسكنا لنا بعد هدمه وتهجيرنا”.
وتابعت: “كانت هذه الزاوية قبل حرب 67 مخصصة لاستقبال الحجاج المغاربة وإيوائهم والتكفل بمأكلهم، وكان للزاوية عدة أوقاف في عدة مدن فلسطينية تمول احتياجاتها من أجل خدمة الحجاج”.
وأوضحت أنه “بعد هدم الحي، لجأت عائلتي برفقة 9 عائلات مغربية أخرى إلى الزاوية واستقرينا فيها إلى يومنا هذا”.
رباط وعقيدة
وعن رباطها إلى جانب عائلات مغربية أخرى في القدس، قالت المصلوحي “إن الرباط جزء من العقيدة وهو تشريف وتكليف إلهي من الله سبحانه”.
وتابعت: “حبنا لهذا الموقع شديد جدا ولا أحد من العائلات الموجودة في الزاوية يريد المغادرة رغم مساحتها الضيقة جدا”.
وبينت: “نحن الآن عشر عائلات مغربية في الزاوية ولكل عائلة غرفة واحدة فقط مع منافعها، لكن هذه العائلات ما زالت متمسكة بهذا السكن من أجل الحفاظ على الزاوية وكذلك حرصا على جوار المسجد الأقصى”.
وأكملت: “الرباط في القدس اليوم من المغاربة وغيرهم من الذين ارتبطوا بالقدس ولا يوجد فيهم من يفكر أبدا في الهجرة أو النزوح”.
علاقات وثيقة
وعن الروابط التي تربط المغاربة بفلسطين، قالت المصلوحي “إن العلاقات بين الشعبين تاريخية متجذرة، فالجالية المسلمة المغربية في فلسطين موجودة منذ مئات السنين”.
وأضافت أنه “ما زالت هذه الروابط قائمة وقوية بين الشعبين، وما زالت القضية الفلسطينية تعني للمغاربة الشيء الكثير”.
وزادت: “الشعب المغربي شعب متعاطف مع القضية والفلسطينيون محبون للمغرب، وقد لمست ذلك عندما أقمت في المغرب مدة خمس سنوات”.
ولفتت إلى أن الارتباط المغربي بفلسطين تؤكده “مواقف الشعب المغربي المشرفة من فلسطين وكذلك الموقف الرسمي المغربي”.
رسالة ألم
وعن رسالتها إلى مسلمي العالم، قالت المرابطة المقدسية “يجب في ظل فتور الاهتمام بالقضية الفلسطينية على الجميع – حسب قدرة كل شخص ومن موقعه – أن يعمق الشرح لهذه الأجيال الجديدة حول فلسطين حتى يعرف العالم أن هناك شعبا شُرد ظلما وعدوانا من أرضه ولا يزال”.
وأضافت: “يجب على المسلمين حول العالم النظر بعمق أكثر وبعطاء أكثر للقضية الفلسطينية لأن المسجد الأقصى ملك للمسلمين عامة وليس للفلسطينيين وحدهم”.
وتابعت: “أعداؤنا كسبوا معركة الإعلام في العالم كله، ونحن تقاعسنا عن إظهار حقيقة ما يجري على أرض الواقع، والتعريف بالانتهاكات والظلم الذي يتعرض له المقدسيون والفلسطينيون عامة، وهو الدور الذي يجب القيام به اليوم بقوة”.
تعليقات الزوار ( 0 )