Share
  • Link copied

طوفان الأقصى وبيان كارثي لمجموعة من العلماء!!

منذ يوم السابع من أكتوبر، وبعد الإعلان عن عملية: (طوفان الأقصى)، وما تلاها من أخبار ملأت الدنيا وشغلت الناس، وحديث الناس لا ينقطع عن هذا الإنجاز التاريخي للمقاومة ضد الاحتلال الصهيوني، لكن على هامش هذا النقاش تدور حوارات أخرى، تدور في فلك الفتوى، وكثير منها للأسف من غير أهل الفتوى، وفي غير محلها، وفي غير سياقها ووقتها.

رغم ما أضافته وسائل التواصل الاجتماعي من زخم كبير للأحداث، في كل حدث مهم في الأمة، إلا أنه يضيف أيضا عبئا آخر في غالبه يكون في باب الضرر، أو باب صرف الناس عن الموضوع الحقيقي لموضوعات فرعية أحيانا، وتحرف بوصلة الناس عن الحدث الحقيقي أحايين أخرى.

فتاوى غير مطلوبة:

فهناك فتاوى أو آراء فقهية، بدأت تنتشر، وتطفو على سطح النقاش، فيما يتعلق بما حدث في الأراضي المحتلة، وما تلاه في اليوم التالي يوم الثامن من أكتوبر، من عملية قتل سائحين إسرائيليين، على يد مجند مصري في الإسكندرية.

نقاش يدور حول المشاهد التي تناقلتها وسائل الإعلام المختلفة، لمشهد الأسرى من المحتلين، نساء ورجالا وأطفالا، ثم الحديث عن جدوى ما يفعل، وأنه سيكون له رد فعل عنيف ضد أهل المقاومة والمدنيين منهم، ثم انتقل الحديث عن الجندي المصري، وأنه قتل مستأمنين، وهل هذا يجوز أم لا؟

والحقيقة أن جل من أدلوا بدلوهم في هذه القضايا، لم يطلب أحد رأيهم، ولا يمثل رأيهم أهمية وقيمة سواء للموافقين على ما تم، أو الرافضين، ولا يمثلون مرجعية لمن قاموا بهذه الأعمال سواء في الأراضي المحتلة، أو في مصر، لكنها للأسف موضة: نحن هنا، لنا رأي، اسمعوا رأينا، إننا أهل اطلاع وفقه وعلم، بينما أهل العلم الذين طلب منهم الرأي، الكثيرون منهم لاذوا بالصمت، ليس هروبا من الجواب، بل هروبا من حرف السياق والكلام عن موضعه، إلى موضع آخر يراد لنا أن ننصرف به عنه.

بيان كارثي لمجموعة من العلماء:

وقد صدر بيان عن مجموعة من أهل العلم، للأسف وقعوا أيضا فيما وقع فيه العامة، وكان يسعهم السكوت، فبيانهم الذي أفتوا فيه بأن استهداف المحتلين في أي أرض كان أمر جائز، بغض النظر عن مرجعيته الفقهية والشرعية، فإنه يوقعهم في تناقض شديد، دون أن يدروا، هل لأن العملية في بلد بعيد عن الموقعين، يكون ذلك أدعى للحديث بأريحية؟! هذا منطق غير سديد في التفكير الفقهي، فماذا لو أن أحدا أخذ بفتواهم في البلدان التي يقيمون فيها، لا شك سيسبب لهم حرجا بالغا، إلا لو كان التعميم مقصودا، ووقتها سيكون تعميما مخلا فقهيا، وأرجو أن يراجع القوم بيانهم، وضبطه فقها وشرعا، ولا تجرهم الأحداث الملتهبة لإصدار فتاوى من جنس الأحداث.

بعض هذه الفتاوى التي علقت على الحادث المصري، منهم من تبرع للحديث عن حرمة هذا الفعل، وأن الجندي أخطأ، وارتكب مصيبة ستجر مصائب علينا، ومنهم من أصل لجواز ما فعله، وأن هذه العقود من الأمان والعهود صدرت من حكومات غير معترف بها، والعجيب أن أصحاب هذه الآراء يستدلون بالكتب الفقهية المذهبية التي تبين أنواع الأمان والمعاهدات، وكلها تتحدث عن أئمة جور وظلم، ولكنهم متغلبون، فهنا تناقض شديد أيضا، يقع فيه من يتبرعون بمثل هذه الفتاوى، بين الاستدلال بفقه ضد ما استدلوا به.

من الفتاوى التي وقفت معجبا بالشيخ الذي أفتى، رغم أنه كثيرا ما يمكن الاختلاف مع هذا الشيخ في فتاواه، فتوى للشيخ مصطفى العدوي، فقد اتصل به سائل يسأله عما حدث في فلسطين، وهل هذا يجوز؟ لم يجبه العدوي، بل راح يعلمه أن السؤال خطأ، وفيه تجني، كان عليك أن تسأل أولا عما يفعله الظلمة بهم، وأن ما حدث هو أقل من معشار ما يفعله معهم الظلمة، فانتقل الشيخ من الجواب، إلى تصحيح السؤال، وفي تصحيح السؤال إجابة بليغة لمن يتأمل.

السكوت ليس هروبا:

ربما فهم البعض أن السكوت هروب من الفتوى، وهو ما ليس صحيحا، لأن كثيرا ممن تسرعوا بالفتوى، لم ينتظروا في حادث الجندي المصري مثلا، حتى تظهر المعلومات الكاملة عن الموضوع، بل كل راح يدلي بلدوه بالحل أو الحرمة، دون انتظار التفاصيل، والتفاصيل بلا شك تحمل جزءا كبيرا من الإجابة، لمن يمتلك أدوات الفتوى الصحيحة.

كما أنه في مثل هذه الحالات ليس من الحكمة فيمن يفتي أن يحكم على الفعل، مغفلا الدوافع للفعل، وتارة يكون المفتي ذكيا حين يركز على الدوافع، إذا كانت الدوافع قوية، بل أقوى من الفعل، أو يجمع بين الأمرين، فيتحدث عن الفعل إن كان يرفضه أو يدينه، لكنه لا يغفل الدوافع والمبررات، خاصة لو كانت دوافع ومبررات مشروعة، وهو منهج نبوي، ففي حديث الصحابي الذي حرص على صلاة الجماعة، وأن يدرك الركعة مع النبي صلى الله عليه وسلم، فدخل المسجد راكعا وقد كان في الطريق إليه، فبلغ ذلك النبي صلى الله عليه وسلم فقال له: “زادك الله حرصا، ولا تعد”، فهنا رغم نهيه عن العودة للفعل مرة أخرى، إلا أنه لم يغفل دوافعه والتي كان منبعها الحرص على الأجر.

هذه الفتاوى متكررة في الأحداث الأخيرة، وأصبحت ظاهرة غريبة، فيحدث في الأمة حدث مهم، يتعلق بقضية مهمة، يترك الناس الحدث، والتحليل لما وراءه، لينتقل للحديث عن الفتوى، وحكم الفعل، وحكم الفاعل، بينما الفتوى ليست عاجلة، فالفعل قد تم وانتهى، فالفتوى تكون عاجلة في أمر سيحدث، أو أمر حادث ومستمر، لكن العجيب أن الظاهرة أصبحت تتعلق بأحداث منتهية، وليست فتواه عاجلة، بل لو ظلت أياما متأخرة ما تأثر الواقع والحدث، لكن شبق الكتابة والتعليق وإبداء الرأي، أصبح مسيطرا على الحالة التي تعيشها الأمة للأسف.

Share
  • Link copied
المقال التالي