Share
  • Link copied

طفيليو الأعراس والمآتم بالمغرب

سبق للجاحظ لقرون خلت، أن تناول ظاهرة اجتماعية ميزت المجتمع البغدادي في عهد العباسيين  حيث تطرق في سياق كتابته عن البخلاء إلى ظاهرة طفيلي  الأعراس والجنازات ، خلد فيها اسم أشعب الطماع “صاحب المثل في الطمع وذو النوادر فيه، هو أشعب بن جبير واسمه شُعيب وكنيته أبو العلاء، كان يُقال لأمه أمّ الخَلَنْدَج، وقيل بل أم جميل، وهي مولاة أسماء بنت أبي بكر واسمها حُميدة”. وقد امتلأت بطون كتب الأدب والتراث العربيين بحكايات أشعب مع الطعام وشرهه وحضوره الولائم. فقد عاش مترصدا إياها مقبلا عليها، فذُكر في كتابي “الحيوان” و”البيان والتبيين” للجاحظ، وعند ابن كثير في “البداية والنهاية”، وفي “نهاية الأرب في فنون الأدب” للنويري.

كما أن ظاهرة التطفيل والطفيليين الكثير من اهتمام كثير من الأدباء على كافة مستوياتهم وأدواتهم و الوقوف بحزم فى وجوه أصحابها وفضحهم والنيل منهم بعد سبر أغوارهم والتعرف على الأسباب والدوافع التى ساعدتهم على ذلك النهج . ومن هذه الكتب كتاب التطفيل وحكايات الطفيليين وأخبارهم ونوادر كلامهم وأشعارهم من  تأليف أبى بكر أحمد بن على بن ثابت الخطيب البغدادى .وقد تركت لنا كتب الأدب العربى الكثير من القصص والمواقف التي تشهد وتحلل وترصد وتسجل أسماء هؤلاء الأشخاص الذين أثاروا حالة من الإشمئزاز والنفور عندهم .  فالطفيلى شخصية مذمومة لأنه يمارس فعلاً يرفضه الناس على كافة الأصعدة ومهما بلغت بهم درجة الجود والكرم وارتفع شأنهم ، ولا تجد تلك الشخصية موضع قدم لنفسها ولا رحابة صدر تتسع لها ولا وقعاً طيباً لدى الناس لما تتركه من أثر سيئ في نفوسهم .

لكن على الرغم من شيوع هذه الظاهرة في المجتمع المغربي بحكم إقبال المغاربة في عاداتهم وسلوكهم الاجتماعي على الإكثار من المناسبات التي يحضر فيها الطعام والأكل من وأعراس وجنازات وبالتالي يحضر فيها الطفيليون  فليس هناك أي التفاتة من طرف الكتاب المغاربة للاشارة إلى هذه الظاهرة  التي تطورت مع المجتمع المغربي خاصة في الأحياء الشعبية . إذ أن اضطرار ساكنة هذه الاحياء إلى نصب الخيام سواء بأسطح المنازل أو نصب الخيام بساحات الدروب والأحياء يشكل فرصة لطفيلي الاعراس والمآتم للانسلال إلى هذه الحفلات والجلوس إلى موائد الطعام دون أن تتم دعوتهم أو تتم استضافتهم. حيث أصبح العديد معروفين لدى ساكنة الدارالبيضاء على سبيل المثال كالطفيليين اللذين كانا معروفين باسمي “صاروخ الطعام ” و”خليفة” بالحي الحسني ، وأسماء أخرى لطفيليين  بأحياء شعبية بالدارالبيضاء حتى لقبوا في بعض أحياء المدينة القديمة  بطيور الموت . وقد طور هؤلاء الطفيليون طريقة تحركاتهم في اقتناص أطعمة المآتم. حيث سهل الهاتف النقال التواصل فيما بينهم لتحديد أماكن الجنازات التي عادة ما تنصب خيامها بالدروب والأزقة ، وتوقيتها وأسماء العائلات المنظمة لها .

 ولهؤلاء الطفيليين استراتيجية  خاصة لحضور هذه المآتم  والانتشار بين موائد الطعام ، حيث يتوزعون وحدانا وزرافات بين هذه الموائد دون أن يكون لهم سابق علم أو معرفة لا بأقرباء الفقيد ولا بمعارف المعزين  أو بنوعية المدعوين المتحلقين حول الموائد. إذ أن هدفهم الأساسي هو التموقع بشكل يسهل لهم الانقضاض على ما يقدم من أطعمة ومشروبات وفواكه، مستغلين تحفظ المدعويين والضيوف  لابتلاع أكبر كمية ممكنة من هذه الأطعمة وشرب أكبر عدد من أكواب الشاي وكؤوس المشروبات الغازية ،  دون إبداء أي  حرج  في إظهار شراهتهم في البلع و المضغ . وبالتالي ، فانتشار هذه الظاهرة  تسائل  الباحثين في السوسيولوجيا للحفر عن أسبابها، والبحث في مظاهرها .فهل هي تجسد فقط ظاهرة تطفل وشراهة في الأكل ، أم هي ظاهرة اجتماعية ،لا  تعكس فقط  حالة الجوع والشره الدائم للطعام، بل مظهرا من مظاهر الانقسام الطبقي والمجتمعي في مجتمع يعرف فوارق اجتماعية  صارخة ويحرص على التشبث بمظاهر البذخ في الطعام والتفاخر بتقديم صنوف الأطعمة التي أصبح لها منظمو حفلات يتفننون    في عرض ألوان مختلفة من الولائم بما فيها ولائم الجنازات.                                        

Share
  • Link copied
المقال التالي