أعلن السيدان الرئيسان لمجلسي البرلمان (النواب والمستشارون) عن موعد افتتاح الدورة البرلمانية الربيعية يوم الجمعة المقبل، وبدأت تظهر نقاشات وتساؤلات حول الجدوي من افتتاح دورة برلمانية في زمن انتشار وباء كورونا وفترة تعمل فيها الحكومة بحالة الطوارئ الصحية ،وبدا هناك مؤيدون ومعارضون ومجتهدون بوضع أليات للاشتغال في وضعية استثنائية.
وبفحص هذه الآليات، يبدو أن المجلسين يوجدان في طور خرق للدستور والاشتغال بطريقة قد تحمل مخاطر على البلاد في فترة انتشار الوباء، وتتمثل خروقات الدستور في مايلي:
أولا: يحيل المعنى الدستوري لافتتاح دورة برلمانية إلى أن البرلمان يشرع في العمل للتداول ، والتداول يكون بحضور البرلمانيين بصفة شخصية ،لأن النيابة أو التفويض لا يجوز في قضايا تمثيلية الأمة المستمدة من الانتخابات ،وذهاب رئيسا مجلس النواب والمستشارين نحو فكرة الحضور لرؤساء الفرق وانتداب عضوين عن كل فريق وأن تنعقد الجلسات العامة بنفس الشكل يعد خرقا للدستور، لأن التصويت حق شخصي ،مما يجعل القرارات المتخذة من طرف المجلسين إذا اشتغلا بهذه الصيغة غير دستورية.
ثانيا: لا يوجد في الدستور أو النظامين الداخليين للمجلس ما يعطي تفويضا لمكتبي المجلسين بأن يعطيا لنفسهما تفويضا للنيابة عن باقي ممثلي الأمة، فالمكتبان لهما صلاحيات محددة، ويبدو أن الذين قاموا بصياغة النظامين الداخليين لم يتوقعا حالات غير عادية يمكن أن تدخل لها البلاد، وهذا غريب جدا لكون الدستور نفسه يوجد فيه الفصل 21 الذي استندت عليه الحكومة لإعلان حالة الطوارئ الصحية، وتوجد داخله مواد أخرى تنظم حالة الاستثناء والحصار .
ثالثا: رغم وجود الفصل 65 من الدستور الذي يشير إلى زمن افتتاح دورة شهر ابريل، فإن فهمه بكون عدم الافتتاح معناه أن “البلاد في حالة استثناء” فهم خاطئ للدستور لأن البرلمان ،حتى لو كانت فرضا حالة الاستثناء وهو الأمر غير الصحيح في الوضع الحالي لأن الحالة الموجودة أمامنا حالة طوارئ صحية، فإن البرلمان حتى في فرضية حالة الاستثناء يظل موجودا، وبناء عليه فإنه كان يجب على رئيسي البرلمان الإجتهاد بالإعلان عن افتتاح للدورة البرلمانية وتركها مفتوحة دون أجندة، لأن الظرف استثنائي وتوجد فيه الحكومة بصدد تنفيذ إجراءات حالة الطوارئ الصحية، فالأمر يتعلق بسلطات استثنائية تلين فيها مقتضيات الشرعية الدستورية ويصبح فيها ضروريا وبسبب الظرف الاستثنائي أن يمنح البرلمان للحكومة سلطات لمواجهة أوضاع استثنائية ناجمة عن انتشار الوباء، وليس الاشتغال بأدوات الرقابة العادية، كما يعتقد بعض البرلمانيين ورؤساء الفرق البرلمانية، فالبرلمان مطلوب منه أن يفتتح دورته شكليا فقط ليجيز للحكومة اتخاذ المزيد من مراسيم القوانين، وهو حق دستوري للحكومة ،لكن مطلوب من البرلمان أن يجتهد بتحديد مدة زمنية معينة تستمر فيها الحكومة في إنتاج مراسيم قوانين تستخدم من أجل تسريع عمل الحكومة والابتعاد عن النقاشات والجدالات السياسية في ظرف انتشار الوباء، وقد لاحظت أن مجلس النواب بدأ في ترتيب جلسة خاصة برئيس الحكومة لمساءلته حول اجراءات مواجهة كورونا، بل أن بعض الفرق بدأت في صياغة أسئلة كتابية حول نفس الموضوع ،وهنا يظهر جانب مرتبط بالمخاطر.
أول هذه المخاطر، لا توجد ضمانات أن لا تنزلق النقاشات التي أطرها مجلسا البرلمان في الصيغة التي اعتبرتها غير دستورية من أن تتحول إلى مواجهات سياسية، وهذا وارد جدا لأن عقلية الانتخابات التشريعية القادمة حاضرة ومهيمنة على عقلية الفرق البرلمانية في المجلسين ولا يمكن تغييبها في النقاشات.
ثاني هذه المخاطر، أن نقاشات البرلمان والصراعات مع الحكومة من شأنها التأثير على مايجري في الميدان من إجراءات في زمن ِدروة الوباء، ولا أعتقد أن اجتماع البرلمان من شأنه أن يضيف شيئا بقدر ما سيؤثر بشكل سلبي على طبيعة الخطاب الموجه للمجتمع.
ففي اللحظات الاستثنائية يكون المجتمع في حاجة إلى خطاب واحد وليس خطابات متعددة قد تظهر أمامنا مع انطلاق الصيغة المقترحة لافتتاح البرلمان، فافتتاح البرلمان وانطلاق عمله بالصيغة المعلنة حتى الأن إضافة إلى كونها غير دستورية سوف تخلق خطرا كبيرا يتمثل في تسييس الخطاب حول الوباء وهذا ما يجب إبعاده عن نفسية وشعور المجتمع في هذا الوقت الصعب.
*أستاذ العلوم السياسية بكلية الحقوق -أكدال -الرباط
يتداول اعضاء البرلمان عن بعد مع حضور بعض ممثلي الأحزاب ..رؤساء الفرق ..الوزراء المعنيين..على غرار بعض التجارب الدولية في هذه الفترة الحرجة.