Share
  • Link copied

صيام القلق: الابتكار الاجتماعي كحل للأزمات الشناق

يربط عالم الاجتماع الكندي بونو ليفسكي (Benoît Lévesque) الابتكار الاجتماعي بالحركات الاجتماعية الجديدة، حيث يرى أن العامل الذي يخلق الابتكارات في المجتمع هو الأزمات، و يشير الا أن أزمة مثل البطالة، تخلق لنا حركة احتجاجية التي في الغالب تأتي كرد فعل عفوي على الحاجة الماسة للشغل، و هذه الحركة بدورها تنتج حلولا مبتكرة لتجاوز الأزمة، فالابتكار الاجتماعي بهذا يكون نتاج الفشل النسبي للسياسات التنموية الغارقة حد الافراط في الجوانب التقنية والتكنولوجيا، و المسقطة عمدا و سهوا كل السياقات الاجتماعية من معادلتها.

و تتمثل أولى صعوبات معالجة مفهوم الابتكار الاجتماعي في رسم حدوده، فعندما نلج عالم هذا النوع من الابتكارات، تفاجئنا غزارة تعاريفه، و في ظل غياب نموذج نظري كوني يشمل كل المبادرات و يغطيها، تبقى لكل تجربة سماتها الخاصة، متأثرة بالظروف المحلية، و عواملها التاريخية و خصوصيتها الثقافية من جهة، و من جهة أخرى بالسياقات السياسية و الواقعية التي تبرز من خلال الفئات المستهدفة.

تورد الأدبيات السوسيولوجيا عدة تعاريف للابتكار الاجتماعي ، بيد أننا سنصبو الى تعريف مارجي بوشرد (Marie J. Bouchard) التي تقر أنه أي نهج أو ممارسة أو تدخل جديد أو حتى منتج جديد يتم تطويره لتحسين حالة أو حل مشكلات اجتماعية، يتميز بالاستمرارية و الاستدامة، و يلقى قبولا من طرف المؤسسات الحكومية و المنظمات و باقي أطراف المجتمع.

يقترح هذا التعريف عدة خصائص و مجالات للابتكار الاجتماعي، و يمكن فهم أنه وليد حاجة ملحة ، يفرضها التغير الاجتماعي، و في ظل الاحتكار الكاسر للوسطاء السلع و المواد الغدائية، في شهر رمضان ، قد لا تكون المقاطعة الفيسبوكية حلا مبتكرا لتجاوز الأزمة، خصوصا أن أغلب رواد هذه المواقع ينطلقون في دعواهم هذه بنوع من المراهقة الاحتجاجية، و التي أثبتت خلال الأعوام الماضية عدم صمودها و استمرارها في محاربة الفساد الاقتصادي .

يتجلى هذا الفساد القسري للاقتصاد ، في الاحتكار اللاديمقراطي لسوق، و الغموض الذي يحد و بشدة من وضوح الأسعار. ما جعل محاولة بائع السردين تكتسي طابع الجدة و تنال اعجاب الجميع، لكن إذا كان عيب الأزمة بارزا، لماذا لا نشرع في تجاوزها و ابتكار حلول لها؟ هذا هو لب المسألة، و السؤال كيف ذلك؟

ولئن حاولنا الاجابة عن هذا السؤال ، قد تساعدنا التجربة اليونانية في المحاججة، خصوصا إذا ما استحضرنا حركة ضد الوسطاء (The Anti–Middleman Movement in Greece) التي كانت رد فعل على الوسطاء، حيث اجتمعت التعاونيات الزراعية و بعض مؤسسات المجتمع المدني بغرض البيع المباشر من المزارعين إلى المستهلكين، بتحدي واضح للنفوذ الخفي للوسطاء و المؤسسات التي تقف كحلقة وصل بين المنتجين و المستهلكين، و التي تتلاعب بأسعار السلع في الأسواق، من خلال اقتناء المنتجات بأسعار منخفضة من الفلاحين و بيعها بشكل مرتفع للمستهلكين، مما أثر بشكل سلبي على الاقتصاد اليوناني، و تعتبر هذه التجربة الرائدة أحد الدعائم الأساسية لتجوز أزمة التضخم المحلي في المجتمع، فمثل هذه الابتكارات تجعل امكانية تجاوز الأزمة ممكنا و معقولا.و قد نتفق أن هذا الابتكار حقق أمرين أساسيين:

أولا، انخفاض التضخم الداخلي، فشبكة البيع المباشر و تجنب المزارعين للوسطاء و اعتماد البيع المباشر للمستهلكين، جعل الأسعار أقل.

ثانيا، ارتفاع نمو التعاونيات الزراعية، حيث تم تجاوز الدور التقليدي للوسطاء، المتمثل في نقل البضاعة من المزارع إلى الأسواق بهامش ربح كبير، ما وفر استقلالية كبيرة في بيع المنتوجات من طرف التعاونيات و جعلها تنمو بشكل كبير من الداخل .

وفي نفس خط الابتكار المنافح عن العدالة الاقتصادية نجد حركات أخرى تدفع بالوساطة التجارية بعيدا ، مثل حركة المزارعين العضويين (Organic Farming Movements) و حركة الأسواق الحرة والمباشرة (Direct and Free Markets Movement) و غيرهما من الحركات التي تعتبر ابتكارات اجتماعية مهمة في محاولة القضاء على جشع الوسطاء أو ما يدرج في ثقافتنا بمصطلح ( الشناقة(و تؤكد أن الابتكار الاجتماعي ليس مجرد استجابة نظرية للأزمات ، بل هو آلية فعالة لتجاوز الأزمات خلال تعزيز التعاونيات ، و دعم المبادرات المجتمعية، و تبني أنظمة بيع مباشرة، تجعل المستهلك أكثر قدرة على التحكم في الأسعار، و المنتِج أكثر استقلالية في تسويق بضاعته.

Share
  • Link copied
المقال التالي