تقديم
صرح رئيس محكمة النقض والرئيس المنتدب للمجلس الأعلى للسلطة القضائية بمناسبة افتتاح السنة القضائية لسنة 2020، بأن قضاة الحكم بالمملكة البالغ عددهم (2851) قاضيا أصدروا سنة 2019 (3172653) حكما، ووصل متوسط المحكوم سنويا بالنسبة لكل قاض إلى (1113) حكما، بمعدل 3 أحكام في اليوم.
أولا: تقييم عمل القضاة بناء على إحصاء ممنوع من حيث المبدأ الأممي
هذا التصريح في حد ذاته يعتبر مخالفة، إذ يمنع إعطاء إحصائيات وتقييم لعمل السادة القضاة إنطلاقا من حصيلة الإنتاج السنوي من الأحكام، فالمبادئ الأممية تمنع إخضاع عمل القضاة للإحصاء والتقييم، وهي قاعدة مطلقة، لأن عمل القاضي في إقامة العدل والإنصاف وحماية الحقوق والحريات وضمان الأمن القانوني والقضائي للمرتفقين المتقاضين غير مرتبط بنتيجة الحصيلة الكمية، وهو ما جعل فرنسا مؤخرا تقر ذلك المنع بمقتضى قاعدة قانونية.
ثانيا: سياسة ترقية القضاة بناء على الناتج العددي مرهقة للقضاة وتتناقض مع وظيفة القاضي
ويعتبر إقرار وإعلان المغرب لسياسة تجعل ترقية القضاة مرهونة بعدد الأحكام التي يصدرونها -وهي خطة من ابتداع وزير العدل السابق مصطفى الرميد- سياسة منافية للمبادئ الدولية وللغاية الفضلى والأسمى في إقامة العدل والإنصاف. إذ حولت من وظيفة القاضي السامية في إقامة العدل إلى مجرد آلة مرهقة ومتعبة للإنتاج الكمي للأحكام، ولاتدع له الوقت والفرصة للإبداع والجودة.
فإصدار القاضي لمعدل ثلاثة أحكام ونيف في اليوم، واعتمادا على الأرقام الصادرة عن رئيس المجلس الأعلى للسلطة القضائية وعلى مدار السنة وباحتساب العطل والأعياد إضافة إلى مهام دراسة الملفات والإعداد للجلسة وانعقادها، وجلسات تحقيق الملفات بالمكتب معناه أن وزارة العدل جعلت منهم آلة لا تتوقف في المحاكم كما في حرمات بيوتهم، لأن المطلوب منهم يتجاوز قدرة الإنسان.
ثالثا: سياسة العدد والسرعة تشجع على التمسك بالشكل وترك جوهر القضايا
ونتج عن هذه السياسة بروز جيل جديد من القضاة يميلون إلى الطريق السهل في تصريف الملفات، إذ يجتهد أغلب القضاة في الشكل من أجل دفع القضية وتجنب الفصل فيها، مادامت فلسفة المؤسسة وأولويات القطاع الوزاري للعدل تتلخص في السرعة في الفصل وفي مراكمة عدد الأحكام، وتحطيم الأرقام من خلال ربط الترقية بالكم والعدد.
ولم يتطرق السيد رئيس السلطة القضائية في كلمته بمناسبة افتتاح السنة القضائية، خلال كشفه عن الإحصائيات وإعطاء تقييم إيجابي لعمل القضاة من خلال إرتفاع العدد خلال سنة 2018 بـ18% إلى العدد الهائل للأحكام التي تصدر بعدم قبول الدعوى والطلب وسط هذه الحصيلة (3172653)حكم لمعرفة عدد الأحكام التي تم الفصل فيها في الجوهر. وهي النتائج التي يشتكي منها المتقاضين كما المحامون في مجالسهم.
رابعا: القضاة يبررون عدم قبول الدعاوي بشكليات القانون المغربي، والمحامون يدفعون بمبدأ العدل والإنصاف
وبالرغم من تمسك القضاة في حيثيات أحكامهم بمقتضيات القانون لتبرير عدم قبول الدعاوى من حيث الشكل بالنظر لكثرة الشكليات وعدم توحيد اجالات ممارسة الطعون في القانون المغربي، والضغط الذي تمارسه الوزارة عليهم، فإن المحامون كجزء من أسرة العدالة يستندون في تعليقاتهم لهذه النتائج بكون القاضي إنما وجد من أجل الإنصاف وإقامة العدالة بين أطراف الدعاوى.
ويعتبر تصريف القضايا في إطار الشكل عن طريق التشدد والمغالاة والإجتهاد أكثر من اللازم بالبحث في أسباب سقوط الدعوى وعدم قبولها بمثابة ترك القضاة لوظيفتهم السامية في الفصل في جوهر وموضوع القضايا المعروضة عليهم. فالعبرة في النهاية ليست في عدد الأحكام الصادرة بل بمدى مساهمة وضلوع سلطة القضاء في إنهاء الخصومات والنزاعات في تغيير أوضاع تستحق ذلك التدخل لتوفير الحماية والإنصاف.
خامسا: ذاكرة المجتمع ترفض سياسة العدد وتتشبث بوظيفة القاضي في إقامة العدل وتوفير الحماية
ويحتفظ التاريخ سواء المرتبط بالسجل الشخصي للقاضي أو في الذهن والذاكرة الجماعية للمجتمعات والأمم بجرأة القضاة وبجودة أحكامهم وفي سلامة وحكمة استنباط الإجتهاد القضائي للحل والفصل في القضايا وكسب ثقة المرتفقين فقط. أما تحطيم الأرقام القياسية في عدد الأحكام أو في السرعة واختزال الزمن القضائي كغاية هو هدر للوقت وضياع للعدالة وخلق مزيد من الشرخ وفقدان الثقة.
على سبيل الختم:
وباتت وزارة العدل مطالبة وبعجالة إلى القطع مع هذه السياسة والتخلي عنها فهي مرهقة للقضاة، وتعتبر تيها للعدالة وتتنافى والمبادئ الأممية التي تمنع تقييم وترقية عمل القاضي بناء على إحصائيات، وهو النضال المطلوب من الجمعيات المهنية للقضاة والمحامون على السواء.
*محامي بمكناس. خبير في القانون الدولي – والقانون الدولي لحقوق الإنسان.
المقال أصاب كبد الحقيقة بل أصاب المقتل فيما تعاني منه العدالة ببلدنا، فقد أصبح الحديث عن الأرقام حديث الساعة بدل الكفاءة و الجودة في الأحكام، إلى أن صارت بعض الأحكام مجرد حبر على ورق السرعة فيها هي المطلب الأول و الأساس بغية حساب عدد القضايا المحكومة أما نجاعتها و جودتها فهي آخر ما يطلب.
ولعل نظرة مبتسرة في بعض الاحكام الصادرة عن بعض المحاكم تشير إلى خطورة هيمنة الاعداد على الجودة.
عندما تكون الترقية مرتبطة بعدد الأحكام التي يصدرها القاضي يصبح الأمن القضائي و القانوني في خبر كان و يصبح الإنصاف مشكوكا به عند المتقاضين و تكون أزمة الثقة بالقضاء هي العنوان….
للأسف أصبحت التخمة في الأرقام عنوانا يغطي الجودة و الأداء الجيد ليس في مجال القضاء فحسب إنما هي علة مجموعة من القطاعات.
إنها فعلا إشكالية حقيقية تسير بمرفق العدالة إلى هاوية خطيرة وجب الاسراع في إيجاد حل جدي عاجل خصوصا وأن القضاء اعلن استكمال استقلاله ولم يعد يرأسه إلا قضاة أنفسهم. فمن العار أن يكرس القضاة أنفسهم مايسوء لجهازهم. ويضرب في العمق دورهم في إرساء العدل.
مقال في الصميم اد أن تحقيق العدالة والفصل النهائي في الخصومة آخر ما يفكر فيه فأصبحتى الاحكام بعدم قبول الطلب هي ملجأ شريحة واسعة من القضاة للتخلص من الملفات المزمنة ناهيك عن الاخطاء المادية والقانونية فاصلاح القضاء يقتضي اولا وقبل كل شيء توفير جو ملائم لعمل القاضي بتوفير تكوين ملائم للمهمة المسندة اليه وتفعيل مبدأ التخصص تحديد سقف للملفات المحالة على كل قاض وتحديد سقف لعدد الجلسات المكلف بها مع جعل الترقية مرتبطة بنوعية الأحكام ومدى صعودها في مواجهة الطعون المقدمة ضدها ومدى رضا المتقاضين