Share
  • Link copied

صفقة القرن.. جسور وأنفاق وضغط وابتزاز لعبور ترامب نحو ولاية ثانية

دأب جلّ الرؤساء الذين تعاقبوا على منصب الرئاسة في الولايات المتحدة الأمريكية على الإجتهاد لجعل ولايتهم مميّزة من حيث الأداء، فاتخذ بعضهم لأجل تحقيق ذلك قرارات راديكالية، سواء تعلق الأمر بالسياسة الداخلية أو الخارجية، أو الأمن أو الاقتصاد.. وكل هذه القرارات يتغيّى من خلالها كل رئيس تحقيق هدفين: أولهما تحقيق المجد الشخصي بكتابة إسمه بحروف بارزة في التاريخ الأمريكي، وثانيهما رفع الشعبية ومعها الحظوظ للفوز بالولاية الثانية في الانتخابات الرئاسية.

وأبرز مثال يجسده أوباما آخر المغادرين للبيت الأبيض الذي ارتبط اسمه بخطّة انقاذ اقتصادية كلّفت 750 مليار دولار، لكنها أفلحت في انقاذ أمريكا من تداعيات أزمة مالية كادت تعصف بالبلد، ومن نتائج هذه الخطة: تحقيق رقم غير مسبوق في تذليل نسبة البطالة الى أدنى مستوياتها الذي كان أقل من 5%، هذا بالاضافة لمشروع الضمان الصحي الذي حمل إسم هذا الرئيس: “اوباما كير”.

يبدو جليّا أن ترامب الذي رافقه الجدل منذ انتخابه يريد أن يحذو حذو هؤلاء الرؤساء جميعا، إذ استهل ولايته بحرب تجارية مع الصين، ثم إحلال الخيارات الديبلوماسية والضغوطات التجارية والاقتصادية بدلا من الخيار العسكري لحل الأزمات.

ومؤخرا، وفي خضم سياسته الحافلة بالمفاجآت، أطلق خطته للسلام في الشرق الأوسط المعروفة بـ”صفقة القرن”، وهي الخطة التي أثارت الكثير من الجدل بين رافض لها ومؤيد وكذا متحفظ من مضامينها.

الخطة التي صاغها ترامب رفقة دائرة ضيقة من مساعديه قبل عامين، تتضمن 181 صفحة موزعة على 22 بندًا رئيسيًا تجلت أبرز مضامينها في منح الفلسطينيين دولة منزوعة السلاح مساحتها أقل من حدود 67 عبارة عن أرخبيل من الاحياء السكنية الفلسطينية المعزولة والتي سيتم ربطها بالأنفاق والجسور أهمها النفق الذي سيربط الضفة الغربية بقطاع غزة.

الخطة ترهن ميلاد تلك الدولة الفلسطينية بشروط تعجيزية يقف في مقدمتها اختبار حسن نية الفلسطينيين في الالتزام بمضامينها لمدة تصل الى خمس سنوات قبل أن يستفيد الفلسطينيون من باقي امتيازات الخطة على غرار بناء ميناء غزة ومطار ومصانع على أراضي مصرية ستمنح للفلسطينيين في سيناء.

الخطة التي يعارضها الفلسطينيون جملة وتفصيلا بسبب كونها تمنح كل شيء لإسرائيل على حساب حقوق الفلسطسنيين، ويستدلون في ذلك بكون الخطة جاءت بعد مفاوضات في البيت الأبيض بين ترامب ونتنياهو في غياب للطرف الفلسطيني المعني الأوّل بالأمر وحضوره واجب للإدلاء بمقترحاته. مما تمخض عن غيابه ميلاد خطة على المقاس الإسرائيلي، التي بموجبها ستصبح القدس عاصمة اسرائيل وستلحق معظم المستوطنات اليهودية في الضفة الغربية بإسرائيل، وسقوط حق اللاجئين في العودة..

المثير أيضًا في الخطة هاته هو أن بعض الدول في الشرق الأوسط وشمال افريقيا التي يعول عليها الفلسطينيون للإحتجاج ضد هذه الخطة، مورست عليها ضغوطات جعلها ترضخ للأمر الواقع بالصمت أحيانًا والتأييد أحيانا أخرى. بل منها دول شملتها لائحة الدول المتعهدة بتمويل الشق الاقتصادي للخطة، وهو ما سيزيد من عمق التفرقة العربية.

من جانب آخر، يرى المعارضون للخطة أن هذه الأخيرة ليست ولن تكون حلّا سريعًا لمشكلة بالغة التعقيد عمّرت لعقود، بقدر ما هي في العمق محاولة للرئيس ترامب الذي تترنح شعبيته وكان قاب قوسين من عزله ومعه حليفه نتنياهو الذي تتابعه تهم فساد لكسب التأييد في الانتخابات المقبلة. لانقاذ موقفهما في انتخابات نونبر المقبل في أمريكا ثمّ مارس في اسرائيل. 

كاتب مغربي مقيم في  واشنطن

Share
  • Link copied
المقال التالي