Share
  • Link copied

صدمة التعديل الحكومي وتوزيع المناصب السامية بمنطق انتهازية السياسة ” العقيدة و القبيلة والغنيمة ” خارج قدسية المصلحة العليا للوطن

أنطلق عن قصد من المادة الأولى في الكتاب الرصين ” ثمان وأربعين قاعدة لاكتساب القوة ” ، لكاتبه روبير كرين ، الذي للإشارة بيعت منه ملايين النسخ حول العالم ، تتمحور حول حظر وتحريم تجاوز الخادم لسيده والمرؤوس لرئيسه ، وقياسا على السيد رئيس الحكومة في حركاته وتصرفاته اقتصاديا تجاريا وسياسيا ورمزيا في علاقته بالأمينين العامين للحزبين المشاركين في صياغة الحكومة.

وأعتبر أن السيد رئيس الحكومة يعبث بالقواعد الأخلاقية السياسة كما ينبغي أن تتجلى ، وكأنه يتنبأ بنهاية وشيكة وسقوط قاب قوسين أو أدنى ، أو كأنه دشن بداية نهايته منذ تبخيسه لأدوار الحكومة . وسبب هذا القول أن رئيس الحكومة – شخصا وصفة – لا يتورع في إظهار نفسه قادرا على تجاوز كل الحدود والعتبات المرسومة بمقتضى السوابق السياسية غير المقننة ضمن المتعارف عليه وفق قاعدة ” المعروف عرفا كالمشروط شرطا ” ، التي تجعل التوازن هو ضابط كل الأمور ، والميل الطبيعي الى الوسط العادل عوضا عن اعتماد وتبني شطط السلطة المطلقة والتطرف والتعنت واحتقار باقي الأصوات ، فيما يمكن تفسيره عدم الإكتراث نبض القوى الحية بالمغرب ، ولا ينصت لنبض الرأي العام الذي يعبر عنه تبني رئيس الحكومة لقرارات لا تستجيب لحاجيات ومطالب فئات عريضة من المواطنين بدليل استمرار وتنامي اضرابات في قطاعات عديدة على حساب هدر النظام العام بقواعده الثلاث.

و من بوادر اهتمام الرأي العام المغربي بالسياسة ما انتشر وحصل التداول فيه منذ أسابيع من كلام بدأ على شكل إشاعات عن تعديل حكومي مرتقب ، عبر توقعات تعدت الصالونات السياسية الخاصة وانتقلت إلى وسائل التواصل الاجتماعي ، وهو ما حصل فعلا بتنبؤات تكاد تكون متطابقة للذي حصل الإعلان عنه وكأن أسرار البيت الداخلي للحكومة تسربت بقدرة قادر . فبعد الإعلان عن النسخة الثانية لرئيس لحكومة عزيز أخنوش باستقبالها من طرف جلالة الملك انطلق نقاش من طبيعة أخرى ، وبقوة أكثر ، مست استوزار أسماء أصابت الرأي العام بالإستغراب واعتبرها مفاجآت بلغت درجة الصدمة السيكولوجية.

ومرد ما ذكرت أعلاه استمرار وزراء أجمع الإتجاه العام على كون المنصب أكبر منهم باستحضار ما يعيشه المغرب ضمن سياقات إقليمية ودولية دقيقة تحتاج حقا إلى رجالات دولة قادرين على حسن استنزال أوراش الدولة الكبرى على الصعيدين الداخلي والخارجي اذا استحضرنا تصنيف المغرب كقوة اقليمية والسعي للاعتراف به كدولة صاعدة بمقياس ما يلعبه جلالة الملك من أدوار طلائعبة في الساحة الدولية وبحكمة ورشد كبيرين ، وأخذا بعين الإعتبار التزامات المغرب على المستوى الرياضي الدولي والقاري مثلا وفق أهمية الرياضة في دعم دبلوماسية المغرب الرسمية لصالح إشعاع أكبر.

كما امتد الإستغراب في الإستوزار لينسحب على استمرار نفس الأشخاص في قطاعات وزارية بذاتها بما يثير أكثر من سؤال من زاوية و منطلق قدرة الدولة على إنتاج نخبة مؤهلة قادرة على تسهيل تداول النخب بدل البقاء في حدود دوران الأشخاص أنفسهم على حقائب ذاتها ؛ خاصة ما يتسبب فيه بعض الوزراء من مشاكل بسبب في مواقف يصرفونها برعونة مطردة ، الذي يربك مَناخ النظام العام ويهدد السلم الاجتماعي في النهاية ، أو تبعا لتصريحات حبلى بالإنحراف أظهرتهم غير جديرين بالمنصب الذي يسترعي رمزية كبيرة تستحق الصون ، وغير بعيد قيد أنملة نسجل استغراب الكثيرين من إستوزار أسماء قيل أنهم من ذوي السوابق القضائية، أو صدرت في حقهم متابعات قضائية، دون ان يفندوا ذلك الذي يجعل الشبهة تحوم. رغم استحضارنا وايماننا ودفاعنا على قرينة البراءة بالمبدأ والايمان والمهنة.

واذا كان الإنتماء السياسي وحده ، كما يبدو ، متحكما في توزيع المناصب الوزارية والسامية كذلك ، بالنظر الى حق الإقتراح الذي يتمتع به رئيس الحكومة بمقتضى الوثيقة الدستورية ، وهو الحق الذي استعمله بافراط وغلو ، فانه ليس حقا مطلقا لا تضبطه حدود أخلاقية معيارية ضمن ما أسميه ب ” ديونتولوجيا السياسة ” ، بعيدا عن استعمال الحق لإرضاء أهواء انتخابية أو مصلحية ضيقة يدخل فيها الذاتي والشخصي والفئوي بمحددات مرجحة على قاعدة التوازنات الضيقة التي تمتطي صهوة الدولة لتبويء ” الأحباب ” و ” القبيلة ” و ” العشيرة ” مناصب تليق بهم ومعدة على مقاسهم.

كلا وكلا ثم كلا؛ إن مصلحة الوطن فوق كل ميول وجنوح انتهازي براغماتي نفعي ضيق ، والوطن أكبر من أية تجاذبات تنهل من الإستقواء بالتحكم الأغلبي خدمة لرهانات ايجاد موطئ قدم في سمو المنصب ضمن رحابة ريع الحضوة السياسية كما تضمنها الأحزاب الثلاثة المشكلة للتحكم الأغلبي . ومفروض بشكل حازم استحضار كون مصلحة الوطن و جلالة الملك والدولة والشعب فوق الجميع ، لكونها مشترك مقدس ، وتتجاوز اعتبارات القرب والمحاباة والحزبوية المغلقة والفئوية الريعية والطبقية السياسوية المنفلتة عن كل رهان نظيف لصالح المجتمع لا لصالح القبيلة والعشيرة والعائلة باسم الحزبية هذه المرة لا من مدخل خدمة الوطن.

فالاستوزار والمناصب السامية ، كحصص لتوزيع الغنيمة السياسية وفق نعت الفيلسوف والمفكر الجابري رحمه الله ، يجب ديونتولوجيا أن تخضع لمعايير وضوابط دقيقة منها الكفاءة والإختصاص والمروءة والشرف والقدرة على خدمة الدولة لا خدمة الحزب ، وتبعا خدمة الزعيم ، على نسقي الشيخ والمريد كما ذهب إلى ذلك عبد الله حمودي في سباق أخر . بمعنى إن الاعتراف المجتمعي يكتسي أسبقية وأولوية مشفوعة بالاشهاد بالمصداقية بمقاييس خدمة جلالة الملك والوطن والقضايا العليا للشعب المغربي بدل بناء عشائر ريعية على حساب الدولة باسم جبر الخواطر في التناوب على تقسيم كعكة الحكومة وفق معايير القرب والمحاباة . وكأننا مباراة يخرج الواحد ليتيح للآخر اللعب لنيل الصفة وضمان الأجر والتعويضات والسفريات والتقاعد. وهكذا يبدو لي الأمر.

أعترف أن قواعد الحصول على الإستوزار غير مكتوبة وغير مقننة إذ تدل في حدود العرف الجاري به العمل ، دون تدقيق النظر في معايير الإستوزار مثلا ، لكن المصلحة العليا للوطن تقتضي جعل هذه الضوابط والمحددات معيارية موضوعية وغير عشوائية تحدد باستمرار بروفايلات مناسبة لحجم التحديات التي تطوق المغرب ، فالقاعدة كما أشرت اليها اعلاه تقول ” المعروف عرفا كالمشروط شرطا ” . ولمنح الحجة والدليل لما ذهبت اليه في هذا أفترض هذه التساؤلات بمرجعية سياسية ديونتولوجية – معيارية دائما وبمنطق محايد موضوعي وبعيدا عن الذاتية لا يصفي الحساب مع أحد، وهو أسهل المبررات، بل يود فحسب دفع النقاش العام نحو عتبات التحليل العميق عوض التماهي مع موجة الإستنباط الشكلاني كما تملي الحكومة ذلك خدمة لأجندات التحكم الأغلبي.

  • ألا تستحق وزارة الخارجية والتعاون الدولي إحداث منصب كتاب دولة ( كاتب دولية مختص في الشؤون الافريقية و كاتب دولة مختص في الشؤون الأروبية .. ) يساعدون السيد الوزير في أداء مهامه الدقيقة سيما أمام الحملة المسمومة التي تخوضها جهات معادية لمصالح المغرب الترابية العليا ؛ خاصة ما بعد المقرر القضائي المنحرف الصادر عن محكمة العدل اللأوربية والمقترح النيو – كولونيالي الذي جاء به الفاقد للشرعية ، أقصد ديميستورا ، والمرفوض جملة وتفصيلا من لدن المغاربة قاطبة .
  • ونفس السؤال يتحتم السياق هنا بسطه على حجة عدم تغطية عملية التعديل الحكومي لمنصب الراحل محمد شوقي بنيوب على رأس المندوبية الوزارية لحقوق الإنسان ، خاصة في هذا السياق الذي يترأس فيه المغرب المجلس الدولي لحقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة . أم أن إلغاء حقيبة وزارة حقوق الإنسان التي كان يتولاها مصطفى الرميد سابقا مع حكومة الإسلاميين تقتضي إلغاء المندوبية الوزارية لحقوق الإنسان بما يكشف ويفسر رفض هذه الحكومة لحقوق الإنسان !
  • هل يفيد استبدال وزراء مثل حقيبة الصحة والحماية الإجتماعية والتربية الوطنية والتعليم الأولي والرياضة والفلاحة والصيد البحري والمياه والغابات فشل الحكومة في قطاعات حيوية مثل ورش اصلاح منظومة التربية والتعليم بمرجعية القانون الاطار ، وورش الحماية الإجتماعية المؤطر وفق السياسة العامة وليس السياسة العمومية ، وكذا ورش الجيل الأخضر الذي جاء بعد المخطط الاخضر منذ أن مان وزير الفلاحة المنتهية صلاحيته كاتبا عاما لدى وزير الفلاحة السيد عزيز أخنوش منذ ميلاد المخطط الأخضر عام 2008 بوحي من مكتب دراسات ماكينزي ؛ ولسان حال من هندس إنهاء مهام الوزير الصديقي هو ” محاكمة ” منهجية استنزاف الثروة المائية والعجز عن محاربة التضخم في المواد الفلاحية .
  • ألا يتطلب الفعل الديموقراطي مساءلة حقائق بعينها دون تماهٍ مع ما يمكن اعتباره تحكما أغلبيا يفرض تأويلا أحاديا لنجاح الحكومة ، على حساب ممارسة النقد المطلوب حيال هشاشة التعديل ، الذي يبخس بشكل ما رهانات الدمقرطة من خلال عدم احترام ما اسفرت عليه سلطة صنادق الإقتراع على المستوى الجهوي بغياب نخب تعكس احترام لهندسة مجالية ، درعة تافيلالت مثلا.

أفترض ختاما أن تحويل مناصب الدولة السامية إلى ما يشبه ” غنائم ” يحتدم عليها التنافس بين المحظوظين من أبناء ” مهندسي مخططات كيفية الإستفادة ” وليس الاستحقاق بالكفاءة و التضحية لصالح المشترك المقدس ( الله – الوطن – الملك ) يميط اللثام عن الإنحراف الكبير الحاصل في تمثلات الأحزاب السياسية للخدمة العمومية وللسياسة بالمغرب.

وعلى سبيل الختم فقد كان محمد عابد الجابري على صواب عندما حسم الفهم السياسي بقوله إن كل خطاب لا يتجاوز حدود ثلاثية ” العقيدة – القبيلة – الغنيمة ” . فأية عقيدة تحكم هذه الحكومة ؟! وأية قبيلة استفادت ؟! وكيف حصل توزيع الغنيمة ؟! طبعا هذه أسئلة لو عاش الجابري لقدم لا شك جوالا شافيا في الموضوع.

Share
  • Link copied
المقال التالي