شارك المقال
  • تم النسخ

صبري: لجنة النموذج التنموي ترسم استراتيجية غير احترافية تجاه مغاربة العالم

لجأت لجنة إعداد وصياغة النموذج التنموي الجديد إلى مغاربة العالم، حيث دشن رئيسها من فرنسا لقاءات الاستماع لمقترحات مغاربة العالم، وعقد جلسة استماع معهم الخميس الماضي، وهذا الإجراء في حد ذاته يحتمل قراءات؛ من حيث دور وجدوى المؤسسات الوطنية التي لها علاقة مباشرة أو غير مباشرة بهذه الفئة؟ ولماذا تم تجاوزها؟ وأي قيمة لحصيلة عمل  اللقاءات في تحديد معالم النموذج؟.

صحيح أن مغاربة العالم يشكلون عشر سكان المغرب، ولهم ارتباط وثيق مع المغرب بحكم القانون الذي يحتفظ لهم بالجنسية، ولا يسقطها رغم اكتساب جلهم لجنسيات بلدان الاقامة والاستقبال. أو بحكم ارتباطهم العضوي بالمغرب، من حيث زياراتهم المنتظمة والمستمرة اليه في كل سنة، او من خلال احتفاظهم بممتلكات عقارية ومنقولة فيه، أو حتى اختيارهم الاستثمار في المغرب.

تضخم في المؤسسات المختصة

ورغم عناية المغرب بهذه الفئة الذي يظهر من كثرة وتضخم عدد المؤسسات المتنوعة والمتعددة التي تشتغل من أجل المغاربة المقيمين في الخارج، وزارة الشؤون الخارجية والتعاون الإفريقي والمغاربة المقيمين بالخارج، والوزارة المنتدبة المكلفة بالمغاربة المقيمين في الخارج وشؤون الهجرة، الجالية المغربية المقيمة بالخارج، ومجلس الجالية المغربية المقيمة بالخارج، والمجلس العلمي…

ورغم طابع صفة المؤسسات الدستورية الذي يجمع  بين هذه المؤسسات، فإن هذه الفئة ظلت دائما خارج اهتمام السياسات العمومية، والبرامج الحكومية، وبقيت نظرة الدولة والمجتمع إليها مجرد مصدر للعملة الصعبة،  لم تتغير رغم اختلاف الحقب، ورغم تغيير طال لغة الخطاب.

مغاربة العالم والإقصاء سياسي

وهكذا، فإن مغاربة العالم الذين ساهموا في التنمية المحلية عبر التحويلات المالية من دول الاستقبال إلى المغرب في سنوات السبعينات والثمانينات حتى حدود التسعينات، وخاصة في العالم القروي، حيث غياب التنمية، فان المهاجرين المغاربة ظلوا دائما خارج اطار نمط هذه الغاية والاهتمام.

 ولم يتطور المنظور البراغماتي للدولة إلى التفكير في مشاركتهم السياسية ولا الاستفادة من رصيدهم المعرفي الذي اكتسبوه وراكموه بفعل التجربة والعلم والإقامة في بلدان المهجر المتطورة منها خاصة.

وقد يزعم البعض عمدا الى جعل مصدر هذا التقصير الى مغاربة العالم انفسهم، وهو ادعاء غير صحيح، الغاية منه محاولة القفز، وتجاوز الاسباب الحقيقية التي تكمن في عدم قدرة المؤسسات الوزارية والاستشارية والادارية، التي تشتغل في خدمة هذه الفئة من المواطنين عن رسم وايجاد استراتيجية وخطة عمل موحدة ومحكمة يشتغل كل قطاع مهتم ومعني من اجل تحقيقها من موقع ومنطلق اشتغاله.

والأدهى  من ذلك أن تداخل الاختصاصات، وعدم التنسيق، والتواكل وعدم أخذ المبادرة هو الذي يطغى على عملها، بحيث كل جهة تتكل على الاخرى من أجل الفعل، بغية الاقتصاد في الميزانيات او لشحها او لصرفها في أمور لا تحقق أي من الأهداف ولا الاولويات ذات علاقة بادماج هذه الفئة في الدورة الاقتصادية ولا في تشجيعها على الاستثمار في المغرب. وهو ما جعل هذه الفئة خارج المشاركة السياسية وفقدت الثقة وتفد الارتباط مع مرور الاجيال.

 لجنة النموذج التنموي تتجاوز المؤسسات المختصة

ولا شك أن لجوء لجنة النموذج التنموي الى قاعدة مغاربة العالم مباشرة يحمل رسالة مفادها عدم اعترافها بتمثيلية المؤسسات القائمة لهذه الفئة، و تنظر الى هذه المؤسسات الدستورية والقطاعات الوزارية والمرافق الادارية المختصة غير ذات أهلية ولا ولاية، ولا تستحق حتى استشارتها واخذ رأيها.

ومن تم يطرح تساؤل عن جدوى هذه المؤسسات أصلا؟، ولماذا لم تستطع من ذي قبل اعداد  تقرير  مفصل بنظرة مغاربة العالم الى التنمية وكيف يمكنهم المساهمة فيه!؟. ويطرح تساؤل آخر عن ماهية الاعمال التي تقوم بها، والمبرر للميزانيات الصخمة التي يتم صرفها  .

والسؤال الثاني يكمن بالموازاة في القيمة المنتظرة من  المشاورات المباشرة التي تباشرها اللجنة مع هذه الفئة خارج اطار تقارير محكمة يشتغل عليها مراكز التفكير المختصة والتي تشتغل في الميدان، اذ تتحول اللجنة بهذا الفعل الى مجرد آلية لملء الاستمارات وتلقي الشكايات والتظلمات من مغاربة العالم.

وان اللجنة ستفتح بابا لن تتمكن من اغلاقه لكثرة الفاعلين في ميدان الهجرة، وتبوث وحود خلافات شديدة بينهم  في  احقية ادعاء  التمثيلية، فمن تم استشارته؟ ولماذا تم انتقاء هذا دون الاخر  ؟هي اسئلة ستطرح؟، وتحتاج الى اجوبة مقنعة. والسؤال الثالث ما فائدة تطعيم  تركيبة اعضاء اللجنة ببعض مغاربة العالم اذا لم يكونوا مؤهلين لهذه التمثيلية وهذا الدور!؟.

خلاصات خارج إطار الخبرة ومراكز التفكير

وكل هذا يبخس عمل لجنة النموذج التنموي، ويجرده من طابع التفكير الاستراتيجي المبني على الخبرة الاكاديمية، والحقيقة العلمية، والتجربة المؤسساتية الى مجرد عمل يطبعه وصف وتشخيص للحالة والأعطاب بناء على استمارات ميدانية، وأن وضع ووصف الحلول تبعا لذلك لن يتعدى التقديرات الشخصية غير الخاضعة لمقاييس ومعايير البحث العلمي.

*محامي بمكناس، خبير في القانون الدولي، قضايا الهجرة ونزاع الصحراء.

شارك المقال
  • تم النسخ
المقال التالي