Share
  • Link copied

صبري: تعديلات الأحزاب على القانون الجنائي تنكرت لصوت الشارع وتجاوزت الأسئلة المجتمعية

صبري الحو*

أعتقد جازما أن تعديل القوانين مطلوب بين حين وآخر، نظرا لأن وثيرة تطور سوسيولوجيا الجريمة تسير بسرعة مما يفرض ضرورة تجديد القوانين حتى تواكب تناقضات المجتمع ووكذا تطور النظام العام في اتجاه رفع التجريم عن أفعال مرتبطة بالحريات الفردية، لذلك فإن انكباب السلطة التنفيذية عبر السلطة التشريعية على تعديل مقتضيات القانون الجنائي يعتبر حاجة مجتمعية ملحة ومطلوبة؛ بل يعتبر ضرورة مجتمعية.

ثم إن هذا التعديل يجب أن يكون جريئا يعزز حماية الحقوق والحريات وينزع مظاهر انتهاكها سواء في قانون العقوبات الموضوعي، أو قانون الاجراءات العقابية في القانون المسطري، وأن تمتد التعديلات لتطال باقي المثون القانونية حرصا على جعل القاعدة القانونية في خدمة حقوق المرتفقين.

غير أن الخطر يبقى قائما رغم تجويد وتطوير وتقدم القواعد القانونية بشقيها ونوعيها الموضوعي والاجرائي، لأنها قد تبقى جامدة وميتة إذا لم تلتق قضاة ينفخون فيها الروح ويحسنون تطبيقها بالاحتكام في أحكامهم فقط إلى تلك القاعدة والضمير الحي، ويبقى حسن تطبيقها بيد قضاة مستقلين، نزهاء وأكفاء.

ويبقى تقييم مواقف السلطة التشريعية مطلوبا من موقعنا كرجال قانون و كنشطاء حقوق الإنسان، لذلك كنا مواكبين للنقاش الحاصل بالبرلمان بغرفتيه محاولة منا فهم المنحى الذي يسير عليه المشرع البرلماني.

و رغم بعض المقترحات التي جاء بها البرلمان من قبيل تشديد العقوبات على جرائم الجنس ضد القاصرين واقتراح تشديدها، والغاء عقوبة الإعدام، واقتراح عقوبات بديلة وغير سالبة للحرية لتخفيف الاعتقال الاحتياطي، فإن الأحزاب السياسية للأسف تنكرت لصوت الشارع وتجاوزت عن قصد الأسئلة المجتمعية الصاخبة لتجريم الإثراء غير المشروع والخوض بجرأة في مسألة الحريات الفردية.

وكنا نرجو، نحن الحقوقيون تشديد العقوبات في كل القضايا المرتبطة بالمال العام ، بجعل اختلاس المال العام و تبديد الأموال العمومية في مستوى جنايات تمس بأمن الدولة ، من أجل ردع محاولات تقويض تسلط الفساد على مقدرات الشعب.

ونعتبر تجاوز المجموعات البرلمانية لديناميات اجتماعية لصالح تعديلات بسيطة لا يكفي نهائيا لتحقيق الطموح الشعبي في إنتاج مثن قانوني جنائي متقدم بما يمكن أن يرفع من ثقة الشعب في المؤسسات لتوطيد قاعدة الأمنين القضائي و القانوني.

وبكل يقين أوضح أن هنالك علاقة وطيدة بين القانون والتنمية، فالقانون يعطي ثقة جلية للمستثمرين الكبار، وهو كذلك صمام الأمان في تحفيز مناخ الاستثمار.

وكلما كانت الدولة دولة الحقوق و القانون ، كلما تعمق مبدأ تكافؤ الفرص الدستوري بين المستثمرين. وتعبدت بالتبعية الطريق لتحقيق تنمية مندمجة.

إضافة إلى كل ذلك، فان تطبيق القانون كفيل بمحاربة الفساد ومحاربة التملص الضريبي والوقوف بالمرصاد لكل تجليات ما اسميه بـ”السوق الاقتصادية السوداء”، التي تفقد الدولة و ميزانيتها العامة عائدات ضخمة قد تكون كفيلة بالمساهمة في توفير شروط التنمية المستدامة.

وإن دولة القانون في نظري تبقى المدخل الأساس للوصول إلى تنمية منصفة وعادلة لأن العلاقة بين القانون وحقوق الإنسان وطيدة و تفاعلية، إذ يبدو أن رفع معدلات التنمية يؤهل سياقات الإدراك الحقوقي لصالح عموم المواطنين.

وكلما تشكلت قاعدة التمثل الحقوقي للمواطنة، كلما كان القانون ذا شرعية رمزية وأخلاقية لدى الرأي العام، على نقيض ذلك؛ كلما تم هدر القانون ، كلما تجلت الأزمنة التنموية المهدورة، وهو ما يعمق تمظهرات دحض مؤشرات حقوق الإنسان، وما قد يسوق صورا سلبية عن المغرب، فتهتز صورة الدولة وتخدش وضعية الاستثمار.

و بالتالي يرتبك منحى الاتجاه نحو الالتحاق بركب الدول الصاعدة.

وخلاصة القول فإن ما جاءت به الأحزاب من تعديلات لا يرقى إلى الحد الأدنى المطلوب من لدن المنحى الشعبي الذي يتشوق الى متن جنائي كفيل بتثبيت دولة الحقوق لصالح مجتمع القانون.

محامي بمكناس، خبير في القانون الدولي – الهجرة وقضية الصحراء

Share
  • Link copied
المقال التالي