صبري الحو*
ملخص
“لقد أدرك المغرب وإسبانيا أن الجغرافيا السياسية وأمن واستقرار المنطقة تجعل منهما حتما وقدرا حليفين استراتيجيين رغم كل شيء، ولكل منهما أوراق ضغط يستعملها لصالحه في مواجهة الآخر. فالمغرب يمسك بأوراق مختلفة منها المتعلقة بالتدبير التعاوني لمحاربة الهجرة غير النظامية، ومنها تلك المرتبطة بتعاونه الأمني للقضاء على الإرهاب ومنها ذات صلة بمحاربة الجريمة المنظمة العابرة للحدود والمخدرات. وهو تعاون مغربي يخدم بالأولوية الأمن الوطني الإسباني والقومي الأوروبي عامة.
وبالمقابل فإسبانيا هي الدولة الاستعمارية لإقليم الصحراء، وهي من الدول أصدقاء الصحراء ومازالت الأمم المتحدة تعتبرها القوة المديرة للإقليم، وضمان موقفها ذي أهمية بالغة لصالح المغرب، وقد تمكن المغرب من استصدار إقرار منها ودون تحفظ بحقه في الترسيم وفقا للقانون الدولي، وهي نقطة مهمة لصالح دعم المركز المغربي في نزاع الصحراء لأنه يؤكد شرعية سيادته على الإقليم من القوة الاستعمارية السابقة للصحراء.
وأن تطابق وجهات المغرب وإسبانيا وتكاملها وتعاونهما في صالح البلدين والمنطقة، فإسبانيا تستقبل مليون مهاجر مغربي، وتفوقت أكثر من مرة على فرنسا كأول بلد تجاري مع المغرب، وتفطنت أن قوتها في مغرب قوي ومتماسك وموحد، وأن الاختلاف بينهما ومهما وصلت حدته، فإنه لن يتعدى حدود التنافس ولن يرقى إلى صراع، وأن مبدأ التوافق سيكون شعار اللحظة والمستقبل، وفي إطار ذلك سيتم احتواء الخلاف هو ترسيم الحدود البحرية”.
مقدمة
صادق البرلمان المغربي بالإجماع، على مشروعي قانونين يمددان سيادة المغرب على المياه البحرية للأقاليم الجنوبية وخلق منطقة اقتصادية خالصة تبلغ 200 ميلا؛ ويتعلق الأمر بالقانون رقم 38.17 بتغيير وتتميم القانون رقم 1.81 المنشأة بموجبه منطقة اقتصادية خالصة على مسافة 200 ميل بحري عرض الشواطئ المغربية، ومشروع قانون رقم 37.17 بتغيير وتتميم الظهير بمثابة قانون رقم 1.73.211 الصادر في (2 مارس 1973) المعينة بموجبه حدود المياه الإقليمية.
وهو ما أثار حفيظة الحكومة المستقلة لكناريا، والأحزاب الإسبانية في اليمين كما في اليمين المتطرف، ووسائل الإعلام.
فما هو مضمون التشريع بالترسيم البحري المغربي الجديد؟ وظروف سنه وتشريعه؟ وتكييفه مقتضياته في علاقة بحقوق المغرب وفقا للقانون الدولي؟ وهل تنبني التخوفات الإسبانية المرتبطة بالتشريع المغربي على أساس في القانون الدولي؟ وكيف يمكن تسوية النزاع العارض بين إسبانيا والمغرب؟
أولا: ترتيب القانونين المغربين بترسيم الإقليم البحري في إطاره ظروفه ودواعيه الرسمية
يكتسي المشروعين أهمية خاصة للمغرب في سياق تحيين الترسانة المتعلقة بالحدود البحرية، فالمشروعان يحددان المجال البحري المغربي ليشمل قبالة الأقاليم الجنوبية، وفرضه ضرورة تجاوز الفراغ التشريعي المتعلق بترسيم الحدود، وتحيين المنظومة القانونية للمجال البحري، والتي ترجع إلى سنوات 1973 و1975، لبسط السيادة القانونية على كافة المجالات البحرية المغربية، من خلال 12 ميلا بالنسبة للمياه الإقليمية، و24 منطقة متاخمة، و200 ميلا بالنسبة للمنطقة الاقتصادية الخالصة و350 كحد أدنى للجرف القاري. فهي أسباب تتعلق بملاءمة التشريعات الوطنية مع الوحدة الوطنية ومع القوانين الدولية.
ثانيا: التشريع المغربي والنقاش السياسي في الجارة إسبانيا
لقد صادق المجلس الحكومي المغربي على المشروعين في وقت جد حساس في إسبانيا، إذ صادف عز المفاوضات العسيرة من أجل تشكيل حكومة ائتلاف اليسار في إسبانيا بقيادة الحزب الاشتراكي، وهو ما خلق نقاشا واسعا استغلته أحزاب من أجل التشويش على مجهودات جمع وتشكيل ائتلاف يسمح بمنح الثقة للحكومة، إذ عبرت أصوات راديكالية من حزب كناريا الجديدة عن مساس التشريع المغربي بالسيادة البحرية الإسبانية، واعتبره النائب البرلماني بيدرو كيفيدو Pedro Quevenoعن حزب كناريا الجديدة أنه اعتداء من جانب واحد.
وهناك من ذهب بعيدا واعتبر المغرب لا يملك الصفة في إجراء الترسيم ولا في اتخاذه لأن النزاع لم يتم حسمه بعد، إلا أن وزيرة الخارجية الإسبانية arancha Gonzalez laya ولئن صرحت في تغريدة سابقة لها، عبر حسابها في تويتر قبل سفرها إلى المغرب، ترفض أي تحديد أو تمديد يتم بإرادة منفردة.
وقد يكون ذلك من إحدى أسباب تراخي أو تأجيل عرض المشروعين على البرلمان لمدة شهر واحد، قبل تحديد جلسة المناقشة والمصادقة عليه، حيث جدد وزير الخارجية المغربي نفس تأكيد وانفتاح المغرب على الحوار مع إسبانيا وموريتانيا، وهو ما أكد عليه الطرفان خلال زيارة وزيرة الخارجية الاسبانية للمغرب.
أما الحزب الشعبي الذي يتزعم المعارضة وحزب فوكس في اليمين المتطرف، الذي يتجند بدوره في صف المعارضة فقد طالبا رئيس الحكومة الإسبانية بيدرو سانشيز للمثول أمام البرلمان لإعطاء توضيحات بشأن التشريعين المغربيين والخطوات المتخذة من أجل حماية الإقليم البحري الإسباني.
ثالثا: مضمون التشريعين المغربيين وعلاقتهما بالقانون الدولي للبحار
حاول المغرب تحديد المياه البحرية قبالة الأقاليم الجنوبية لعدة مرات ترجع لسنة 1981، 1995 وآخرها 1998 دون أن تصل العملية التشريعية الى نهايتها بإصدار قانون ينظم ذلك. ومن خلال دراسة مقتضيات القانونين وتكييفها وفقا للقانون الدولي، وخاصة الاتفاقية الدولية لقانون البحار لسنة 1982، فإن التحديد المغربي في 12 ميلا ينطبق على البحر الإقليمي الذي لا يثير أية إشكال على مستوى سيادة المغرب المطلقة عليها كدولة ساحلية تمتد سيادتها وفقا لقواعد الاتفاقية وخاصة المواد 2،3و4 إلى ذلك الحد.
أما المناطق الواقعة وراء البحر الاقليمي والملاصقة له، فهي يحكمها وضع قانوني مميز من حيث حقوق الدولة الساحلية وولايتها وحقوق الدول الأخرى، وهي تسمى بالمنطقة الاقتصادية الخالصة، بحيث تكون للدولة الساحلية حقوق سيادية عليها من حيث الاستغلال فوق وقاع البحر وباطن أرضه بما فيه الاستغلال الاقتصادي، ومداها محدد في 200 ميلا، (المادة 55و87 من نفس الاتفاقية).
وللدول الساحلية دون غيرها أن تقيم وأن تجيز وتنظم إقامة وتشغيل واستخدام الجزر الاصطناعية والتركيبات في المنطقة الاقتصادية الخالصة، (المادة 56)، ويبدو من ظاهر النصوص أن التشريع المغربي الجديد مطابق في مضمون مقتضياته مع الاتفاقية الدولية للبحار.
فما هو سر التخوف الاسباني وخلفيات القانون المغربي إذن؟.
رابعا: أسباب ودواعي ومنطلقات التخوفات الإسبانية حيال التشريع المغربي
تعتقد إسبانيا أن المغرب يحاول بسط سيادته على منطقة “تروبيك” Tropic قبالة الساحل المغربي، وتقع في الجنوب الغربي لكناريا، وهي منطقة تجتهد اسبانيا لضمها منذ 2014، حيث تقدمت إلى الأمم المتحدة لإقامة مركبة صناعية، ويشجعها على ذلك ظهور جزر بركانية جديدة تزعم اسبانيا انها تتبع لأرخبيل كناريا ولا علاقة لها بأفريقيا، وهي منطقة غنية بمادة بمواد معدنية منها الكوبالت والمنغنير والحديد تستعمل في التكنولوجيا الجديدة. وتضم ما يقد ب 10٪ من الاحتياطي العالمي أي ما يناهز 2670 طنا، وهي المادة الموصوفة حسب الاتحاد الأوروبى بالمادة الاستراتيجية الاولى.
وتتخوف إسبانيا من دخول المنطقة وفقا للتشريع المغربي الجديد في مجال المنطقة الاقتصادية الخالصة للمغرب، وهو ما يعطيه الاحتكار في استغلال خيرات المنطقة الحية والمعدنية بما فيه الباطنية المكتشفة من طرف شركة استكشافية بريطانية سنة 2016 بعد سيادته وولايته عليه. أو على أقل أحقيته في طلب الترخيص بإقامة مركبات صناعية فيها على غرار محاولة إسبانيا سنة 2014 وتسجيل المغرب اعتراضا على ذلك. ومن تم فالتخوف الإسباني اقتصادي محض بالنظر إلى كون التحديد المغربي لا يثير إشكاليات في المجال ولا وجود لتماس للمناطق.
خامسا: خلفيات المغرب من سن تشريع بمغربية المجال البحري قبالة الأقاليم الجنوبية
لابد من الإشارة الى أن المغرب تأخر كثيرا في سن وإصدار هذا التشريع، ولا تشفع له في هذا التراخي الإكراهات التي ساهمت في التأجيل، فالترسيم في أصله ضرورة سياسية وقانونية وأخلاقية ملحة، إذ لا يعقل أن ينتظر المغرب أربع عقود لملائمة تشريعه الوطني مع كامل إقليمه، مادامت الوحدة الوطنية ثابت دستوري وإجماع وطني وشرعية تاريخية ورجحان قانوني. ولا يجب انتظار إذن أحدا للمبادرة والقيام به مادام التحكم فيه والقيام به مغربي محض.
ومع ذلك، فالخطوة ضرورية الآن لقطع الشك باليقين في ما يتعلق بشرعية ممارسة المغرب لسيادته على كل الإقليم دون تمييز، ولمواجهة التحديات وإعطاء الإشارات القطعية ببقاء واستمرار الصحراء تحت سيادة المغرب كآخر سقف لا يمكنه القبول بأكثر منه. والتحديد يأتي في سياق تحقيق المغرب لتقدم في بناء قناعة المجتمع الدولي والأممي والجهوي والإقليمي والقاري بكون الحل في نزاع الصحراء سياسي واقعي وعملي، ضمن محددات ارتباطه بالأمن والاستقرار والتنمية في المنطقة المغاربية كاملة.
وأن المغرب جعل من سياساته الداخلية والخارجية خدمة لهذه الضوابط والمحددات والأهداف، إذ جعل الأمن الوطني والإقليمي والدولي وسيلة في خدمة الاستقرار والتنمية. فدوافع المغرب سياسية في المقام الأول دون أن يتخلى عن حقوقه الاقتصادية التي تأتي في الدرجة الثانية حاليا وفي خدمة تحقيق عائد سياسي وتثبيته.
سادسا: الاتفاق حول تدبير النزاع بالحوار والذهاب إلى المحاكم الدولية مستبعد
عبر المغرب عن انفتاحه للتفاوض مع إسبانيا على الاختلاف الحاصل أو النزاع العارض بمناسبة المصادقة على القانونين بترسيم مجالة البحري الجنوبي، وعبرت إسبانيا عن رفضها لأي إجراء أحادي يفرض الأمر الواقع. والمغرب وإسبانيا عبرتا في بيان مشترك على مبدأ الحوار لحل الإشكاليات التي قد تحصل.
فالمغرب وإسبانيا هما دول ساحلية ذات سواحل متقابلة، ويتم تعيين حدود المنطقة الاقتصادية الخالصة بينهما عن طريق الاتفاق والتوفيق (المادة 284)على أساس القانون الدولي الذي يعطي الأولوية للاتفاق والتراضي (المادة 280 من اتفاقية البحار 1982 والفقرة 3 من المادة 2 من ميثاق الامم المتحدة والفقرة 1 من المادة 33 من الميثاق، وهو الأولوية التي عبر عنها الجانبان حتى الآن، وقد استصدر المغرب نقطة لصالحه باعتراف وإقرار إسبانيا دون تحفظ بحق المغرب في إجراء الترسيم.
سابعا: في حالة عدم إدراك المغرب وإسبانيا لتوافق
مبدئيا فان القانون الدولي، وخاصة الاتفاقية الدولية للبحار 1982 وميثاق الأمم المتحدة لا يلزمان المغرب واسبانيا الى اتباع طريق معين من اجل تدبير الخلاف بينهما بخصوص مجال مياههم البحرية التي قد تكون محل التماس أو امتداد، إذ يمكن حله عن طريق تبادل الآراء والتوافق والتراضي، وهو الوسيلة الذي يحضى بالأولوية في نظر القانون الدولي.
إلا أن هذا القانون وهذه الاتفاقية افترضت عدم تمكن الأطراف من الوصول إلى حل وتسوية ودية متوافق عليها، ولهذا تنص المواد من 286، 287 أن من حق أي طرف في النزاع أن يرفع الى المحاكم ذات الاختصاص تبعا لاختياره وبواسطة اعلان مكتوب سواء الى محكمة العدل الدولية من أجل التوصل الى حل منصف(المادة 38 من النظام الأساسي للمحكمة) أو إلى المحكمة الدولية لقانون البحار. وهذه الإجراءات الإلزامية تؤدي إلى قرارات ملزمة للأطراف خلافا لوسائل التسوية بالتوفيق.
على سبيل الختم
لقد أدرك المغرب وإسبانيا أن الجغرافيا، والجغرافيا السياسية وأمن واستقرار المنطقة تجعل منهما حتما وقدرا حليفين استراتيجيين رغم كل شيء، ولكل منهما أوراق ضغط يستعملها لصالحه في مواجهة الآخر. فالمغرب يمسك بأوراق مختلفة منها المتعلقة بالتدبير التعاوني لمحاربة الهجرة غير النظامية، ومنها تلك المرتبطة بتعاونه الأمني للقضاء على الإرهاب ومنها ذات صلة بمحاربة الجريمة المنظمة العابرة للحدود والمخدرات. وهو تعاون مغربي يخدم بالأولوية الأمن الوطني الاسباني والقومي الأوروبي عامة.
وبالمقابل فإسبانيا هي الدولة الاستعمارية لإقليم الصحراء، وهي من الدول أصدقاء الصحراء ومازالت الأمم المتحدة تعتبرها القوة المديرة للإقليم، وضمان موقفها ذو اهمية بالغة لصالح المغرب، وقد تمكن المغرب من استصدار اقرار منها ودون تحفظ بحقه في الترسيم، وهي نقطة مهمة لصالح دعم المركز المغربي في نزاع الصحراء لأنه يؤكد شرعية سيادته على الاقليم.
وان تطابق وجهات المغرب وإسبانيا وتكاملها وتعاونهما في صالح البلدين والمنطقة، فإسبانيا تستقبل مليون مهاجر مغربي، وتفوقت أكثر من مرة على فرنسا كأول بلد تجاري مع المغرب، وتفطنت أن قوتها في مغرب قوي ومتماسك وموحد، وأن الاختلاف بينهما ومهما وصلت حدته، فانه لن يتعدى حدود التنافس ولن يرقى الى صراع، وان مبدأ التوافق سيكون شعار اللحظة والمستقبل، وفي اطار ذلك سيتم احتواء الخلاف هو ترسيم الحدود البحرية.
*محامي بمكناس، خبير في القانون الدولي الهجرة ونزاع الصحراء
Bravo Maître,