شارك المقال
  • تم النسخ

صالح عصاد.. أسطورة كروية جزائرية طاله بطش العسكر بسبب مواقفه

صالح عصاد لاعب جزائري من أمهر ما أنجبت الكرة في الجارة الشرقية، يعتبر من بين أحسن عشرة لاعبين في تاريخ الكرة الجزائرية، هو من مواليد 13 مارس 1958 في “الأربعاء نايث إيراثن” بمنطقة القبائل. في سن 16 سنة بدأ اللعب مع كبار رائد القبة الذي قاده سنة 1981 للتويج بلقب الدوري الجزائري، بعد مونديال 82 التحق بعالم الاحتراف في صفوف فريق “ميلوز” الفرنسي، إذ قاده في أول موسم إلى الصعود للدرجة الأولى، وانتقل إلى باريس سان جيرمان، وكان على مشارف رحلة احترافية خرافية، لكن الإصابة أوقفت مشواره وحرمت الجزائر من لاعب لا يقل إنجازات عن اللاعب رابح ماجر، وعاد من حيث بدأ ليكمل مشواره الكروي برائد القبة إلى أن اعتزل سنة 1989.

دوليا، في سن العشرين فاز مع المنتخب الجزائري بميدالية ذهبية في الألعاب الإفريقية 1978، وبرونزية الألعاب المتوسطية في “سپليت” اليوغوسلافية سنة 1979، وكان من نجوم الجيل الذهبي الجزائري في بداية الثمانينيات الذين تألقوا في ملحمة “خيخون” الإسبانية، عندما هزموا منتخب “المانشافت” أبطال العالم لمرتين بثنائية ماجر وبلومي مقابل هدف واحد، هدف بلومي جاء من تمريرة حاسمة للجناح الأيسر صالح عصاد، كما أنه كان صاحب ثنائية في مرمى الشيلي، وبالمناسبة هو ثاني لاعب عربي وإفريقي يسجل هدفين، في المونديال بعد المصري عبد الرحمان فوزي في مونديال 1934.

هداف المنتخب الجزائري في مونديال إسبانيا وثاني أحسن لاعب في إفريقيا سنة 1982، وأفضل رياضي جزائري سنة 1983، كان يشكل إلى جانب لخضر بلومي ورابح ماجر ثلاثيا هجوميا رهيبا في صفوف الخضر، قادوا المنتخب لمشاركة ثانية في مونديال مكسيكو 1986.

صاحب مراوغة “الغراف” الذي أختير أفضل جناح أيسر في مونديال إسبانيا، أول ظلم تعرض له هو عندما منحت جائزة الكرة الذهبية الإفريقية للحارس الكاميروني توماس نكونو، رغم أن منتخب الكامرون لم يحقق أي فوز سواء في كأس إفريقيا أو في مونديال إسبانيا، ففي كلا الدورتين حقق 6 تعادلات، أي دون أي فوز وأقصي فيهما معا من الدور الأول، في حين صالح عصاد احتل المرتبة الثانية رغم أنه كان صاحب هدفين وتمريرة حاسمة، وتألق منقطع النظير في كل المقابلات المونديالية، وقاد منتخب بلاده للرتبة الرابعة في كأس إفريقيا 1982 بليبيا، مسجلا هدفين كهداف لمنتخب بلاده.

ويزداد الظلم مرارة عندما نعلم بأن ممثل الجزائر في التصويت على جائزة الكرة الذهبية الإفريقية لم يصوت على عصاد. ثاني ظلم تعرض له هو تجاهل الوزارة الوصية والاتحادية الجزائرية له بعد تعرضه لإصابة خطيرة خضع على إثرها لثلاث عمليات جراحية، تجاهل كان بسبب صراحته و نزاهته وخاصة أنه كان قد اقترح على زملائه تنظيم مائدة مستديرة لفضح ما تعرضوا له من حيف وظلم من طرف المسؤولين في مونديال مكسيكو 86، كادت أن تؤدي إلى اعتذارهم عن لعب المباراة الأخيرة أمام إسبانيا لولا تدخله.

ولكن يبقى أكبر ظلم تعرض له أسطورة الكرة الجزائرية، الذي قال عنه الجوهرة البرازيلية السوداء الراحل بيليه: “عصاد من كوكب آخر وأنه أحد أفضل عشرة لاعبين في العالم”، وقال عنه القيصر الألماني بيكنباور “عصاد بإمكانه اللعب في أكبر أندية العالم”، هو عندما تم اختطافه من طرف الطغمة الحاكمة في الجزائر وزَجَّت به في محتشدات الصحراء في يناير 1992، مباشرة بعد الانقلاب العسكري على أول تجربة ديمقراطية في الوطن العربي، بسبب انتمائه لحزب الجبهة الإسلامية للإنقاذ، ومشاركته مع قيادات من الحزب في التلفزيون الحكومي في الحملة الدعائية للانتخابات البرلمانية التي جرى دورها الأول في ديسمبر 1991، وفازت بها جبهة الإنقاذ بأغلبية ساحقة.

وهكذا لم تشفع له شهرته وتشريفه لألوان وطنه ودفاعه عن الجزائر رياضيا، وإنجازاته الكروية مع المنتخب، خصوصا في مونديال إسبانيا عام 1982 ومونديال مكسيكو عام 1986، كي لا يزج به في غياهب المعتقلات بسبب رأي وتوجه واختيار، وصار حراس المعتقلات الذين كانوا يشاهدون ويستمتعون بفنياته في الملاعب، يشاهدون اللاعب وهو يئن في معتقلات الظلم، من دون أن يحاكم أو توجه له أية تهمة.

قضى سنة في معتقل “رقان” الرهيب بولاية أدرار أقصى جنوبي الصحراء مع الآلاف من المعتقلين من أنصار ومناضلي حزب “الفيس”، في محتشدات الصحراء التي أنشأها الانقلابيون خصيصا لاحتجازهم، وثلاث سنوات بسجن البليدة.

ورغم كل هذه المحن بقي عصاد المعروف بأخلاقه العالية، ثابتا على مبادئه وقناعاته حتى أنه بعد “خروج” الجزائر من العشرية السوداء سأله أحد الصحفيين إن كان قد ندم على خياره خاصة بعد السنوات العجاف التي قضاها في الاعتقال؟ ليجيب: “رغم كل ما قضيته وكل المصائب التي حلت بي، إلا أنني لم أتنازل عن أفكاري ولازلت وفيا لديني الإسلامي كما أن مجال حريتي وأفكاري توسع الآن، وأصبحت أرى في الإسلام الحل الأمثل ليس على الصعيد الوطني فحسب بل حتى على الصعيد العالمي”.

عندما توفي مؤسس الجبهة الإسلامية للإنقاذ الشيخ عباسي مدني في أبريل سنة 2019، لم يتردد صالح عصاد في الذهاب إلى منزل عائلة الشيخ ببلكور لتقديم واجب العزاء.

شارك المقال
  • تم النسخ
المقال التالي