شارك المقال
  • تم النسخ

شقير يكتب.. ربع قرن من حكم الملك محمد السادس.. بين الحصيلة والآفاق

تحل في 30 يوليوز 2024 الذكرى الفضية لتربع الملك محمد السادس عرش المملكة، وربع قرن على حكمه للبلاد. ليتم التساؤل عن الحصيلة السياسية لهذه الفترة التي انطبعت بمجموعة من القرارات الاستراتيجية التي همت مختلف المجالات سواء الدينية أو الاجتماعية أو الدبلوماسية أو العسكرية.

أولا – إعادة هيكلة الحقل الديني بالمملكة

اهتم الملك محمد السادس منذ توليه الحكم بإعادة بسط سيطرته على الحقل الديني بالمغرب . فبخلاف والده الذي لم ينشغل بالهاجس الديني إلا في بداية الثمانينيات من القرن الماضي ، حيث عمل على إعادة إحياء المجالس العلمية ومراقبة المساجد ، وخلق شعب للفكر الإسلامي داخل الجامعات لمواجهة التيارات الفكرية العلمانية وإدماج بعض التنظيمات الإسلامية في المشهد السياسي مع حصار باقي التنظيمات الأخرى الاكثر تشددا ، انصب اهتمام الملك محمد السادس على بلورة استراتيجية تروم إعادة سيطرته على الحقل الديني . ولعل هذا يرجع بالأساس ، إلى أنه بخلاف التحديات التي واجهت بداية حكم الملك الراحل الحسن الثاني والتي تمحورت بالأساس على مواجهة معارضة يسارية ذات توجهات فكرية علمانية أو سلفية على الصعيد الداخلي ، و قوى خارجية إقليمية ذات نزوع قومي وجمهوري انقلابي والتي تمتلث بالأساس في المد الناصري والبعثي ، فقد واجه الملك محمد السادس تحديات أخرى تجسدت بالأساس في التحديات التي أصبحت تمثلها الحركات الدينية المتطرفة سواء على الصعيد الخارجي من خلال انخراط النظام بعد أحداث 11 شتنبر 2001 في حرب الولايات المتحدة ضد الإرهاب الأصولي الذي تزعمته خلايا وتنظيمات القاعدة أو الداخلي من خلال الهزة النفسية والسياسية التي أحدثتها انفجارات 16 ماي 2003 بالدار البيضاء الشيء الذي جعله ينخرط في بلورة سياسة أمنية تقوم على توجيه ضربات استباقية لكل أوكار التطرف ، و الانخراط في التعاون الاستخباراتي الدولي والمحلي ، والعمل على الحد من البناء العشوائي ومدن الصفيح . لكن إلى جانب هذه السياسة الامنية عمد النظام إلى بلورة سياسة دينية تروم بالأساس إلى احتواء كل الانفلاتات الفكرية والإيديولوجية لهذا التطرف من خلال توحيد الخطاب الديني و إعادة هيكلة المجالس العلمية.

1-توحيد الخطاب الديني

نتيجة لسياسة سلفه في فسح المجال أمام الفكر الوهابي لمقاومة التشيع الإيراني الذي تقوى بعد نجاح الثورة الخمينية ، وظهور أئمة ووعاظ ذوي توجهات فكرية ودينية تناقض ثوابت الخطاب الديني الرسمي ، بالإضافة إلى الأفكار المتطرفة التي أصبحت تروج بين شباب الجاليات المغربية بالخارج ، بدا للملك محمد السادس ، أنه لضمان احتكاره لمكونات الحقل الديني وتقوية صلاحياته كأمير للمؤمنين ، فإنه من الضروري ، العمل على إعادة توحيد الخطاب الديني خاصة بعد إصدار فتاوى تتعارض مع التوجه الديني والرسمي للدولة . وهكذا أشار العاهل المغربي في الرسالة السالفة الذكر الموجهة إلى أعضاء المجلس الأعلى للعلماء إلى ما يلي “ما زلنا نؤكد على ضرورة إدماج الخطاب الديني، في صلب المشروع المجتمعي الذي نعمل جادين على إنجازه، لتحقيق التنمية البشرية المنشودة، ورفع تحدياتها واستشراف المستقبل، في ثقة وعزم واطمئنان.وهذا ما يتطلب جعل الخطاب الديني الذي توجهونه، توعية وإرشادا، قائما على الاجتهاد المقاصدي المبني على جلب المصالح، ودرء المفاسد، ومراعاة متغيرات الواقع، في التزام بأصول الدين الإسلامي الحنيف، ووسطيته وسماحته واعتداله.” ومن ثمة ن تم العمل على تركيز مهمة الإفتاء في المجلس الأعلى للعلماء . إذ قام هذا الأخير ، بتوجيهات من العاهل المغربي كأمير للمؤمنين ، بإنشاء هيئة علمية للإفتاء تابعة للمجلس وتضم 15 عضوا مهمتهم الإفتاء في قضايا دينية معينة أو الرد على فتاوى صادرة عن جهات دينية سواء كانت خارجية ) كفتوى الشيخ يوسف القرضاوي حول قروض الربا أو الضجة الإعلامية والصحفية التي أثيرت حول فتوى المغراوي التي أباحت تزويج بنت تسع سنوات قياسا بتزوج النبي بعائشة وهي لم تصل بعد سن البلوغ . و لعل ردود المجلس العلمي بهذا الصدد كانت في سياق الرسالة التي ألقاها الملك أمام ثلة من أعضاء المجالس العلمية بالمملكة بمسجد محمد السادس بتطوان في 27 شتنبر 2008 والتي تزامنت مع ليلة القدر . فهذه الأجواء والطقوس التي أحاطت بإلقاء هذه الرسالة كانت تتغيا إضفاء صبغة روحانية وقدسية على العلاقة التي تجمع بين الملك بوصفه أمير المؤمنين والأعضاء المنضوون ضمن المجالس العلمية . فهذه الرمزية كانت تبطن الإشارة إلى أن الحقل الديني بالمغرب هو مجال مغلق يحتكر الكلام فيه شخص وحيد هو الملك بوصفه أمير المؤمنين ، كما تبطن إحياء لعادات قديمة درج عليها السلاطين السابقين الشيء الذي ذكر به الكاتب العام للمجلس الأعلى محمد يسف أثناء استضافته من طرف القناة الأولى ليلة الأحد 28 شتنبر 2008 .

وقد تضمنت هذه الرسالة الملكية رسم الخطوط العريضة لتوحيد الخطاب الديني واحتواء أية انفلاتات فيه ، حيث أكد الملك إلى “أننا لعازمون على المضي قدما ، للارتقاء بالشأن الديني …باعتباره في صلب الإصلاحات الوطنية الحيوية التي نقودها ، وفي مقدمتها ، توفير الأمن الروحي والحفاظ على الهوية الدينية الإسلامية المغربية ، المتميزة بلزوم السنة والجماعة والوسطية والاعتدال والانفتاح والدعوة إلى سبيل الله ، بالحكمة والموعظة الحسنة وما يرتبط بها من مبادئ الإسلام السمحة”.

وبهذا الصدد، كلف العاهل المغربي بصفته أميرا للمؤمنين المجالس العلمية << بأن تنهض بأمانة الإفتاء في النوازل الطارئة و أن تنكب على هذه المهمة الملحة والعسيرة بروح جماعية يمكن الوصول بها إلى إجماع في الرأي بعد العرض على المجلس العلمي الأعلى . >>. حيث توجه إلى أعضاء المجالس العلمية بالقول “أن جوهر رسالتكم الروحية ، العمل الدائم على إشاعة الطمأنينة والسلام والحث على التنافس في العمل البناء ومحاربة التطرف والانغلاق والإرهاب ، بإشاعة القيم المثلى تحصينا لبلادنا من الآفات المقيتة للغلو والتعصب “.

وفي نفس السياق أيضا ، دعا الملك ، في رسالته السالفة الذكر، إلى تفعيل خطة ميثاق العلماء من خلال تأهيل أئمة المساجد سواء في البوادي أو المدن ، وفق برنامج يشرف عليه المجلس الأعلى للعلماء بتنسيق مع وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية ،” لتوعية عامة الناس وتوجيههم ومحاربة وتفنيد أضاليل التطرف”.

2-إعادة هيكلة المجالس العلمية

عمل الملك محمد السادس ، منذ توليه العرش ، على الزيادة من عدد المجالس العلمية الإقليمية والمحلية. وهكذا تم الرفع من عددها إلى 19 مجلسا إقليميا حيث تم خلق 5 مجالس علمية جديدة شملت المجلس العلمي لمدن القنيطرة، وبني ملال، وسطات، والحسيمة وكلميم. و قد واصل الملك هذا التوجه ، حيث قام في سنة 2004 بالرفع من جديد من عدد هذه المجالس ليصل عددها إلى 30 مجلسا محليا . لكن يبدو أن هذا العدد لم يعد كافيا بالنسبة لضبط السلطة لمجالها الديني ، حيث أعلن الملك محمد السادس من خلال رسالته السالفة الذكر ، عن إعادة النظر في خريطة هذه المجالس العلمية . حيث تقرر الرفع من عدد هذه المجالس من 30 مجلسا علميا إلى 70 مجلسا علميا . ووفق هذه الخريطة الجديدة ، سيتشكل داخل كل عمالة وإقليم مجلس علمي ، بشكل أصبح التأطير الديني على غرار التأطير الإداري يغطي كل أنحاء المملكة مما عكس التوجه الرسمي في تكريس مركزة الدولة لمجالها الديني وضبط مختلف مكوناته بما في ذلك ربط القييمين الدينيين بالمؤسسة الملكية ، حيث تقرر إحداث مؤسسة محمد السادس للنهوض بالأعمال الاجتماعية الخاصة بهذه الفئة .

وقد أسندت لهذه المجالس المهام التالية:

-التأطير الديني للمواطنين حيث أكد الملك كأمير المؤمنين على ذلك من خلال ما يلي : << … إننا نريد من مجالسنا العلمية أن تكون مجالا رحبا يتيح للعلماء ، أن يؤدوا رسالتهم الدينية و الوطنية بدءا بتأطير المواطنين و المواطنات أينما كانوا لتحصين عقيدتهم وحماية فكرهم و إنارة عقولهم وقلوبهم بما يجعلهم مؤمنين ملتزمين بدينهم ومقدساتهم غير مهددين بتيارات التشويه و التحريف . و هذا يقتضي توسيع نطاق الوعظ و الإرشاد و الدروس التوجيهية و المساهمة الفاعلة في عملية محو الأمية التي أمرنا بفتح المساجد لها و المواظبة على تنظيم دورات تكوينية وتدريبية للقييمين الدينيين بتنسيق مع وزارتنا في الأوقاف و الشؤون الإسلامية مع ضرورة الاهتمام بالمرأة و إشراكها في المجالات الحيوية التي هي جديرة بالإسهام فيها>>.

ولم تقتصر هذه المهمة على المجال الديني الداخلي ، بل شمل الأمر أيضا الجاليات المغربية بالخارج ، حيث عين الملك في هذا السياق السيد الطاهر التجكاني رئيسا للمجلس العلمي للمغاربة القاطنين بأوربا ، الذي أسندت له مهمة التأطير الديني لهذه الشريحة واحتواء أية انفلاتات مذهبية أو فكرية بين صفوفها . وبذا تكون السلطة قد وضعت اللبنة الأساسية لمركزة مجالها الديني بالخارج والعمل على ضبط مكوناته التي يمكن أن تشكل تحديا أمام إشعاعها الديني واستقرارها العقدي . ولعل إرسال وزارة الأوقاف لمجموعة من الوعاظ سنويا إلى مختلف الجاليات المغربية بأوربا لا يمكن أن يندرج إلا في هذا السياق .

– الحفاظ على وحدة المذهب الرسمي للدولة حيث تم التأكيد الملكي على أن المغرب<< كان… خلال تاريخه الحافل المجيد ، حصنا منيعا وقلعة عالية للإسلام ، و إننا لحريصون على أن يبقى – كما كان – البلد الذي يتمثل فيه تشبثنا بالمذهب الملكي و العقيدة الشرعية وطريقة السلوك السني الهادف إلى تقويم النفوس و تنقية الضمائر ، مما كفل لبلادنا وحدتها وطمأنينتها. وإن العلماء الذين هم النواب عن أمير المؤمنين في تبليغ أحكام الشرع كانوا على مدى العقود ومازالوا في طليعة بناة الوطن وحراس كيانه و المدافعين عن مقدساته ، خداما للعرش الذي هو الدعامة والضامن لاستمرار الأمن والاستقرار، وكانوا بصدق وإخلاص وولاء ووفاء و بمساندة عفوية وتلقائية متجاوبين مع ملوكه الذين هم حماة الوطن و الدين ورموز الشرعية و السيادة>>.

ثانيا- محاربة الفقر والهشاشة الاجتماعية

اختار الملك محمد السادس منذ تسلمه الحكم أن يكرس الصورة الاجتماعية التي وضعها لنفسه منذ أن كان وليا للعهد. إذ حرص أن يسوق صورة أكثر شعبية وقريبة من الشرائح الدنيا والمهمشة في المملكة. لذا فقد دعى منذ توليه للحكم بملك الفقراء، ودأب في كل تحركاته على إبراز هذه الصورة، حيث أسس لهذا الغرض مؤسسة أسندت للسيدة زليخة نصري ، إحدى المستشارات بالديوان الملكي ، لتقوم بكل المشاريع الاجتماعية والخيرية من إعادة ترميم دور الطلبة، والإشراف على توزيع الوجبات الرمضانية، والمساهمة في تقديم المعونات لضحايا الزلازل والكوارث الطبيعية سواء في داخل البلاد وخارجه، بالإضافة إلى مساندة شرائح المعوقين وعائلاتهم. ولم يقتصر الأمر على ذلك، بل سعى أيضا إلى الاهتمام بفئات المسجونين ونزلاء السجون وذلك من خلال إنشاء مؤسسة محمد السادس لإدماج وإعادة تأهيل السجناء.

1- المبادرة الوطنية للتنمية البشرية

أتى الإعلان الملكي عن “المبادرة الوطنية للتنمية البشرية” في سياق تكريس التوجه الاجتماعي الملكي و استمرارا للحفاظ على الصورة الشعبية والاجتماعية للملك. خاصة بعدما لوحظ أن “الخصاص الاجتماعي” ما زال هوته تتسع بشكل كبير، وأن الفوارق الاجتماعية والطبقية هي في تصاعد مستمر أدى إلى تزايد الفقراء و المهمشين. ولعل مما كرس هذا الوعي لدى الملك التقارير الدولية لبعض المؤسسات الدولية كمؤسسة ما كنزي والبنك الدولي التي دقت ناقوس خطر انفجار اجتماعي وشيك بالإضافة إلى أن تقرير المندوب السامي للتخطيط قد أماط اللثام عن مجموعة من الوقائع الاجتماعية التي تفند كل الأرقام والإحصائيات التي تبنتها حكومة السيد إدريس جطو.لكن يبدو أن ما أفاض الكأس هي الزيارة الملكية المفاجئة التي قام بها الملك خلال سنة 2005 إلى الخيرية الإسلامية لعين الشق ، والتي تعتبر من أقدم و أكبر المؤسسات الخيرية بالبلاد ، واطلع فيها على حجم وفظاعة التهميش التي تعاني منه بعض الشرائح الاجتماعية بالبلاد. ولعل الفقرة التي بدأ بها الملك خطابه المعلن عن هذه المبادرة ليدل على ذلك، حيث تؤكد هذه الفقرة على ما يلي:

“شعبي العزيز، لقد عهدتني منذ تحملت أمانة قيادتك، دائم الانشغال بقضاياك، متجاوبا مع تطلعاتك، حريصا على إشراكك في إيجاد الحلول الناجعة، ورفع التحديات الكبرى للوطن، بروح الالتزام والتعبئة والعمل والأمل. وسيرا على هذا النهج، وبعد إمعان النظر فيما استخلصته من وقوفي الميداني، الموصول على أحوالك في مختلف جهات المملكة، فقد قررت أن أخاطبك اليوم بشأن قضية تهم المغاربة جميعا في العمق، قضية تسائل كل المؤسسات، والفاعلين السياسيين و النقابيين، والاقتصاديين، والهيئات الجمعوية. بل إنها تشكل الهاجس الملح لكافة الأسر والمواطنين.إن الأمر يتعلق بالمعضلة الاجتماعية، التي نعتبرها بمثابة التحدي الأكبر لتحقيق مشروعنا المجتمعي التنموي، والتي قررنا، بعون الله وتوفيقه، أن نتصدى لها بإطلاق مبادرة طموحة وخلاقة باسم ” المبادرة الوطنية للتنمية البشرية”.

كما اشتمل الخطاب الملكي أيضا على عدة فقرات أخرى تكرس صورة ملك القرب وملك الفقراء التي حاول الملك أن يحافظ عليها في كل تحركاته وزياراته وتنقلاته داخل أنحاء المملكة. ومن بين أهم هذه الفقرات تلك التي تؤكد على ضرورة اهتمام هذه المبادرة بالشرائح الأكثر تهميشا، وحث الجهات الحكومية على العمل من أجل استفادة هذه الأخيرة من مراحلها الأولى، حيث تمت الإشارة بهذا الصدد إلى ما يلي: ” وإذا كان من غير الممكن، من الناحية المادية إنجاز هذه المبادرة دفعة واحدة، على مستوى جميع الجهات والفئات، فإن من الأصوب اعتماد قائمة على مدى الاستعجال والحاجة الملحة لتحديد المستهدفين بالأسبقية.وهكذا ستستهدف هذه المبادرة، في المرحلة الأولى لانطلاقها، التأهيل الاجتماعي لـ 360 من الجماعات الأشد خصاصة في العالم القروي، و250 من الأحياء الفقيرة…كما أنها تستهدف التأهيل، بكيفية متدرجة، سواء للطاقة الاستيعابية، أو لنوعية مراكز الاستقبال الموجودة، أو إيجاد أخرى جديدة متخصصة، وقادرة على استيعاب ومساعدة الأشخاص في وضعية صعبة، كالمعوقين، والأطفال المتخلى عنهم، والمتشردين، والنساء المعوزات اللواتي لا سند ولا مأوى لهن، والعجزة والأيتام الذين لا معيل لهم…”.

2-المبادرة الوطنية للتنمية البشرية وامتصاص النقمة الاجتماعية

يمكن اعتبار أن هذه المبادرة قد تم الإعلان عنها في ظرفية اقتصادية واجتماعية دقيقة، حيث تميزت على الصعيد الاقتصادي بارتفاع صاروخي لأسعار البترول مما حدا بالحكومة إلى الزيادة في أسعار المحروقات، وموسم فلاحي غير ملائم بسبب الصقيع والجفاف مما كان له انعكاس على الهجرة القروية على المدن بكل ما صاحب ذلك من انعكاسات سلبية على التوازنات الاجتماعية خاصة بالمدن .ولعل هذا ما حاول الخطاب الملكي أن يعكسه من خلال توقيت الإعلان عن المبادرة الذي صادف تخليد الذكرى الثانية لأحداث 16 ماي بالدار البيضاء 2003والتي كانت لها رجة سياسية ونفسية على عموم الشرائح المغربية بما فيها الطبقة السياسية.و قد انعكس ذلك جليا من خلال الإشارة السياسية التي وردت في الخطاب الملكي، والتي تمثلت من خلال التحذير من مغبة استغلال هذه الظرفية لأهداف سياسية، حيث تمت الإشارة بهذا الصدد إلى ما يلي:

“… إن مصداقية تشخيص الوضعية الاجتماعية إنما تقاس بمدى نبل الدوافع وسمو الطموح، الذي يحدونا لتحقيق التقدم الاجتماعي، وبهذا المعيار، فإن أي استغلال للبؤس الاجتماعي لأغراض سياسوية أو لإذكاء نعرة التطرف أو لإشاعة روح التشاؤم واليأس، أمر مرفوض أخلاقيا، باعتباره ضربا من التضليل والمغالطة”.

وقد بدا من فقرات الخطاب الملكي أن التخوف من أية تداعيات تطرفية كان حاضرا بقوة، حيث ظهر ذلك بالخصوص من خلال التأكيد على ضرورة إعطاء الأولوية في هذه المبادرة للشرائح الأكثر تعرضا للتطرف، وللمناطق القابلة لاحتضانه وتقويته، وهكذا تم التأكيد في هذه الفقرة من الخطاب على ما يلي:

( ستستهدف هذه المبادرة في المرحلة الأولى لانطلاقها التأهيل الاجتماعي لـ 360 من الجماعات الأشد خصاصه في العالم القروي، و250 من الأحياء الحضرية الفقيرة العتيقة منها والعشوائية والصفيحية المحيطة بالمدن، التي تتجلى فيها المظاهر الصارخة للإقصاء الاجتماعي، والبطالة والانحراف والبؤس).

3-مأسسة المبادرة الوطنية للتنمية الاجتماعية

تحولت هذه المبادرة الملكية ، إلى مؤسسة تابعة لوزارة الداخلية يتولى رئاستها والي كمنسق وطني للمبادرة الوطنية للتنمية البشرية. كماصارت شريكا أساسيا في تنزيل السياسات الاجتماعية في مختلف أقاليم المملكة لمدة قاربت 19 سنة . وبهذا الصدد كشف الدردوري ، المنسق الوطني للمبادرة ” أنه تم تشييد 1700 كلم من المسالك والطرق، وربط أزيد من 88 ألف منزل بشبكة الماء الصالح للشرب و20 ألف منزل بشبكة الكهرباء، ودعم ما يفوق عن 2.000 مركز اجتماعي لضمان تكفل جيد بالفئات الهشة، مشيرا إلى إحداث أزيد 130 منصة للشباب بمختلف أقاليم وعمالات المملكة استضافت أزيد من 380 ألف شابة وشاب استفادوا من خدمات الإنصات والتوجيه، وإحداث ما يفوق عن 11.500 مقاولة شابة ودعم أكثر من 4700 مشروع تعاوني ضمن الاقتصاد الاجتماعي والتضامني.” كما أكد أيضا على أن المبادرة الوطنية للتنمية البشرية عملت في مرحلتها الثالثة على العناية بالطفولة المبكرة، استلهاما للتوجيهات الملكية، مبرزا في هذا الإطار أنه بهدف تقوية وتحسين الولوج إلى الخدمات الصحية المقدمة إلى الأم والطفل، تمت بموجب اتفاقية مع وزارة الصحة والحماية الاجتماعية واليونيسف، بلورة منظومة للصحة الجماعاتية. فقد تمت تجربة هذه الاتفاقية على مستوى 49 دائرة بثلاث جهات ذات الأولوية، إلى جانب إعداد استراتيجية لتعميم منظومة الصحة الجماعاتية المذكورة، في أفق إدماجها في المنظومة الوطنية للصحة، بتعاون مع القطاع الوصي وبدعم من البنك الدولي. كما
سجل الدردوري مجموعة من المنجزات المحققة بالمغرب على مستوى صحة وتغذية الأم والطفل، سيما ما يتعلق بتقليص المعدل الوطني للوفيات عند الولادة (72.6 حالة في كل مائة 100 ألف نسمة)، وارتفاع نسبة تتبع النساء للحمل تحت إشراف طبي إلى 88,5 في المائة، ولفت إلى انخفاض معدل وفيات الأطفال والرضع، بفضل الدور الكبير للبرنامج الوطني للتلقيح منذ أزيد من 30 سنة، مبرزا أن المبادرة عملت بتعاون مع وزارة الصحة والحماية الاجتماعية على تشجيع نمط سليم للحياة عبر حملات تواصلية وتحسيسية.في حين أشار أنه تم تنفيذا للتعليمات الملكية، وبتنسيق وثيق مع وزارة التربية الوطنية، تم إحداث أزيد من 9400 حجرة دراسية، حيث مكنت من استقبال أزيد من 310 آلاف طفل من الاستفادة من تعليم أولي وذي جودة بالعالم القروي، الشيء الذي مكن من رفع نسبة تمدرس الأطفال من 33 في المائة خلال الموسم الدراسي 2017/2018 إلى 83,5 في المائة، خلال السنة الدراسية 2023-2024.

ثالثا-تنقية المشهد السياسي وتكريس آليات الحكامة

شهدت فترة حكم الملك محمد السادس فتح عدة أوراش كبرى تمثلت في إنجاز العديد من المشاريع الهيكلية( ميناء طنجة المتوسط ، البراق ، الطرق السريعة….) بالإضافة إلى فتح مشاريع اجتماعية كبرى ( مشروع الحماية الاجتماعية…) . وكل هذه المشاريع إذا كانت تتطلب أموالا عالية فهي تتطلب أيضا كفاءات للإشراف عليها وكذا طرق شفافة لتسييرها. من هنا ركز العاهل المغربي على تبني الحكامة في تسيير الشأن العام سواء كان وطنيا أو جهويا أو محليا.

1-التكريس الدستوري لآليات الحكامة

لاحتواء تداعيات الفساد الذي كان ينخر دواليب الدولة والذي ارتبط بفترة حكم الملك الحسن الثاني التي التصق فيها الريع بتسيير المؤسسات العمومية ، حرص الملك محمد السادس منذ توليه العرش، على ضرورة التقليص ومحاربة هذه الظاهرة من خلال خطب ملكية عديدة. وهكذا أكد في خطاب عيد العرش بتاريخ 30 يوليوز 2001 أن (ممارسة الشأن العام لا تقتصر على المنتخبين، بل تشمل الجھاز الإداري الذي یجب أن یكون في خدمة المواطن والتنمیة؛ فإننا نلح على ضرورة إجراء إصلاح إداري عمیق، وفق منھجیة متدرجة، متأنیة ومتواصلة، تتوخى تبسیط المساطر، وجعلھا شفافة، سریعة، مجدیة، ومحفزة على الاستثمار. وسعیا وراء الحفاظ على ثقافة المرفق العام وأخلاقیاتھا، من قبل نخبة إداریة متشبعة بقیم الكفایة والنزاھة والاستحقاق والتفاني في خدمة الشأن العام وفي مأمن من كل أشكال الضغوطات وشبكات المحسوبیة والمنسوبیة، والارتشاء واستغلال النفوذ؛ فلن نقبل استغلال أي مركز سیاسي أو موقع إداري من أجل الحصول على مصلحة شخصیة أو فئویة، منتظرین من السلطات العمومیة أن تكون صارمة في ھذا المجال، وأن تلجأ علاوة على ما تتوفر علیھا من وسائل للمراقبة الإداریة والقضائیة إلى اعتماد أدوات وأجھزة جدیدة لتقویم السیاسات العمومیة، فضلا عن إشراك القطاع الخاص والمجتمع المدني والمنتخبین في إعداد المشاریع وتنفیذھا).كما حث، في خطابه بمناسبة افتتاح السنة التشريعية 1999-2000، نواب الأمة على ضرورة الإسراع في سن قوانين تسهل تنفيذ المشاريع الاستثمارية من خلال تبسيط المساطر الإدارية وإصلاح القضاء، حيث أشار بهذا الصدد إلى ما يلي: (…. نؤكد على وجوب تخليق الحياة العامة، بمحاربة كل أشكال الرشوة، ونهب ثروات البلاد والمال العام. وإننا لنعتبر أي استغلال للنفوذ والسلطة، إجراما في حق الوطن، لا يقل شناعة عن المس بحرماته. وفي هذا الشأن، نؤكد على الالتزام بروح المسؤولية والشفافية، والمراقبة والمحاسبة والتقويم، في ظل سيادة القانون، وسلطة القضاء، بما هو جدير به من استقلال ونزاهة وفعالية).وقد واصل العاهل المغربي التأكيد على هذه المقتضى من خلال خطب ملكية أخرى تمثلت في خطاب عيد العرش لـ 30 يوليوز 2005 التي دعا فيه الحكومة إلى (الانكباب على بلورة مخطط مضبوط للإصلاح العميق للقضاء، ينبثق من حوار بناء وانفتاح واسع على جميع الفعاليات المؤهلة المعنية، مؤكدين، بصفتنا ضامنا لاستقلال القضاء، حرصنا على التفعيل الأمثل لهذا المخطط، من أجل بلوغ ما نتوخاه للقضاء من تحديث ونجاعة، في إطار من النزاهة والتجرد والمسؤولية).في حين شدد في خطابه لعيد العرش 30 يوليوز 2008 (على ضرورة التطبيق الصارم لمقتضيات الفقرة الثانية، من الفصل الأول من الدستور التي تنص على ربط المسؤولية بالمحاسبة).

2- تخليق الحياة السياسية

ظهرت مجموعة من الإشارات الملكية التي كانت تحث على الإسراع في عملية تخليق الحياة السياسية وتفعيل آليات محاربة الفساد السياسي. وقد انعكس ذلك على الخصوص من خلال التعيين الملكي في 22 مارس 2021 لكل من أحمد رحو رئيساً جديداً لمجلس المنافسة المعروف بتمرسه في المجال المصرفي والتدبير المالي، والسيدة زينب العدوي التي زاوجت بين تجربتي أسلاك القضاء وصرامة السلطة رئيسة للمجلس الأعلى للحسابات وزودها طبقا لبلاغ ملكي “بتوجيهاته السامية، قصد الحرص على قيام هذه المؤسسة بمهامها الدستورية، لاسيما في ممارسة المراقبة العليا على المالية العمومية، وفي مجال تدعيم وحماية مبادئ وقيم الحكامة الجيدة والشفافية والمحاسبة”.كما أن هناك إشارتان سياسيتان قويتان صدرتا عن القصر الملكي بتطوان بمناسبة الاحتفال بعيد العرش في نهاية يوليوز 2023 شددتا على ضرورة تقوية جهود مكافحة الرشوة وربط المسؤولية بالمحاسبة: تمثلت الأولى من خلال تقديم عبد اللطيف الجواهري، والي بنك المغرب، ملخص التقرير السنوي للبنك المركزي حول الوضعية الاقتصادية والنقدية والمالية في البلد برسم سنة 2022 أمام الملك، شدد فيه على “أن الرفع من نجاعة أداء الاقتصاد الوطني يتطلب اتخاذ إجراءات؛ منها محاربة الرشوة، مقرا بضعف النتائج المحققة على مستوى محاربة الرشوة. وفي مساء اليوم ذاته، شدد الملك محمد السادس، في الخطاب الذي ألقاه بمناسبة الذكرى الرابعة والعشرين لعيد العرش، على ضرورة تطبيق مبدأ ربط المسؤولية بالمحاسبة، بقوله: “إن الجدية كمنهج متكامل تقتضي ربط ممارسة المسؤولية بالمحاسبة، وإشاعة قيم الحكامة والعمل والاستحقاق وتكافؤ الفرص”.

وقد أدت هذه الإشارات الملكية إلى تغيير الوضع بشكل لافت في الثلاث سنوات الأخيرة، وبالأخص في سنة 2023. إذ تم تحريك متابعات قضائية أمام محاكم جرائم الأموال في حق عدد كبير من رؤساء الجماعات، من ضمنهم برلمانيون تم اعتقالهم من طرف الفرقة الوطنية للشرطة القضائية، بسبب خروقات أغلبها بقطاع التعمير، رصدتها تقارير المفتشية العامة للإدارة الترابية التابعة لوزارة الداخلية، والمجالس الجهوية للحسابات.كما أحالت وزارة الداخلية ملفات مجموعة من رؤساء الجماعات على أنظار المجلس الأعلى للحسابات، بعدما رصدت المفتشية العامة للوزارة خروقات في تدبير الميزانية. لتنطلق بعد ذلك جلسات محاكمة رشيد الفايق، النائب البرلماني عن حزب التجمع الوطني للأحرار ورئيس جماعة أولاد الطيب بفاس، بغرفة الجنايات الابتدائية المكلفة بجرائم الأموال لدى محكمة الاستئناف بفاس، بتهم فساد لها علاقة بجرائم الأموال، رفقة 16 من المتهمين الآخرين، ضمنهم شقيقان له، أحدهما يشغل منصب رئيس مجلس عمالة فاس، بتهم تتعلق بتكوين “عصابة متخصصة في السطو على الأراضي السلالية، واختلاس أموال عمومية، والتزوير في محررات رسمية واستعمالها من طرف موظف عمومي، واستغلال النفوذ، والتزوير واستعماله في لوائح التعويضات على التنقلات ” في حين عرفت سنة 2023 تورط عدد من البرلمانيين في ملفات فساد؛ منهم من تم اعتقاله، ومنهم من تم تجريده من صفته البرلمانية. من هؤلاء البرلماني عبد القادر البوصيري من الاتحاد الاشتراكي، بعد اعتقاله بسبب اتهامات باختلالات مالية في جماعة فاس. وهناك أيضا محمد كريمن من الفريق الاستقلالي، باتهامه بسوء تسييره لجماعة بوزنيقة، والبرلماني ياسين الراضي من الاتحاد الدستوري المعتقل في ملف أخلاقي، بعدما تم عزله من رئاسة جماعة سيدي سليمان. وهناك البرلماني سعيد الزايدي من التقدم والاشتراكية الذي قضى عقوبة في السجن بسبب قضية رشوة، وصدور قرار عزله من رئاسة جماعة الشراط. في حين تم تجريد محمد الحيداوي، رئيس فريق أولمبيك آسفي، من عضويته بالبرلمان بعد تورطه في فضيحة بيع تذاكر المونديال، والنائب بابور الصغير من الاتحاد الدستوري، المعتقل في ملف نصب.لكن يبدو أن إحالة البرلمانيين سعيد الناصيري، رئيس مقاطعة بالدارالبيضاء ، وعبد النبي بعيوي، رئيس مجلس جهة الشرق، رفقة 20 شخصا متابعين في قضية تاجر المخدرات المالي المعروف بـ”إسكوبار الصحراء” في حالة اعتقال، تنذر “بعملية أياد بيضاء” ممنهجة على الطريقة المغربية ومؤشرا على أن هناك إرادة سياسية جديدة في التعامل مع ملفات الفساد السياسي؛ وتعزيز آليات الحكامة في تسيير الشأن العام بما في ذلك تفعيل مبدأ ربط المسؤولية بالمحاسبة.

رابعا- إعادة ربط المملكة بعمقها الافريقي

منذ تولي الملك محمد السادس ، توالت زياراته للعديد من الدول الإفريقية ، همت في البداية بعض دول غرب إفريقيا كالسنغال ، والكابون ، ومالي والنيجر ، لتمتد إلى بعض دول شرق إفريقيا الأنجلوفونية كرواندا وتنزانيا . وتدخل هذه الزيارات الملكية المتتالية لبعض الدول الإفريقية ضمن دبلوماسية ملكية تتغيا إعادة ربط المملكة بعمقها الافريقي اختلط فيها البعد الاستراتيجي ،بالبعد السياسي ، والديني ، والأمني.

1-البعد الاستراتيجي في الدبلوماسية الملكية الإفريقية

شكل المغرب مكونا أساسيا في المنطقة الإفريقية لا من الناحية الجغرافية بحكم اعتباره بلدا إفريقيا كانت تشكل فيه المنطقة الإفريقية عمقا استراتيجيا وذلك منذ القرن 16 خاصة في عهد السلطان المنصور الذهبي سواء على المستوى التجاري لاستجلاب الذهب والملح ، أو على الصعيد العسكري من خلال ضم الموارد البشرية إلى الجيش النظامي المغربي سواء في عهد المنصور السعدي أو في عهد السلطان مولاي إسماعيل العلوي . كما يشكل المغرب أحد المكونات الجيوستراتيجية للقارة الإفريقية . فإذا كانت جنوب إفريقيا تتواجد جنوب هذه القارة وتطل على رأس الرجاء الصالح والمحيط الهندي ، فالمغرب يتواجد في شمال هذه القارة كقوة إقليمية تطل على ممر جبل طارق ويعتبر بمثابة البوابة الشمالية لإفريقيا من خلال إشرافه على ملتقى البحر المتوسط المنفتح على جنوب الاتحاد الأوربي والمحيط الأطلسي المواجه للولايات المتحدة . لذا فكون المغرب يعتبر من الأعضاء المؤسسين لمجلس الوحدة الإفريقية قبل أن يتحول إلى الاتحاد الإفريقي يعتبر تحصيل حاصل استراتيجي .إلى جانب ذلك ، فإن المستجدات التي يعرفها العالم سواء في تغير هرمية القوى العالمية خاصة بصعود قوى عالمية جديدة على رأسها الصين جعل من إفريقيا رهانا اقتصاديا واستراتيجيا خاصة في بداية القرن 21 . ولعل هذا المستجد هو الذي جعل المغرب يبلور استراتيجية خاصة بإفريقيا تتخذ عدة أبعاد اقتصادية ودينية وسياسية وأمنية تحاول ألا تقتصر على دول غرب إفريقيا الفرنكوفونية ، بل تتعداها لتقتحم المنطقة الإفريقية الأنجلوفونية والتي بقيت طيلة العقود السابقة بعيدة عن الاهتمام المغربي بفعل الانسياق وراء السياسة الخارجية الفرنسية ( أزمة الكونغو في 1960و 1978 ) والافتقاد إلى لغة التواصل اللغوي خاصة اللغة الإنجليزية ، بالإضافة إلى البعد الجغرافي الذي يبعد المغرب في أقصى شمال القارة الإفريقية عن دول هذه المنطقة التي تتموقع في أقصى جنوبها .

2-الدبلوماسية الملكية وتصحيح الرؤية السياسية

زد على ذلك بعض الأخطاء السياسية، حيث ضيع صانع القرار فرصة ترؤس الرئيس مانديلا لدولة جنوب إفريقيا كأقوى قوة إقليمية بهذه المنطقة بحكم العلاقات التي كانت تجمع بين هذا الزعيم الإفريقي والمغرب، ودخول المملكة في مزاحمة هذا البلد على تنظيم كأس العالم ل 2010، وعدم انتقاء الطاقم الدبلوماسي الملائم لاجتذاب ود هذه الدولة للتموقع داخل هذه المنطقة بكل ما تمثله من ثقل استراتيجي وسياسي في القارة الإفريقية. لذا، فإن تعبئة الجهود الدبلوماسية التي أثمرت عن سحب بعض دول هذه المنطقة اعترافها بجمهورية البوليساريو كان آخرها سحب زاميبا اعترافها واستقبال الملك لرئيس رواندا المنظمة لمؤتمر الاتحاد الإفريقي الحالي يعد تحولا إيجابيا لتجاوز هذه المقاربة. فقد كان هذا التحول في الدبلوماسية المغربية اتجاه الدول الإفريقية، بما فيها تلك المتعاطفة مع الطرح الانفصالي التي تروج له الجزائر، قد تبلور بعد الوعي العميق بأن انسحاب المغرب من مجلس الوحدة الإفريقية في 1984 بعد القبول بعضوية (جمهورية البوليزاريو) خدم إلى حد بعيد الدبلوماسية الجزائرية وكذا الليبية آنذاك . إذ بدل أن يشكل ورقة ضغط في يد المغرب كعضو مؤسس لهذه المنظمة ، ترك المجال فسيحا للدبلوماسية الجزائرية لكي تتحكم في قرارات هذه الهيئة الإفريقية وتستخدمها ضد المغرب لتدعيم موقف البوليزاريو . وبالتالي ، فقد أدرك صانع القرار الدبلوماسي بأنه من الممكن للمغرب أن يستغل تحول هذه الهيئة إلى اتحاد خاصة بعد تغيير تسميته لانضمامه وإستعادة مقعده الشاغر لمواجهة المناورات والخطط الجزائرية داخل هذه الهيئة ، والعمل على إقناع الدول الأعضاء بوجاهة مقترح المغرب فيما يتعلق باستحالة الاستفتاء ، و أهمية اللجوء إلى مقترح الحكم الذاتي ، خاصة وأن جل الدول الإفريقية تعاني بشكل من الأشكال من النعرات القبلية والانفصالية كنيجيريا ( بيافرا) و وكينيا ( الماوماو) والكونغو (كاتنكا). كما أدركت الدبلوماسية الملكية بأنه من الجوهري لأية دبلوماسية ناجعة ألا تربط السياسة الخارجية للمملكة بمشكل الصحراء. فمشكل الصحراء وإن كان يشكل أولوية بالنسبة للمغاربة على الصعيد الداخلي ، إلا أنه في مواجهة الدول خاصة الإفريقية ينبغي تحديد التعامل معها وفق عدة مقاربات ومداخل تهم الجانب الاقتصادي الذي أصبح ذا أهمية كبرى في تقريب الرؤى وتقارب المصالح، والجانب الأمني الذي لا يقل أهمية ، بالإضافة إلى الجوانب السياسية والدينية وغيرها . فمشكل الصحراء لا ينبغي أن يشكل دائما العين الوحيدة التي ينبغي أن يقيم بها صانع الدبلوماسية الأمور . فيمكن للمغرب أن يتعامل مع كافة الدول رغم موقفها من مشكل الصحراء . ولعل استقبال الملك لرئيس رواندا ، والزيارة التي قام بها مسؤولون لإثيوبيا مؤخرا على الرغم من اعتراف هذه الأخيرة بجمهورية البوليزاريو شكل أسلوبا ومنهجا جديدا للمقاربة الدبلوماسية الملكية التي أصبحت تتبنى في تحركاتها الإفريقية مبدأ المردودية والفعالية وتنوع المصالح .

3-المبادرة الأطلسية

يبدو بأن هناك مجموعة من العوامل التي كانت من وراء بلورة المبادرة الأطلسية والتي هيأت الأرضية المناسبة للإعلان عنها والمرتبطة بالأساس بمبادرة الحكم الذاتي.

-من مبادرة الحكم الذاتي إلى المبادرة الأطلسية

كانت هناك مجموعة من التطورات الدولية والاقليمية ساهمت في الإعلان عن هذه المبادرة والتي حددها الملك محمد السادس من خلال الخطاب الملكي السالف الذكر في التطورات الإيجابية التي عرفها ملف الصحراء والمواقف الإيجابية من مبادرة الحكم الذاتي التي عرفت في السنوات الأخيرة تطورات ملموسة، على عدة مستويات:

-فعلى مستوى الأمم المتحدة : أقبرت القرارات الأخيرة لمجلس الأمن، المقاربات والأطروحات المتجاوزة وغير الواقعية. كما أكدت على المشاركة الفعلية للأطراف المعنية الحقيقية، في هذا النزاع الإقليمي؛ ورسخت بشكل لا رجعة فيه، الحل السياسي، الذي يقوم على الواقعية والتوافق.

وهو ما ينسجم مع المبادرة المغربية للحكم الذاتي، التي تحظى بدعم مجلس الأمن، والقوى الكبرى، باعتبارها الخيار الطبيعي الوحيد لتسوية هذا النزاع. وبالموازاة مع ذلك، ترفض الأغلبية الساحقة من المجتمع الدولي، الانسياق وراء نزوعات الأطراف الأخرى. فقد بلغ عدد الدول، التي لا تعترف بالكيان الوهمي 163 دولة، أي 85% من الدول الأعضاء في منظمة الأمم المتحدة.

-أما على مستوى الاتحاد الإفريقي : فقد تخلصت هذه المنظمة، بفضل رجوع المغرب إلى بيته الإفريقي، من المناورات التي كانت ضحيتها لعدة سنوات. وأصبحت تعتمد على مقاربة بناءة، تقوم على تقديم الدعم الكامل، للجهود التي تبذلها الأمم المتحدة، بشكل حصري، من خلال أمينها العام ومجلس الأمن.

-وعلى المستوى القانوني والدبلوماسي : فتحت عدة دول شقيقة، قنصليات عامة في مدينتي العيون والداخلة؛ في اعتراف واضح وصريح بمغربية الصحراء،وتعبيرا عن ثقتها في الأمن والاستقرار والرخاء، الذي تنعم به أقاليمنا الجنوبية.كما أكمل المغرب خلال هذه السنة، ترسيم مجالاته البحرية، بجمعها في إطار منظومة القانون المغربي، في التزام بمبادئ القانون الدولي.

وسيظل المغرب ملتزما بالحوار مع جارتنا إسبانيا، بخصوص أماكن التداخل بين المياه الإقليمية للبلدين الصديقين، في إطار قانون البحار، واحترام الشراكة التي تجمعهما، وبعيدا عن فرض الأمر الواقع من جانب واحد. فتوضيح نطاق وحدود المجالات البحرية، الواقعة تحت سيادة المملكة، سيدعم المخطط، الرامي إلى تعزيز الدينامية الاقتصادية والاجتماعية.

-أما على المستوى الاقتصادي ، فقد تعزز هذا التوجه باعتماد القوى الدولية الكبرى لمواقف بناءة، ومنها إبرام شراكات استراتيجية واقتصادية، تشمل دون تحفظ أو استثناء، الأقاليم الجنوبية للمملكة، كجزء لايتجزأ من التراب المغربي.

واستنادا إلى هذه المكتسبات، يؤكد المغرب التزامه الصادق، بالتعاون مع معالي الأمين العام للأمم المتحدة، في إطار احترام قرارات مجلس الأمن، من أجل التوصل إلى حل نهائي، على أساس مبادرة الحكم الذاتي.

وبالنظر لمختلف هذه المكاسب التي زادت من ترسيخ مغربية الصحراء، على الصعيد الدولي، فقد اعتبر العاهل المغربي أنه قد حان الأوان ، لجعل المنطقة قاطرة للتنمية، على المستوى الإقليمي والقاري.فاستكمالا للمشاريع الكبرى، التي تشهدها أقاليمنا الجنوبية، يقول العاهل المغربي ، ” فقد حان الوقت، لاستثمار المؤهلات الكثيرة، التي يزخر بها مجالها البحري. وانطلاقا من هذه الرؤية، ستكون الواجهة الأطلسية، بجنوب المملكة، قبالة الصحراء المغربية، واجهة بحرية للتكامل الاقتصادي، والإشعاع القاري والدولي.

-الإعلان الملكي عن المبادرة الأطلسية

في الخطاب الملكي ل 6 نوفمبر 2023 الذي ألقاه الملك محمد السادس بمناسبة الذكرى 48 للمسيرة الخضراء، والذي أعلن فيه عن المبادرة الأطلسية ، ظهر بأن إنجاز ميناء الداخلة يندرج في أفق استراتيجي يتجاوز الابعاد الجهوية المحدودة والقارية الموسعة ، ليندرج في إطار التحولات الجيوستراتيجية التي يعرفها العالم تتمثل في المتغيرات الجيوستراتيجية العالمية خلال العقدين الماضيين التي أعادت وضع القارة الإفريقية في قلب اهتمامات القوى الكبرى، خاصة بعد تداعيات جائحة كوفيد 19 والنزاع الروسي الأوكراني والأزمات الطاقية والغذائية والمناخية، وتنامي الصراع الدولي على الموارد والمعادن والمواقع الاستراتيجية. كما تتمثل أيضا في المتغيرات التي عرفتها دول الساحل بعد الانسحاب الفرنسي من بعض دول المنطقة والتمدد الروسي فيها . بالإضافة إلى الموقع الجيوستراتيجي للمنطقة الافريقية الأطلسية إذ أن البحار والمحيطات التي تحد إفريقيا (المحيط الهندي، البحر الأحمر، البحر الأبيض المتوسط والمحيط الأطلسي) تمنحها ميزة استراتيجية تمكنها من الإشراف على أهم مضائق وممرات التجارة الدولية (مضيق جبل طارق، قناة السويس، … )، ومن ثم تأتي أهمية هذه المبادرة كأرضية لاستثمار هذه المؤهلات الإستراتيجية التي تتمتع بها القارة، وفق مقاربة تشاركية تمكن بلدان الساحل من منفذ بحري على الواجهة الأطلسية المغربية.وتعزيز ولوج دول الساحل إلى المحيط الأطلسي . وبهذا الصدد أكد العاهل المغربي على استعداد المغرب لتقديم دعمه عبر إتاحة البنية التحتية الخاصة بالطرق، والموانئ، والسكك الحديدية. ‏أكد الملك أيضًا على ضرورة تطوير البنية التحتية في دول الساحل وربطها بشبكات النقل والاتصالات الإقليمية لضمان نجاح هذه المبادرة، بهدف تعزيز النمو الاقتصادي في المنطقة وتحسين التواصل والتجارة بين دول الساحل والعالم الخارجي. ولتجسيد هذه المبادرة عمليا ، تم التوقيع في المؤتمر المنعقد بمراكش يوم السبت 23 ديسمبر 2023 ، على اتفاق بين دول الساحل والمغرب، الشيء الذي يمثل خطوة أولية نحو تحقيق هذه المبادرة.

خامسا -‏ تطوير البحرية الملكية

منذ تولي الملك محمد السادس الحكم ، أولى المغرب أهمية خاصة لتطوير البحرية الملكية لتقليص فارق القوة العسكرية بينه وبين كل من الجزائر واسبانيا.وقد تزايد هذا الاهتمام خاصة بعد قرصة الأذن التي تعرض لها بعد أزمة جزيرة ليلى / بيريخيل مع إسبانيا بعدما انتبه إلى أن بحريته هي أضعف قوة عسكرية مقارنة بالسلاح البري والجوي. حيث استغل المغرب توجس الولايات المتحدة من استهداف تنظيم القاعدة للبوارج والسفن الحربية التي تمر من المضيق، وبعد تمكنه من الظفر بموقع شريك استراتيجي للحلف الأطلسي عام 2004، للعمل على إنشاء أكبر قاعدة بحرية على البحر المتوسط ، وتحديث سلاحه البحري.

1 -إنشاء قاعدة بحرية بالقصر الصغير

لتطوير بحريته التي باتت تشارك في مناورات مع إسبانيا في عرض مضيق جبل طارق، حاولت المملكة إقناع الولايات المتحدة و بريطانيا من أجل أن ينضم إلى نادي الدول الممتلكة لقواعد عسكرية على البحر الأبيض المتوسط، مرتكزا على أن موقعه الجغرافي المطل على مضيق جبل طارق و موقعه الاستراتيجي المهم على الواجهتين الأطلسية والمتوسطية، وكذا قربه من المركب المينائي طنجة المتوسط، يمنحه حقه التوفر على قاعدة عسكرية بحرية لضمان أمن الجميع.

-المقومات اللوجستيكية للقاعدة البحرية

أعطى العاهل المغربي الملك محمد السادس، القائد الأعلى ورئيس أركان الحرب العامة للقوات المسلحة الملكية، انطلاق الأشغال الفعلية لبناء قاعدة بحرية بها. وهكذا أعلن المغرب عن الشروع في إنشاء قاعدة بحرية عسكرية منذ شهر مارس 2008، على بعد 25 كيلومترا فقط من مدينة سبتة بتكلفة بلغت 127 مليون أورو. فعلى طول 512 كيلومتر من الشواطئ المتوسطية، حيث سيشكل باعتباره أول ميناء بحري على الضفة المتوسطية للمملكة، قاعدة لرسو السفن التابعة للبحرية الملكية، التي تتولى حماية الساحل الشمالي. كما سيشكل حجر الزاوية في التغطية البحرية، التي تقوم بها البحرية الملكية بمضيق جبل طارق بالمنطقة المتوسطية، علاوة على ما سيتوفر عليه من بنيات تحتية حديثة. وقد شرعت هذه القاعدة العسكرية التابعة للبحرية الملكية المغربية بمدينة القصر الصغير والواقعة على بعد 30 كيلومتر من طنجة، العمل على استقبال فرقاطة وسفنا حربية،.. كما أن أفرادا من القوات البحرية الملكية المغربية استقرت في القاعدة نهاية سنة 2012.في حين أن وحدات من البحرية الملكية شرعت في التمركز خلال الشهور الأخيرة من سنة 2011 بالقاعدة التي استقبلت ابتداء من سنة 2012 الفرقاطة “فلوريال” الفرنسية وسفن حربية من نوع سيغما الهولندية الصنع، على أن تتعزز هذه الترسانة بفرقاطة “فريم” المتطورة التي اقتناها المغرب من فرنسا والمتخصصة في مراقبة الغواصات.

-الأهداف الاستراتيجية من القاعدة البحرية

على الرغم من طول شريطه الساحلي –المتوسطي –الأطلسي الممتد على مساحة 3500كلم ، فقد بقي المغرب منذ استقلاله لا يتوفر ، سوى على أربعة قواعد بحرية صغيرة :

  • القاعدة البحرية الاولى الدار البيضاء
    -القاعدة البحرية الثانية الناظور
    -القاعدة البحرية الثالثة الداخلة
    -القاعدة البحرية الرابعة اكادير
    وبالتالي تعد هذه القاعدة البحرية العسكرية الأكبر من نوعها ليس بشمال المغرب، بل القاعدة العسكرية الأكبر من نوعها في المغرب مقارنة مع باقي القواعد البحرية الأخرى. حيث أنها ستوفر للمغرب وجودا استراتيجيا في مضيق جبل طارق، مما سيعزز من تواجده على الضفة الجنوبية لمضيق جبل طارق. وسيشكل قفزة نوعية للبحرية الملكية، وعودتها للعب دور استراتيجي في حماية مضيق جبل طارق، الذي ظل حكرا على بريطانيا واسبانيا .بعدما ظل هذا الوجود محدودا للغاية، وظل حكرا على كل من بريطانيا وإسبانيا العضوان في حلف الشمال الأطلسي.كما أن إحداث هذه القاعدة سيمكن المغرب من تقوية بنياته التحتية وتجهيزاته الأساسية في المجال العسكري، والأمني والاستخباراتي وتأمين الحدود البحرية وحتى الجوية والبرية، خصوصا وأن القوات البحرية الملكية شهدت الكثير من العصرنة والتحديث في الآونة الأخيرة مما يسمح لها بالقيام بدور كبير على مستوى مراقبة كل من مضيق جبل طارق وشرق البحر الأبيض المتوسط ،وكذا منطقة الساحل جنوب الصحراء وغرب إفريقيا.وكان قرار المغرب سنة 2007 بإحداث قاعدة عسكرية بالقصر الصغير، قد أثار قلق وحنق القيادة العسكرية الإسبانية، التي اعتبر قادتها تحولا جديدا في الاستراتيجية العسكرية في مضيق جبل طارق، مما جعلهم يقررون تشييد قاعدة عسكرية مماثلة بمدينة سبتة المحتلة، قبل أن يتراجعوا عن الفكرة بسبب التكلفة الباهضة للمشروع، وانخفاض الميزانية العسكرية الإسبانية بسبب الأزمة المالية التي عرفتها البلاد.

    2 – تحديث الترسانة العسكرية البحرية

    لتجاوز بعض مظاهر الضعف التي تعاني منها البحرية المغربية مقارنة بباقي الأسلحة البرية والجوية للجيش المغربي ، ولتجسير الهوة التي تفصلها عن البحرية الجزائرية والاسبانية ،خضعت البحرية المغربية لتحديث تدريجي ، حيث انتقلت من كونها قوة حماية ساحلية – مجهزة بشكل أساسي بكورفيت من فئة Descubierta وأربع سفن دورية صاروخية من فئة لازاغا من أصل إسباني أيضًا – لتصبح قوة بحرية رئيسية في المنطقة ولديها حقا قدرات المحيطات . يضاف إلى ذلك تحسين التدريب المهني لأفرادها ، الذين أجروا العديد من التدريبات البحرية مع أساطيل فرنسا والبرتغال وإسبانيا والبحرية الأمريكية. ويمكن نرجع دوافع هذا التحديث إلى اعتبارين : الأول إقليمي يتمثل في مواكبة تعزيز بعض دول المنطقة لقدراتها البحرية حيث عززت دول مثل الجزائر ومصر قواتها البحرية حيث أن اقتناء هذه الأخيرة لمجموعة من المعدات البحرية المتطورة جعلت من أسطولها البحري الأسطول الرئيسي في منطقة البحر الأبيض المتوسط ، في حين أن عمليات الاستحواذ التي قامت بها الجزائر جعلت من أسطولها البحري الأهم في منطقة المغرب العربي دون التغافل عن القوة البحرية التي يتوفر عليها الاسطول الاسباني بالمنطقة. أما الاعتبار الثاني داخلي يتمثل في حماية مصالحه البحرية ، خاصة بعد اكتشاف بعض الثروات المعدنية في المحيط الأطلسي خاصة بالقرب من جزر الكناري حيث يرى بعض الخبراء العسكريين أن هذا الاستحواذ يعكس اهتمام المغرب المتزايد بتأمين حدوده البحرية في منطقة البحر الأبيض المتوسط والمحيط الأطلسي في استراتيجية بعيدة المدى لحماية المملكة وتعزيز أمنها القومي خاصة بعد تزايد أنشطة عصابات التهريب والجريمة المنظمة العابرة للقارات وتهديدات التنظيمات المتطرفة.

    ووفق هذا السياق الجيوستراتيجي ، تم اتخاذ الخطوات الأولى نحو تحديث البحرية المغربية بإدماج فرقاطتين فرنسيتين من نوع فلوريال ، واقتناء ثلاث فرقاطات من طراز SIGMA ، مزودة بأحدث جيل من الأسلحة والأنظمة الإلكترونية ، و فرقاطة FREMM التي يبلغ وزنها 6000 طن وطولها 142 مترًا ، وهي واحدة من أكثر الوحدات القتالية الحديثة في المنطقة التي تتوفر عليها البحرية المصرية. وهكذا أصبحت البحرية المغربية تضم 12000 فرد ، منهم 3000 ينتمون إلى مشاة البحرية ، مع سبع فرقاطات وطرادات ، وقوارب دورية صاروخية مختلفة ، بالإضافة إلى زوارق دورية وخمس وحدات برمائية وقوارب نقل ودعم و 11. وأسطول طائرات الهليكوبتر. وفي سابقة تُعد الأولى من نوعها منذ ثلاثة عقود، نجح كل من المغرب إسبانيا في إتمام صفقة اقتناء الرباط لسفينة حربية تستعمل في الدوريات والإنقاذ، وذلك بفضل قرض قيمته 95 مليون أورو منحه مصرف “سانتاندير” للحكومة المغربية.ويتعلّق الأمر، بقارب دورية متطور يحتوي على أكثر الأنظمة تطوراً، مثل أجهزة الاستشعار والرادارات الحديثة، ونظام إطلاق الصواريخ، والإجراءات المضادة الإلكترونية، ومدفع 76 ملم، يبلغ طولها 89 مترًا ويتألف طاقمها من 46 شخصًا وتتسع لاثني عشر شخصًا . أما الخطوات التالية فتتمثل في رغبة المغرب في الحصول على غواصات بحرية التي ما زال المغرب لا يمتلكها في الوقت الذي تمتلك فيه كل من اسبانيا والجزائر بعض هذه الغواصات الشيء الذي يشكل أحد مظاهر ضعف الأسطول المغربي بالمنطقة . ولعل هذا ما دفع بالمملكة في السنوات الأخيرة للتعبير عن رغبة ملحة لامتلاك غواصات ، و البحث عن أحسن الخيارات العسكرية لاقتناء الغواصات التي ستساهم في تقوية قدرات البحرية الملكية والاستعانة بها في حماية امن حدوده البحرية وخلق نوع من التوازن العسكري مع الجزائر وبالأخص بعد الانتهاء من بنائه وتشغيله لقاعدة القصر الصغير.
    وبالتالي ، فعندما يمتلك المغرب غواصاته الأولى ، ستزداد قدرات أسطوله البحري بشكل كبير فيما يتعلق بحماية سواحله التي تمتد على مدى 2952 كم. حيث أن تمركزها في القاعدة البحرية في القصر الصغير سيمكنه من تقوية إشرافه على الحركية في البحر الأبيض المتوسط.

خاتمة

إجمالا، يمكن القول أن ربع قرن من حكم الملك محمد السادس كانت حافلة بتميزها باتخاذ قرارات استراتيجية شملت نهج سياسة دينية نجحت لحد الآن في ترسيخ شرعية النظام الملكي وضمان استقرار الدولة إلى جانب ضمان الأمن الروحي لمكونات المجتمع . وابتكار آليات للحد من مظاهر الفقر والهشاشة الاجتماعية بالمملكة . في حين تم نهج سياسة خارجية أعادت بالخصوص ربط المملكة بعمقها الافريقي على الصعيد الدبلوماسي ، وتقوية تواجده كقوة بحرية إقليمية على الصعيد العسكري .

شارك المقال
  • تم النسخ
المقال التالي