شارك المقال
  • تم النسخ

شقير يكتب: الدار البيضاء بين الأكواريوم والمتحف ؟!

من الغريب جدا أن لا تتوفر مدينة الدارالبيضاء الكبرى بعمقها التاريخي الضارب في القدم وتاريخها النضالي في مواجهة الغزو الأجنبي ومقاومة الاحتلال الفرنسي على متحف يحفظ ذاكراتها التاريخية . كما أنه من الأغرب أن لا تتوفر لحد الآن هذه المدينة الساحلية على أكبر شريط ساحلي بالمملكة على أي أكواريوم على غرار ما تتوفر عليه مدينة  مثل الإسكندرية أو سنغفورة.

متحف الدار البيضاء

من المعروف أن تاريخ  مدينة الدار البيضاء يعود إلى حوالي ألف سنة قبل الميلاد، حيث كشفت دراسات أركيولوجية عن وجود آثار تثبت أنها كانت من أقدم المناطق الآهلة بالسكان قديما، وأن الفينيقيين والرومان والبربر استقروا بها، وجعلها القرطاجيون مركزا تجاريا، واتخذها البورغواطيون في القرون الوسطى عاصمة لهم. وقد ذكرت عدة مصادر تاريخية عربية و أجنبية أن أمازيغ مملكة بورغواطة أسسوا مدينة “أنفا” أي الدار البيضاء عام 768 مع وجود روايات لتسميات مختلفة “أنافا” و”أنفي”. كما يرجح بعض المؤرخين أن الأمازيغ الزناتيين هم من بناها. كما أشارت هذه المصادر إلى السلاطين المرينيين جعلوا منها مركزا للتجارة البحرية مع الخارج، في حين استولى عليها البرتغاليون ثم الإسبان، وأعيد بناؤها في عهد السلطان  العلوي”سيدي محمد بن عبد الله” (1757-1790) باسم “الدار البيضاء”.

بالإضافة إلى ذلك تتميز هذه المدينة الدارالبيضاء بغناها المعماري الذي يجمع بين  المواقع الأركيولوجية كمغارة سيدي عبد الرحمان ، و مباني مخزنية  كالسقالة ، ومسجد الحمراء ، ونيو مخزنية المتمثلة في حي الأحباس بأحيائه التقليدية ومسجده الأعظم ومحكمته وقيساريته ….ومع كل هذا الغنى الثقافي والتاريخي ما زالت هذه المدينة لا تتوفر على متحف وطني يرسخ جذورها ما قبل التاريخية المرتبطة باكتشاف (إنسان عبدالرحمان)  ،أو التاريخية الممتدة إلى مدينة أنفا. أو تاريخها الحديث الذي يعكس التراث التاريخي للدارالبيضاء كمدينة مقاومة تصدت منذ البداية للتوغل الاستعماري الفرنسي وعانت من قصف سنة 1907  من طرف البارجة الفرنسية . كما احتضنت عام 1943 في عهد الملك محمد الخامس مؤتمرا دوليا عرف بمؤتمر آنفا حضره رئيس الوزراء البريطاني وينستون تشرشل والرئيس الأميركي فرانكلين روزفلت والرئيس الفرنسي الجنرال ديغول .في حين شهدت عمليات خلايا المقاومة المسلحة  التي تزعمها محمد الزرقطوني وحمان الفطواكي وإدريس الحريزي ومحمد الزيراوي وغيرهم…. لذا فقد آن الأوان لإنشاء متحف وطني بالدارالبيضاء يرصد تاريخ المدينة بكل مراحله وتجلياته . حيث يمكن أن يشكل بنك المغرب بوسط المدينة  مقرا لإقامة هذا المتحف الذي يمكن أن يضم، بالإضافة إلى عرض لتاريخ النقود بالمملكة ،عرضا  لكل مراحل تاريخ المدينة منذ الحقب القديمة إلى الوقت الراهن . وبالتالي إتاحة الفرصة لساكنة المدينة التعرف على تاريخ مدينتهم وفي نفس الوقت تعريف زوار العاصمة الاقتصادية سواء كانوا سواحا محليين أو أجانب  بماضي المدينة ومراحل تطورها . كما يمكن للسلطات المحلية التفاوض مع القائمين على مشروع متحف ليلى امزيان الذي يتم بناؤه بشارع مولاي يوسف على عقد شراكة تحول هذا المتحف من متحف خاص بشخصية عسكرية من شمال المغرب إلى متحف يشمل تاريخ وتراث هذه المدينة.

أكواريوم مدينة الدار البيضاء

تعتبر مدينة الدارالبيضاء أكبر مدينة ساحلية  بالمغرب ، حيث تتميز عن باقي المدن الساحلية المغربية ،سواء تلك المتواجدة على البحر المتوسط كالحسيمة والسعيدية أو تلك الممتدة على المحيط الأطلسي كالمهدية أو الجديدة أو أكادير أو الداخلة ، بتوفرها على أطول شريط ساحلي يضم كلا من شاطئ المحمدية ، وزناتة ، وعين السبع ، وعين الذئاب ،و سيدي عبد الرحمان ، ومدام شوال ،  وطماريس ، وسيدي رحال. ولعل هذا ما دفع بسلطات الحماية الفرنسية إلى  بناء أكبر مرسى ، و تحويل جزء من هذا الشريط إلى فضاء للترفيه من خلال تشييد عدة مسابح .  لكن على الرغم من  كل ذلك ، فما زالت المدينة لحد الآن لا تتوفر على أكواريوم في حجم طول شاطئها أو غناها البحري الذي يضم كل أنواع الثروة السمكية  التي تزخر بها شواطئ هذه المنطقة . فباستثناء مشروع حوض الأسماك للدار البيضاء الذي تم إنجازه في سنة 1962 وتم إغلاقه في سنة 1987 بعدما تم البدء في إنجاز مسجد الحسن الثاني ، ما زال مشروع بناء حوض الأسماك الترفيهي الكبير بالمنطقة الخضراء لمارينا الدار البيضاء،  حلما يراود ساكنة هذه المدينة الساحلية وذلك منذ تصريح عمدة المدينة السابق محمد ساجد بهذا الشأن.

فقد أوضح عمدة مدينة البيضاء، في ندوة صحافية  في سنة 2013 ، أن “مشروع بناء حوض أسماك بالمدينة يتضمن تقنيات عالية جدا، ويترقب أن يصبح أكبر موقع يزوره السياح والزوار، ومتنفسا للبيضاويين، وسيساهم في خلق رواج تجاري واقتصادي”، مشيرا إلى أن الميزانية، التي رصدت لمشروع “أكواريوم مارينا”، تقدر ب300 مليون درهم، وهو مبلغ اعتبره “كافيا لإنجاز المشروع”، خصوصا أن “فكرة إحداث مشروع حوض الأسماك في مارينا، لم تأت اعتباطا، وإنما من خلال زيارة وفد إلى مدينة فالانسيا الإسبانية، وتمت خلالها زيارة أكبر حوض للأسماك، وهو مصمم ومسير وفق المعايير الدولية لأحواض الأسماك المسماة (من الجيل الرابع)، ويتضمن مكونات عدة فريدة من نوعها، ونفقا عابرا للأحواض المائية، وعلى رأسها أكبر حوض للدلافين على المستوى العالمي.

وسيشيد حوض أسماك البيضاء على مساحة تقدر ب15 ألف متر مربع، وسيقتبس النموذج الإسباني من حيث التصميم، وطريقة تدبيره، وتوفره على نموذج اقتصادي ذو مردودية، علما أن حوض الأسماك الإسباني مكن من التدبير المالي المستقل والدائم، إذ أشار العمدة إلى أنه “تبين له من خلال الزيارة إلى فالانسيا أن الظرف السوسيو ثقافي، والموقع السوسيو اقتصادي، لمدينتي الدارالبيضاء، وفالانسيا، يمتلكان أوجه تشابه كافية لضمان الاستمرارية، في محيط ميتروبول البيضاء، وطريقة تدبير قريبين”. لكن منذ موافقة العمدة على توقيع مذكرة تفاهم، بين الجماعة الحضرية للدار البيضاء، وشركة “المنار للتنمية”، ومدينة الفنون والعلوم في فالانسيا على إنجاز هذا المشروع ، ما زالت الساكنة تنتظر إنشاء هذا (أكواريوم الدار البيضاء)  والذي قيل عنه حينها  أنه أكبر الأحواض الترفيهية على المستويين الإقليمي والعالمي. حيث سيعتمد في بنائه على أحدث التقنيات المستخدمة في هذا المجال، وفق المعايير الدولية لأحواض الأسماك من الجيل الرابع، وسيتضمن مكونات عدة فريدة من نوعها، ونفقا عابرا للأحواض المائية، وعلى رأسها حوض كبير للدلافين وسيعرف تنظيم عروض دائمة لهذه الحيوانات البحرية.

شارك المقال
  • تم النسخ
المقال التالي