بدخول المغرب إلى المرحلة الثانية من تخفيف الحجر الصحي يكون المسؤولون قد اختاروا الانتقال الى خيار جديد في التعامل مع كورونا، وهو #خيارالتعايشمع_الفيروس، أو ما يسمى باستراتيجية مناعة القطيع بعدما أصبحت تكلفة خيار الحجر الصحي والتباعد الاجتماعي غالية جدا على الاقتصاد الوطني، وأمست تداعياته قاسية على الاستقرار الاجتماعي.
في اعتقادي، ثمة اعتبارات بني عليها هذا الاختيار التعايشي، وفي مقدمتها :
1- لابد لعجلة الاقتصاد أن تدور وإلا التكلفة الاقتصادية والاجتماعية والسياسية للحجر الصحي ستصبح أغلى بكثير سيما في ظل الهشاشة التي تميز كل المجالات.
2- أثبتت نتائج مرحلة الماضية من الطوارئ الصحية، والتي دامت ثلاثة أشهر كاملة إلى حدود اليوم – أن معدل إماتة الفيروس ليس كبيرا وهو الآن في حدود 2 %، وأن الطاقة الاستيعابية للمستشفيات والمستشفيات العسكرية والميدانية التي أنشئت قادرة على أن تستقبل أضعاف الإصابات الموجودة الآن. على سبيل المثال أسرة الإنعاش لم يستغل منها سوى 5 %.
3- أن تجربة رفع الحجر الصحي في بلدان أوروبا مع احترام إجراءات الوقاية والتباعد أعطت ثمارا إيجابية.
4- الخوف من تهديد موجة وبائية عالمية ثانية بداية شتنبر يدفع في اتجاه تمكين المغاربة من المناعة صيفا قبل حلول فيروس الانفلونزا خريفا في انتظار توصل الباحثين إلى صناعة مصل مضاد للفيروس، والذي يبدو أنه سيتأخرا في أحسن الأحوال ستة أشهر إضافية وربما أزيد من ذلك بكثير.
لكن ما يجب تنبيه المسؤولين إليه ضرورة أن خيار التعايش مع كوفيد19 ليس نزهة سهلة بل هو مغامرة لا تقل خطورة، ذلك أن :
1- التعايش مع الفيروس معناه أن المغرب سيشهد خلال هذا الصيف ارتفاعا كبيرا جدا في أعداد المصابين بالفيروس وناقليه، ويتحدث الباحثون في علم الأوبئة على أن المطلوب ليكون خيار التعايش مع الأوبئة فعالا أن يصاب به 60 في المئة من أفراد الشعب. وهذا معناه أن المصابين بالأمراض المزمنة والحوامل والرضع وكبار السن ذوي المناعة الهشة سيكونون مهددين في حياتهم جراء إصابتهم بالفيروس. هذا إذا نفعت فرضية التعايش مع كوفيد19 أصلا. لذلك يجب الحفاظ على التباعد الاجتماعي واستعمال الكامامات وتجنب التجمعات وحماية الفئات الهشة صحيا مثل ما فعلت العديد من الدول كإسبانيا وإيطاليا وألمانيا والصين وغيرها … ولكن للأسف شاهد المغاربة بأعينهم في اليوم الأول من تخفيف الحجر في الشوارع وصفحات الفايس سلوكات بعيدة كل البعد عن هذه الضوابط في ظل ارتفاع عدد الإصابات وانتشار الوباء بسبب البؤر المهنية والعائلية في الغرب والجنوب والشمال. إن التعايش بدون هذه الإجراءات الحاجزية Mesures barrière مخاطرة غير محسوبة العواقب. اللهم حفظك وسترك.
2- التعايش مع المرض يفرض على الدولة أن تتحلى باليقظة المستمرة في تتبع الحالات، وأن تحافظ على التحسيس والتوعية المجتمعية المتواصلة من خلال نشرات الحالة الوبائية اليومية والتوعية الصحية في وسائل الإعلام العمومية، وإشراك فعاليات المجتمع المدني في ذلك.
لكن للأسف، رأينا وكالة المغرب العربي للأنباء تعلن في بلاغ على صفحتها الرسمية عن توقفها عن عرض عدد حالات الإصابة بالمرض وتوزيعها الجغرافي اليومي، وعن اكتفائها فقط بعرض حالات الشفاء والوفاة! لماذا يا ترى؟! ورأينا كيف تم تحييد المجتمع المدني من جهود مواجهة الجائحة.
3- التعايش يطلب من الدولة أن تشجع الأطر الصحية ماديا لحفزهم على الانخراط الجدي بعد المجهودات التي بذلوها، سيما في حالة عودة الوباء لمنطقة من مناطق المغرب مرة أخرى كما وقع في عدد من الدول كالصين وألمانيا الاسبوع الماضي، وعشناه في منطقة الغرب هذا الأسبوع. لكن للأسف، هؤلاء الأطر لم يكافؤوا على مجهوداتهم بل تم الاقتطاع جبرا من أجورهم لفائدة صندوق التضامن رغم النداءات المتكررة لإعفائهم وتحفيزهم ماديا.
4- التعايش يطلب استمرار الدولة في بناء المستشفيات الميدانية والتجهيز وتوظيف الأطر خاصة في مجموعة من الجهات التي تعرف ارتفاعا في عدد المصابين وذلك لاحتوائها عوض تجميع كل حالات الإصابة في مركزي بنسليمان وبنجرير.
5- ينبغي في ظل التعايش مع الفيروس العناية الفائقة بشروط العمل في وحدات الإنتاج والعناية الدقيقة بسلامة العمال والمستخدمين، وإشراك ممثليهم ونقاباتهم في تدبير الجائحة. ولكن للأسف، تصر الحكومة على استبعاد ممثلي العمال من آليات التدبير، ونلاحظ هشاشة تدابير الوقاية والسلامة، والاستهتار بشكاوى العمال في عدد من محطات الإنتاج كالذي وقع في للاميمونة منذ شهر حين انتقلنا من حالتين فقط إلى 700 حالة دون احتساب المخالطين.
6- الوضع الاقتصادي مختنق ويحتاج إلى “قبلة الحياة” عبارة عن “برنامج إنقاذ تشاركي” يشكل أرضية تعاقدية مجتمعية حقيقية من شأنه أن بعيد أجواء الثقة، ويعيد إنعاش السوق المغربي استثمارا وإنتاجا واستهلاكا. وهي مهمة تحتاج إلى الانفتاح السياسي والانفراج الاجتماعي بعيدا عن السلطوية وتوسع الريع والفساد ومزيد من إغراق السفينة بالارتهان للمديونية.
ليكن المسؤولون صرحاء مع الشعب، الشفافية والوضوح واجب في هذه المرحلة لينخرط الشعب بجدية ومسؤولية في تعزيز ما اكتسبناه والحفاظ عليه، وحماية البلد من خطر موجة ثانية قد تكون أفضع لا قدر الله تعالى، سيما و أن تاريخ الأوبئة ينبؤنا أنها تأتي موجات وليست موجة واحدة، وأن معدل الإماتة يرتفع مع الموجة الثانية بشكل أكبر بكثير عن الموجة الأولى. وهو ما وقع مثلا مع الانفلونزا الاسبانية.
هذه صرخة صادقة. وحفظ الله الجميع.
تعليقات الزوار ( 0 )