Share
  • Link copied

سقوط عنصر من جهاز “شين بيت” في قبضة صحافي مغربي!

قبل أسبوعين تقريبا توصل صديقنا الحسين، وهو صحافي مغربي، بمكالمة هاتفية عبر تطبيق الواتساب من صديقته سليمة التي تشتغل في السلك الدبلوماسي، والمكالمة كانت في البداية ثنائية بين سليمة وشخص آخر، قبل أن ينضم إليهما الصحافي بعد إضافته من لدن سليمة، وهكذا أصبحت المكالمة ثلاثية: سليمة من دولة أوربية، والحسين من المغرب، وشخص آخر يسمى موشي من داخل “إسرائيل” وهو من أصل مغربي.

تبرم الحسين في البداية من هذا الاتصال لولا ثقته بالسيدة سليمة التي يحترمها ويقدرها، وربما خشية خسارة معين لا ينضب من الأخبار الموثوقة والهامة، كما أنه لايخفي أنه استطاع فهم الشيء الكثير عن العقل الدبلوماسي للسياسة الخارجية للمغرب، وسليمة واعية بهذه الأمور وتقدر ذا الموقف، ولذلك “تجرأت” على تقديم الشخص الإسرائيلي باسمه إلى الحسين للتتحقق من صدقية نبأ يحمله موشي ذو الأصول المغربية والذي ما فتئ يقدم نفسه مدافعا عن المصالح العليا لبلده الأصلي هناك.

كيف يدافع الحسين وموشي عن سمعة المغرب في الخارج؟

 تفاجأ الحسين حين علم أن موشي يعرفه جيدا ويعي موقفه الرافض للتطبيع مع الكيان المحتل سواء من خلال مقالات الرأي أو في مشاركاته في ندوات على التلفزيون، ولكن مع ذلك فإن موشي يشهد للصحافي الحسين بالمصداقية، ولذلك حاول أن يمرر له خبرا أحرجه ويتقاسمه مع صحافي مغربي أصيل لهما نفس الشعور والإحساس بالروح “القومية” والغيرة على “سمعة” البلاد في الخارج ورموزها الوطنية، والخبر يتعلق بما فاه به الإعلامي المصري معتز مطر بخصوص فيديو على اليوتيوب، حيث سارع إلى اتهام معتز مطر بالتهجم على المغرب من خلال مداخلة ما أورده على لسان متحدثة داخل الكنيست أساءت إلى ملك البلاد كما ذهب إلى ذلك معتز مطر، ولكن الترجمة بالعبرية طالها التصحيف والتحريف وربما الخيانة!

– الحسين: شف أخ موشي، الترجمة هي في الأصل خيانة للنص الأصلي، ولكن ينبغي أن تعلم أن معتز مطر يشتغل مع فريق عمل، ومن بين فريقه من يتقن اللغة العبرية جيدا، ولا أستطيع أن أكذب أو اصدق إلا بعد ترجمة أمينة ممن يعرف العبرية… وحينها يمكن أن نواجه معتز مطر بالتزييف والتحريف والتصحيف والتدليس وهلم إجراما في حق مهنة الإعلام.

ـ سليمة (مقاطعة): قلت لك يا موشي بأن الحسين يتحقق من الأخبار قبل نشرها، ولا يمكن أن ينشر شيئا إن لم تحصل له الثقة الكافية بالمصادر المختلفة والمتطابقة وتتكون عنده قناعة متفردة بالموضوع.

– موشي: (بلغة فرنسية) أنا أعرف اللغة العبرية جيدا يا سليمة كما أتحدث معكم بالعامية المغربية واللغة الفرنسية.

– الحسين: هل يمكنك أن ترسل الفيديو كاملا يا موشي للأخت سليمة وأنا سأتكفل بالترجمة من أحد الأصدقاء من فلسطين؟

– سليمة: نعم، اعطنا الفيديو كاملا..

– موشي (مقاطعا): هل تعرف أشخاصا من فلسطين سي الحسين؟

– الحسين: طبيعي جدا لأني إعلامي ولي علاقة مع صحافيين وكتاب ومع مراكز للتفكير تعنى بقضية فلسطين، بل وحتى أعضاء من فصائل المقاومة ضد الاحتلال الإسرائيلي..

بهُت موشي الذي رفض إرسال الفيديو واضطر بدبلوماسية مزيفة إلى تغيير موضوع النقاش للحديث عن الفصائل والمقاومة وكيف تغسل القيادات أدمغة الشباب.

سليمة (تخبر الحسين في رسالة خطية خاصة في تطبيق الواتساب): “انتبه الحسين، موشي عنصر من المخابرات، من الشين بيت، وحدات المستعربين، ولكنه عنصر مهم بالنسبة لنا..”. رد سليم برسلة قصيرة: “ولا يهمك سليمة”!

الأخ “موشي” في قبضة الصحافي الحسين

الحسين: الأمر لا يتعلق بقضية غسيل الدماغ يا موشي، بل إنه الشعور بالقهر والظلم والجبروت، إنهم فتية لا تتجاوز أعمارهم عشرين سنة ونيف، لا يعرفون دير ياسين ولا صبرا وشاتيلا ولا يميزون بين النكبة والنكسة، ولا الانتفاضة الأولى (1987) أوالانتفاضة الثانية (2000)، إنهم يرون الظلم يمشي على رجليه: اعتقال وقتل وتشريد وهدم البيوت، واغتصاب الأراضي، والفصل العنصري، وتدنيس المقدسات، لا حاجة للفتى الفلسطيني أن يعرف النكبة والنكسة والانتفاضة والمجازر المتوالية، هو يحياها يوميا.. فما البديل يا ترى؟

هل تعلم يا موشي أن مشكلة إسرائيل يمكن تلخيصها بفكرة جامعة مانعة: إسرائيل لا تستطيع أن تتعايش، هل تستطيعون أن تتعايشوا مع الشعوب العربية المسلمة؟ هذا هو السؤال المهم، أنتم تطبعون مع أنظمة ديكتاتورية تقمع شعوبها وتفاخرون بديمقراطيتكم وبقضائكم وببرلمانكم وبصحافتكم، وهي من أحسن الصحافة في العالم، على حد وصف الراحل عبد الوهاب المسيري، لماذا لا تعدو إسرائيل نموذجا جذابا لشعوب المنطقة وتنتقل موجة “الديمقراطية” إلى الشعوب كما كانت تونس نموذجا لانطلاق موجة الربيع العربي؟ لماذا لا تنطلق موجة التغيير الديمقراطي من داخل “إسرائيل” إلى باقي ربوع الأقطار والأمصار العربية المجاورة؟

هل تعرف لماذا يا موشي؟

– موشي: لا، أريد أن أعرف السي الحسين!

الحسين: لأنكم ضحية الإيديولوجية الصهيونية، واليهود هم أول ضحاياها، والصهيونية هي من صنع الغرب الاستعماري الذي تخلص من اليهود فيما سماه بـ”المسألة اليهودية” ودفع بهم للمنطقة كدلالة على استمرار الاستعمار الغربي بالمنطقة، وتظل إسرائيل ضعيفة أمام كل أحرار العالم مثقفيه وشعوبه التواقة للحرية. فهل تعتقد أن إسرائيل قوية برأيك؟

موشي: طبعا هي قوية ولكن ضعيفة في الإعلام لأن المسلمين أكثر من مليار واليهود أقلية.

-الحسين: العكس هو الصحيح يا موشي، إسرائيل قوية في الإعلام وعولت على الجبهة الإعلامية منذ نشأتها، ويحكي الخبير المغربي المهدي المنجرة في كتابه “الإهانة في عصر الميكا-إمبريالية” (بالفرنسية)، لما كان طالبا في أمريكا عام 1948 تصادف وجوده هناك زيارة دافيد بن غوريون إلى أمريكا حيث التقى اليهود هناك وبشرهم بتأسيس وطن لهم، فأراد الكثير منهم تقديم مساعدات مالية للدولة الناشئة، فكان رد بن غوريون: معركتنا في المستقبل ستكون إعلامية، استثمروا أموالكم في الإعلام، حاولوا أن تسيطروا على الجرائد الكبيرة ومحطات الراديو.

ولا تنس يا موشي أن تيودر هرتزل هو في الأصل صحافي، أضف إلى هذا أن اليهود يسيطرون اليوم على أكبر المنابر في العالم حسب كتاب صدر مؤخرا للكاتب الفرنسي جاك أطالي بعنوان “تاريخ الإعلام: من الدخان إلى مواقع التواصل الاجتماعي” (بالفرنسية)، وهو يهودي، كما أن GAFAM وهي الشركات المسيطرة على سوق الانترنيت تهيمن عليها لوبيات داعمة لكم وتصنف رد فعل الفلسطيني ومقاومته إرهابا!

أما القوة التي تقصدها، وربما المخابرات والصناعة العسكرية، اعلم أنه من يعول على التجسس والعسكر هو ضعيف ولا يستطيع أن يتعايش، خذ مثلا: إذا كانت سليمة تتجسس على زوجها وتقلب جيوب سترته وتفتش هاتفه فهي الدلالة على أنها لا تثق في زوجها، وإذا اشترط زوجها على أن تسلمه شيكا بنكيا على بياض عربونا لاستمرارية ميثاق الزواج فهو من المؤكد أنه لا يثق فيها، معناه لا توجد مودة ولا ثقة وهي أساس التعايش، ومن يتزنر يوميا بسلاحه في الحي أو القرية أو المستوطنة فإنه يعدم الأمن والأمان ! وإسرائيل أصبحت تشكل عارا على الفكر اليهودي في العالم، أنا يا موشي سبق لي أن حاورت إيلان بابي، أستاذا سابق للتاريخ في جامعة حيفا، يذهب إلى أنه لا يمكن أن يكون هناك تعايش في المنطقة بوجود إسرائيل، إسرائيل برأيه هي الوجه الآخر لداعش، ونفس الكلام أو قريبا منه يؤكده المؤرخون الجدد بل والصحافيون منهم، ونفس الكلام قاله لي الصحافي الفرنسي ألان كريش وهو يهودي، في حوار لي معه أيضا، وهناك مفكرون كثر من اليهود يعتبرونكم عارا وآخرهم “جوديث بتلر” في كتابها “مفترق الطرق: اليهودية ونقد الصهيونية” ترجمة المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات بالدوحة.

فين ماشي يا موشي؟!

ـ “هل تنكر السي الحسين أن اليهود في المنطقة العربية تم بيعهم..؟” يسأل موشي.

ـ الحسين: فهمتك أخ موشي، يجب أن يتوجه السؤال إلى المشتري أولا، لأنه هو المستفيد، والمستفيد هي الحركة الصهيونية العالمية، وكل ما حدث هو بتخطيط من المنظمات الصهيونية، وإذا أردت أن نتحدث عن بلدنا المغرب يا موشي فأنا أحدثك عن حالات رأيتها بأم عيني لمغاربة مسلمين لا يزالون إلى اليوم يتذكرون جيرانهم وأصدقاءهم من المغاربة اليهود، حزنوا كثيرا لما فارقوا أصدقاءهم وخلانهم وجيرانهم وتقطعت السبل والأواصر الأخوية والإنسانية والوطنية لما هاجر مواطنون مغاربة في إطار ما سمي بـ”الهجرة الكبرى” والتي حدث جانب منها خلال الأربعينات من القرن الماضي وكان لا يزال المغرب تحت نير الاحتلال، بلد منزوع الإرادة والسلطة، وبعد الاستقلال كان البلد لا يزال بخطو خطواته الأولى في بناء مؤسسات الدولة.

في هذه الظروف يا موشي وقعت الواقعة، والسبب هو الصهيونية العالمية، حدث ذلك بتخطيط من المنظمات الصهيونية تمهيدا لقيام دولة إسرائيل في عام 1948، في حين تواصلت هذه الهجرة بشكل لا يقل حدة عقب استقلال المغرب عن الاستعمار الفرنسي عام 1956.

ومن المفارقات يا موشي، هناك فلم مغربي للمخرج السينمائي حسن بنجلون اسمه “فين ماشي يا موشي” (إلى أين أنت ذاهب ياموشي)، يكشف الفلم تعلق اليهود المغاربة بوطنهم من خلال شخصية يهودي مغربي كان يعيش في جبال الأطلس عام 1963، وكيف قاوم رغبة الرحيل إلى إسرائيل حتى خضع في النهاية لذلك رغم حبه لوطنه المغرب.

موشي أو أدولف أيخمان في القدس

الحقيقة أن موشي لا يجادل كما يجادل الصهاينة غير اليهود بسلطة الإقماع بدل الإقناع، ولاسيما عندما ذكره الحسين بعدم تفاعل اليهود المغاربة مع إهانة الرموز الوطنية من قبل القيادات السياسية الإسرائيلية.

  شعر الحسين أن موشي حقيقة لا موقف له ولا سيما أنه من المغرب، ويبدو أنه يعيش تمزقا في الهوية، على حد تعبير المسيري، لأن الصهيونية لم تستطع إلى اليوم أن تُعرف من هو اليهودي، موشي يحب المغرب لأنه بلد أمه وأبيه وتاريخه، ولكنه يحب بلدا آخر بالرغم من كونه يشكل لعنة وعارا لليهود أجمعين الذين عاشوا في البلدان العربية والإسلامية في سلم وأمان، وهكذا تُصبح حال موشي أشبه بحال أدولف أيخمان، الضابط النازي الذي هرب إلى الأرجنتين بعد سقوط النازية، وتم كشفه من قبل الموساد واقتياده إلى فلسطين ومحاكمته حيث تم شنقه بعد سنتين، وكتبت عنه الفيلسوفة السياسية اليهودية حنة أرندت كتابا بعنوان “أيخمان في القدس” بعدما قامت بتغطية المحاكمة كصحافية.

 وذنب أيخمان أنه كان وفيا للتعليمات النازية كما أن موشي، هو اليوم، وفيً للتعليمات الصهيونية، وإذا كان اليهود ضحية النازية من قبلُ، فإنهم أيضا ضحية الصهيونية من بعدُ، ما دامت الصهيونية كما النازية واحدة من الحركات الغربية الإمبريالية العنصرية الاستعمارية الحلولية.

Share
  • Link copied
المقال التالي