Share
  • Link copied

سردية الحرب والسلام

تتحدد نوعية المجتمعات ومستواها الحقيقي في المنعطفات الكبرى التي تمر منها. فقد تكون بالنسبة للبعض حافزا للنهوض والتجاوز، ولبعضها الآخر تكريسا لواقع ومزيدا من النكوص والتراجع. يعود السبب في ذلك إلى اختلاف الأمم في قدرتها على مواجهة المستجدات، في ضوء استعداداتها وتخطيطاتها لما يمكن أن يكون عليه مآلها قبل وقوع أي تحول يمكن أن يعصف بها. يبين لنا تاريخ الصراع العربي ـ الإسرائيلي أنه تاريخ النكبات والنكسات، في القرن العشرين، وتاريخ التراجع والنكوص مع الألفية الجديدة.

إذا اعتبرنا تجاذبات التطبيع حاليا منعطفا جديدا، يحق لنا التساؤل: وماذا بعد؟ وكيف يمكننا استغلاله ليكون حافزا للتجاوز والنهوض، الذي يوجه معادلة الحرب والسلام وجهة جديدة لفائدة الشعب الفلسطيني؟ هذا هو السؤال الذي يمكننا التفكير فيه لتجاوز سردية لم تؤد إلا إلى المزيد من التيهان والضياع. إن التطبيع حسب قراءتي وليد صيرورة من التطور. وبدون وضعه في سياقه لا يمكننا سوى اتخاذ المواقع الانفعالية التي لا يمكن أن تؤدي إلى أي نتيجة.
لقد انتهت الحرب الباردة، ولم يبق للأفكار والأيديولوجيات البريق الذي كان لها منذ منتصف القرن الماضي. وصارت لغة المصالح والتنافس على الهيمنة الاقتصادية هي السائدة. وما قيل عن صراع الأديان في الألفية الجديدة لم يكن بدوره سوى تعلة لإخفاء الصراع الحقيقي بين الأمم والتكتلات، باتخاذ الإسلام ذريعة. إن الصراع الحقيقي اليوم هو صراع بين قوميات تثبيتا لمصالح خاصة بكل منها.

تواجه الوطن العربي، من الشمال روسيا، ومن الغرب تركيا، ومن الشرق إيران، وعند كل منها طموح استرجاع قوة السوفييت والقيصر، والعثمانيين، والفرس. وفي قلب الوطن العربي: القومية اليهودية التي اتخذها الغرب الإمبريالي مطية لردع أي حركة يمكن أن تعاود النهوض العربي الذي تختزن أرضه وقود الدورة الاقتصادية العالمية. يتدخل الروس في سوريا وليبيا، وتتسع دائرة الترك لتمتد إلى العراق وسوريا وليبيا. بينما يحضر الفرس في لبنان والعراق وسوريا واليمن. أما إسرائيل، وهي تستوطن فلسطين فتعمل على تحييد دول المواجهة من أي صراع، لتنفيذ قراراتها التوسعية بضم المزيد من الأراضي، بدون أن تلقى أي رد سوى ما تقوم به المقاومة الشعبية من ردود أفعال.

أين حدود الوطني والقومي في الواقع العربي المعاصر؟ وأين البعد الديني في الحروب الحالية؟ وما موقع الشعوب العربية في كل هذه الحروب؟ هذه هي الأسئلة التي ينبغي إعادة طرحها من منظور جديد.

إن ميزان القوى في المنطقة العربية لفائدة القوميات الأربع المتدخلة في الشأن العربي. في الوقت الذي نجد فيه العرب منقسمين على أنفسهم وعاجزين عن الدفاع عن بقائهم، وليس لفرض وجودهم؟ مكتفين بالتدخل في شؤون بعضهم بعضا، بالقوة العسكرية تارة، وبالإعلام طورا، وبهما معا في أحيان أخرى، بدعوى مواجهة الإسلام السياسي، أو مقولة تقرير المصير، أو الفتن التي جاء بها الربيع العربي؟ لن أتساءل عن القضية الفلسطينية الأولى، فقد وضعت على الرف. ولن أشير إلى دعوات التسامح والإصلاح الديني، فذلك كان فقط من أجل دفع ما يقال عن الإسلام، وليس من أجل الوحدة الإسلامية. يعيش العالم العربي كله في حالة حرب حقيقية. هذا ما لا نريد الانتباه إليه، وقد جرى العمل على جعلها حربا تخص أقطارا معينة من العراق إلى ليبيا مرورا بسوريا واليمن وفلسطين، وهي متروكة للأطراف المتصارعة، وللقوميات المتدخلة فيها، وللمنتظم الدولي الذي يبعث بين الفينة والأخرى ممثلين للنظر فيها. لقد صارت وضعيات هذه الدول ذات بعد وطني، يخصها وحدها، وعليها أن تعمل على حل تناقضاتها بنفسها؟ هذا الفراغ العربي الذي جاء نتيجة تكريس المزيد من النكوص والتراجع في مختلف منعطفات الصراع العربي ـ الإسرائيلي، باعتباره الأصل، هو الذي يقوي أحلاما جديدة لقوميات بدأت تتشكل منذ أواخر السبعينيات مع الثورة الإيرانية، وبعد ذلك مع الروس والترك. أما إسرائيل فمنذ العمل على تجسيد فكرة الصهيونية على أرض الواقع، وهي تعمل من أجل فرض وجودها وسيادتها على المنطقة.

أين حدود الوطني والقومي في الواقع العربي المعاصر؟ وأين البعد الديني في الحروب الحالية؟ وما موقع الشعوب العربية في كل هذه الحروب؟ هذه هي الأسئلة التي ينبغي إعادة طرحها من منظور جديد. أما ترديد المقولات الجاهزة، والشعارات الجوفاء، فلن يجعلنا نخوض حربا، ولا نفرض سلاما.

إن أساس الحرب في المنطقة هو الصراع مع إسرائيل.. إن تدمير العراق وجعله ساحة للاقتتال الذاتي كانت وراءه إسرائيل وأمريكا بطريقة مباشرة. كما أن أحداث الربيع العربي، ما كانت لتكون لولا استهتار الأنظمة العربية بقضايا الوطن والمواطن وبشجونه وأحلامه في الوحدة والحرية والكرامة. لا يمكن للحرب إلا أن تتواصل ما دامت مبرراتها مستمرة. ولا يمكن لهذه الحرب أن تضع أوزارها إلا بحل القضية الفلسطينية، التي هي حق شعب في ممارسة حياته على أرضه، وإلا بحل قضايا الشعوب العربية التي تطمح إلى تحقيق الحرية والعدالة الاجتماعية. فكيف يمكننا التفكير في السلام؟ أبالتطبيع مع العدو الذي لا يعترف بحقوق الشعب الفلسطيني؟ أم باللاتطبيع الذي لا يقدم ولا يؤخر؟ هل يمكن للتطبيع أن يلعب دورا في السلام؟ وهل للحرب أن تسهم في فرض الحق؟

Share
  • Link copied
المقال التالي