يوماً بعد آخر، يتأكد لمراقبي الشأن السياسي في المغرب أن الحكومة مصرة على تكريس توجهها الليبرالي، من خلال إيلاء الاهتمام أكثر للفاعلين في القطاعات الاقتصادية الكبرى، بينما تولي ظهرها للمطالب الاجتماعية الملحة في العمل والصحة والتعليم وغيرها.
وفي هذا الصدد، تأتي الوعود التي قطعتها حكومة عزيز أخنوش على نفسها باستمرار دعم الشركات المتأثرة من تداعيات كورونا وإعادة جدولة قروضها، فضلاً عن تعهدها بدعم أرباب النقل البري نتيجة الزيادات المتتالية في المحروقات.
هذا التوجه جلب عليها سخط حزب “الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية” المعارض، إذ كتبت الصحيفة الناطقة باسمه أنه إذا كانت الحكومة هذه الأيام توزع وعودها على أرباب الشركات بفتح “صنابير الدعم العمومي” السخي، فإنها في المقابل تتحاشي الحديث عن المصادر التي سيأتي منها هذا الدعم الذي سيكلف لامحالة اعتمادات مالية كبرى من الموازنة العامة، لا سيما وأن هذه الأخيرة لا تتضمن أياً من تلك النفقات الطارئة، ولا تأخذ في الحسبان المستجدات المحلية والدولية التي خلطت جميع الأوراق والحسابات.
ولاحظت الصحيفة أن ميزانية الدولة هذا العام تواجه تحديات خطيرة وغير مسبوقة، تتمثل في محدودية الموارد بالمقارنة مع ارتفاع غير متوقع في حجم النفقات، وذلك بسبب التطورات المتسارعة على الساحة الدولية وتقلب أسواق المواد الأساسية، وهو ما سيكون له بلا شك تأثير مباشر على تدبير مالية الخزينة التي تشهد ضغطاً غير مسبوق بفعل انهيار جميع الفرضيات التي بني عليها قانون المالية.
وأكدا أنه “إذا كانت الحكومة قد بنت قانونها المالي على فرضية إنتاج 80 مليون قنطار من الحبوب، و67 دولاراً لبرميل النفط، فإنها مدعوة اليوم إلى مراجعة جميع حساباتها بعدما قفزت أسعار النفط الخام إلى أكثر من 117 دولاراً للبرميل للمرة الأولى منذ عام 2014، فيما تحطم أسعار القمح يومياً أرقاماً قياسية لم تسجل منذ 14 عاماً، وهو ما يتزامن مع فترة جفاف حادة تنبئ بمنتج زراعي هزيل سيضاعف حاجة المغرب إلى الاستيراد”.
ولفتت الانتباه إلى أن معالم العجز في ميزانية الدولة بدأت تظهر منذ الشهر الأول من العام الجاري، حيث كشفت بيانات أصدرتها مديرية الخزينة العامة أن العجز المالي بلغ عند متم شهر يناير الأخير حوالي 3.7 مليارات درهم عوض فائض تجاوز 3 مليارات درهم خلال الفترة نفسها من 2021.
وسجلت “الاتحاد الاشتراكي” أنه على الرغم من هذه الوضعية الحرجة، فإن الناطق الرسمي باسم الحكومة، مصطفی بايتاس، لا يبدي أي شعور بالقلق عندما يؤكد في كل مناسبة “أن الحكومة لا نية لها في تقديم قانون مالية تعديلي، لأن للحكومة هوامش للتحرك، رغم ما يفرضه السياق الدولي.. وأن الحالة التي يمكن أن تلجأ لها الحكومة لتعديل قانون المالية هي توقف الحركة الاقتصادية والمداخيل وذلك ما تم مع الحكومة السابقة في سنة 2020 بسبب جائحة كورونا”.
وإذا كان الوزير بايتاس يعترف بنفسه بأنه في الوقت الذي لن يكون هناك أي تأثير على مستوى المواد التي يمكن أن تحتاجها البلاد، فإنه في المقابل سيكون هناك تأثير على مستوى الأسعار، فإن المراقبين ما زالوا ينتظرون من الحكومة أن تفصح عن خطتها، أو بالأحرى “وصفتها السحرية” لمواجهة هذه التحديات المالية الطارئة دون أن تعدل قانون ماليتها، ودون أن تبحث عن موارد استثنائية لتمويل وعودها السخية بعيداً عن اللجوء إلى الدين العمومي الذي وصل إلى مستويات قياسية.
ودعا صندوق النقد الدولي الحكومة المغربية إلى ضرورة توسيع القاعدة الضريبية، وتحسين تصاعدية النظام الجبائي، والبحث عن موارد ضريبية جديدة مثل ضريبة الكاربون أو الأشكال الجديدة من ضرائب الثروة، بالإضافة إلى مراجعة الإنفاق الحكومي وتحديد أولويات الإنفاق وترشيده.
وحسب الصحيفة الناطقة بلسان الحزب المعارض، فإنه رغم الدعوات الداخلية والخارجية، ترفض الحكومة فرض ضريبة محددة ودائمة على ثروة، رغم علمها بأن الدول الكبرى لطالما لجأت إلى الأغنياء في أوقات الأزمات الكبرى، ففي فترات ما بعد الحربين العالميتين الأولى والثانية، أقرت الدول الأوروبية واليابان ضرائب على الثروة لتمويل إعادة الإعمار. ومؤخراً، تبنت الأرجنتين، المثقلة بالديون التي تفاقمت بسبب الوباء، ضريبة خاصة على الأغنياء. كما أقرت بوليفيا المتعثرة “ضريبة ثروة” طويلة الأجل تطال أي شخص لديه أكثر من 30 مليون بوليفيانو (4.3 ملايين دولار). ومع مواجهة بريطانيا الأكبر عجز في ميزانيتها المسجلة، أوصت لجنة ضريبة الثروة المستقلة بفرض ضريبة لمرة واحدة يمكن أن تطال الأشخاص الذين لا يتجاوز دخلهم 250 ألف جنيه إسترليني. غير أن الحكومة في المغرب، كما تلاحظ الصحيفة نفسها، لا يبدو أنها متحمسة للضريبة على الثروة أكثر من حماسها لتوطيد علاقتها مع الباطرونا (أرباب العمل) والاستجابة لمطالبهم ودعمهم في أوقات الشدة.
عن القدس العربي
تعليقات الزوار ( 0 )