ينقسم مواطنو إسرائيل إلى قسمين، قسم له نظرية مختلفة من حيث مضمونها فيما يتعلق بالتهديد الوجودي للدولة ومواطنيها، وقسم يرى ضرورة في تدمير حماس وحزب الله في هذه الحرب لإزالة التهديد الوجودي. في المقابل، يعتبر القسم الثاني الحاجة مهمة لتدمير حماس وحزب الله، ولكنه يقول في هذه المرحلة إنه ليس بإمكان الجيش الإسرائيلي تحقيق هذا الإنجاز، لذلك يجب العمل على وقف القتال وإجراء تسوية لإنقاذ الدولة من الانهيار.
من يفحص الوضع الذي وصلنا إليه في الحرب، من حيث الوقائع وقدرة الجيش الإسرائيلي، سيدرك أن الوقائع على الأرض مختلفة بالمطلق مقارنة برغبة مواطني الدولة في تدمير حماس وحزب الله واجتثاث النظام الإيراني. في ظل غياب قدرات الجيش الإسرائيلي، إذا استمرت هذه الحرب، فلن ننتصر، بل سنتحطم.
مثلما توقعت الكارثة في 7/10/2023، أتوقع الكارثة المقتربة.
جميع السيناريوهات التي ذكرتها خلال فترة طويلة تحدث أمام ناظرينا، في الحقيقة بقوة أقل مما خطط له حزب الله، نتيجة تصفية حسن نصر الله وأترابه، ومؤخراً تصفية السنوار، لكن الاتجاه السيئ لانهيار الدولة بقي على حاله، ما دامت حرب الاستنزاف مستمرة. للأسف، سيرتفع لاحقاً حجم التهديد على إسرائيل من جديد في الوقت الذي ندخل فيه إلى المعادلة إيران أيضاً. أتحدث عن الوضع الصعب في الدولة، الآخذ في التفاقم أمام ناظرينا منذ فترة طويلة، على أساس حقائق ثابتة. في الواقع، التدهور أبطأ قليلا. ولكن لا يهم إذا كان ذلك سيستغرق أسابيع أو أشهراً أو حتى سنوات للوصول إلى النتيجة النهائية وكل ما يتعلق بها. هناك الكثير مما يجب فعله لإنقاذ الدولة من الانهيار في كل مجالات الحياة، ويمكن فعل ذلك، لكن لا أحد نتحدث معه الآن في المستوى السياسي والعسكري. لذا، لا يمكن وقف هذه العملية الفظيعة إلا باستبدال القيادة السياسية والعسكرية.
تعقب كل نجاح للجيش الإسرائيلي سعادة وسرور وكأننا نجحنا في اجتثاث الإرهاب والانتصار في الحرب. ولكن العاقل يدرك بأن وضع الدولة الأمني في المنطقة آخذ في التعقد والتدهور، ولا زعيم في المستوى السياسي أو الأمني ينظر للمدى البعيد ويفهم الصورة الاستراتيجية الشاملة.
من المؤسف الحديث عن معظم المحللين في وسائل الإعلام؛ ففي كل ما يتعلق بالقضايا المرتبطة بأمن الدولة فإن عالمهم ضيق مثل عالم النملة، فضلاً عن غالبية الجمهور، الذي يعيش في حالة نشوة غير مسيطر عليها ولا يعرف ما ينتظره في المستقبل. لا شك لدي بأن مواطني إسرائيل سيستيقظون على واقع صعب إذا ما استمروا في التصفيق بدلاً من فهم الواقع كما هو، ويغيروه، رغم تصفية حسن نصر الله والسنوار. والمهم أن يدرك الجمهور ما يحدث لنا حقاً. وإذا لم نعترف بالحقيقة فلن نعرف كيفية مواجهتها.
نتنياهو وأترابه لا ينوون استغلال الفرصة، والتوصل إلى اتفاق لتحرير المخطوفين. يواصل رئيس الحكومة كالعادة إصدار تصريحات غير عقلانية عن تدمير حماس بشكل مطلق، وتدمير حزب الله وإضعاف إيران. وقبل حدوث كل ذلك، لا ينوي مناقشة أي اتفاق سياسي. ولأن جميع خططه خيالية، فلن يتم إطلاق سراح المخطوفين، وستستمر حرب الاستنزاف ومعها انهيار الدولة في كل مجالات الحياة. كثيرون هنا يتصرفون مثل قطيع هائم ويدعمون رئيس حكومة يقود دولة إسرائيل إلى طريق مسدود. وعندما يستيقظون، سيكون الوقت قد تأخر جداً.
إسحق بريك
هآرتس 22/10/2024
(القدس العربي)
تعليقات الزوار ( 0 )