Share
  • Link copied

زراعةٌ ورعيّ ولعب ضامة.. هكذا يقضى كبارُ السنّ في البوادي المغربية شهورَ الجائحة

بعيداً عن الهواتف الذكيةِ وتطبيقاتها.. وفي مكان لا وجودَ فيه لشاشات التلفاز وقنواتها.. ولا حدائق عموميةً تُخفف عن النفوس معاناتهاَ.. في مكان بعيدٍ عن المدينة، ضواحي تارجيست، بجبالٍ الريف، بجماعة سيدي بوتميم، تعيش عشرات العائلات، التي ما تزالُ باقيةً هنا، رغم قساوة الحياة، من بينهاَ محمد، الرجل الستينيّ، الذي، ورغم سنين العمرِ، بقيَ محافظاً على بنيته الجسدية القوية.

لم يكن محمد بعيداً عن تأثيرات الجائحة، فمباشرة بعد إعلان حالة الطوارئ الصحية، وجد نفسه فجأةً، محاصراً، لا سيما بعد إغلاق السوق الأسبوعي لتارجيست، (قبل أن يُفتتح من جديدٍ مؤخراً)، الذي كانَ ملتقى للقبائل المجاورةِ. لم يكن الستينيُّ عابئاً بالفيروس، غير أن الإحساس بأنه مقيّد، ولا يملك حرية الحركة، كان شعوراً غريباً نوعاً ما، لكنه سرعان ما تعوّد على الوضع، حسب قوله.

“عموماً، أنا معتادٌ على البادية، أرعى الغنم، وأزرع بعض الخضر المعيشية، وأقضي وقتي تحت تلك الشجيرات”، يقول محمد لـ”بناصا”، وهو يُشيرُ بيديه لبعضٍ من أشجارِ “العرعار”، المتواجدةِ على رأس تلٍّ صغير، يُطل على بيته حيث يعيش برفقة زوجته الخمسينية وأحد أبنائه.

أضاف محمد، ذو الوجه المتجعد، والذي يرتدي “جلابة” ذات لونٍ بنيٍّ شاحبٍ، بأن الشهر الأول في الحجر الصحيّ كان الأصعب، فقد اضطررت لـ”شراء المواد المعيشية من البقال القريب منّا، مع اقتناء الخضر والفواكه والسمك، من الباعة الذين حلوا قرب مقر جماعة سيدي بوتميم، بغيةَ تقريبٍ مستلزمات العيش من ساكنة تشايف ومسعدية وبني مزذوي وغيرها من الدواوير القريبة”.

وبشأن الوسائل التي كان يقضي بها الوقت، يوضح الستينيُّ: “في الصباح الباكرِ؛ بعد الفجر مباشرةً، كنتُ أُخرج أغنامي وأتوجه لرعيهاَ، مع كلبي، الذي يؤنس وحدتي ويساعدني في مهمتي، وحين أعود، منتصف النهار على الأكثر، أرتاحُ قليلاً، ثم أتناول الغداء، وبعدها أقصد مزرعتي الصغيرة، التي أزرع فيها خضراً مثل البطاطس والطماطم، وبعض الزهور، لكي أسقيها”.

وواصل محمد، بأنه بعد اعتنائه بمزرعته الخاصة، يتوجه بعد العصر، عند أصدقائه، علي وهو عسكريٌّ متقاعدٌ، وعبد الله، شيخ سبعينيّ، يقطن بقربه، عاش في أوروباَ، سينين طويلةً، قبل أن يُقرّرَ العودة لقضاء ما تبقى له من العمر في المغرب، إلى جانب الخمسيني عبد القادر، وهو من الجالية المغربية المقيمة في إسبانيا، حجزه إغلاق الحدود في المملكة.

لا يُفوت عبد القادر أي فرصةٍ، للعن فيروس كورونا، وما تسبب فيه، ولإغلاق الحدود، الذي أبقاه هنا، يحث يحكي لعلي ومحمد وعبد الله، ما كان سيفعله لو كان في إسبانيا، فبدلأً من البقاء في هذه البادية، كان يُمكن أن يقضي الحجر الصحي في مدريد، غير أن زملاءه، يؤكدون له، في كلّ مرةٍ، بأن قضاء الحجر في قريةٍ، أفضل بكثير من أن يُسجن الشخص، في عمارةٍ سكنية، على الأقل هنا نخرج ونتنفس ونجلس، حسبهم.

أما عليّ، فيحب دائما أن يتحدث عن بطولاته حين كان واحداً من أفرادِ القوات المسلحة الملكية، والسنوات التي قضاها في الصحراء المغربية، وعدد من المناطق، ويردد نشيد الجيش: “نحن أسودٌ في الوغى، ونصرعُ كلّ من طغى”، مستعيداً به، حماسةً ما يزال يحتظف ببعضها، رغم كبرِ السن، وفقدان قوةِ الشبابِ.

وبعد أن ينتهي الأصدقاء الطاعنون في السنّ من أطراف الحديث، واستحضار ما سلبه الزمان منهم، يشرعون في لعب “ضامة”، التي تعتبر أشهر الألعاب، إلى جانب “البراتشي”، يسعد المنتصر، ويغضب الخاسر، يقضون ساعات على هذا النحو، قبل أن يغادر كلّ لحال سبيله، ضاربين موعداً جديداً في اليوم الموالي، ليكرّروا السيناريو نفسه.

Share
  • Link copied
المقال التالي