لا عجب أن يتزاحم جمهور من زوار معرض الكتاب حول كاتب سعودي استفاد من التسويق الرقمي عبر مواقع التواصل. مشهد يجسد بوضوح التحول الرقمي الذي يشهده عالم الكتب على غرار كل المجالات، ويطرح أسئلة جوهرية حول مستقبل صناعة النشر في ظل هيمنة “السوشيال ميديا” على المشهد الثقافي.
لا يختلف اثنان على أن “السوشيال ميديا” باتت جزءا لا يتجزأ من حياتنا اليومية، ولم يعد بإمكاننا تجاهل تأثيرها الهائل على مختلف جوانب حياتنا، بما في ذلك عالم الكتب. فمن خلال المنصات المختلفة، أصبح بإمكان الكتاب التواصل بشكل مباشر مع قراءهم، والترويج لأعمالهم، وبناء علاقات قوية مع جمهورهم.
وإذا كان نجم بعض الكتاب قد سطع عبر “العوالم الرقمية”، لا يعني ذلك بالضرورة أن محتوى أعمالهم ذو جودة عالية. ففي بعض الأحيان، قد تساهم عوامل أخرى مثل ظاهرة “التراند” أو سلوكيات الجماعة (نظرية القطيع) في رواج محتوى معين دون غيره.
ولا ننسى أن “السوشيال ميديا” و”الذكاء الاصطناعي” و”الكرافيزم” تمثل ميادين واعدة تشكل ملامح المستقبل. فـ”السوشيال ميديا” تتيح فرصا هائلة للتواصل والترويج، بينما يساهم “الذكاء الاصطناعي” في تحسين تجربة القراءة وتقديم توصيات مخصصة، و”الكرافيزم” يضفي لمسة جمالية على المحتوى ويساعد على جذب انتباه القراء.
من جهة أخرى، بينما ينشط بعض الكتاب والمثقفين على مواقع التواصل الاجتماعي، يفضل آخرون البقاء بعيدا عن هذا الضجيج.
ولا يعني غياب بعض الشخصيات المرموقة عن “السوشيال ميديا” تهميشهم أو نقص تأثيرهم. فنجاحهم قد سبقهم، وأعمالهم تتحدث عن نفسها.
شئنا أم أبينا “فيسبوك” وأبناء عمه من تطبيقات التواصل الحديث أصبحت جزءا هاما من الحياة اليومية المعاصرة، ولم يعد مجديا محاولة التحكم في طريقة استعماله.
حتى أن مداعبة الهاتف أضحت ممارسة لا يخلو منها أي وسط اجتماعي، ولم يعد بإمكان الأم أو الأب ثني الأطفال عن استكشاف سحر الشاشات، فما بالك بالقاصرين والبالغين.
وإذا سطع نجم أحدهم من خلال الجمهور فلا يعني بالضرورة أن ما يقدمه جيد، وإنما توجه الجماعة يصب في صالحه، والأمثلة عديدة في هذا الباب، أذكر منها ذلك الشاب الذي تصدر “التراند” في “تيكتوك” تحت عنوان “أجمل ابتسامة” لكن، سرعان ما خفت نجمه بعد أن اتفق الجميع مجددا أن ابتسامته سيئة للغاية !
بل حتى الأموات ممن وسمهم التاريخ بشخصيات مؤثرة تركت بصمة فارقة، ستجد أقوالهم وأعمالهم وصورهم منتشرة في “الفضاء الرقمي”.
مع ذلك، لا ينبغي تحميل أنواع التواصل الحديث أكثر مما تحتمل، مهما بدت مبهرة و معقدة.
فهي بالأساس صناعة بشرية، والإنسان من يمتلك إرادة وحرية الاختيار. وانتشار محتويات معينة دون غيرها يعطي فكرة عن الأذواق والأفكار والتوجهات، فإذا كانت المقاطع التافهة هي الرائجة في وسط معين فإن محتويات ذات حمولة قيمية وإبداعية وعلمية تكون أكثر رواجا في مجموعات أخرى، فكل يغني على ليلاه.
تعليقات الزوار ( 0 )