لم يصدر عن الحكومة المغربية حتى الآن أي رد فعل على قرار البرلمان الأوروبي إدانة المغرب في ملف حقوق الإنسان. ويبدو أن هذا الصمت قد يكون ناتجا عن مباحثات غير معلنة تشرح فيها الرباط موقفها للتخفيف من التوتر نظرا لوزن أوروبا بالنسبة للمغرب سياسيا واقتصاديا.
وفي قرار استثنائي، أدان البرلمان الأوروبي، الخميس الماضي، المغرب بسبب التضييق على الحريات الصحافية، وحقوق الإنسان عموما ومنها ملف معتقلي حراك الريف. كما طلب من الدول الأوروبية عدم بيع برامج التجسس للمغرب.
خلف هذا القرار ردود فعل من بعض الهيئات المغربية غير الرسمية، فيما جاء الموقف شبه الرسمي من البرلمان المغربي، أمس الإثنين، والذي تجلى في “إعادة النظر” في العلاقات مع المؤسسة التشريعية الأوروبية. في الوقت ذاته، ارتفعت أصوات داخل المغرب مثل الجمعية المغربية لحقوق الإنسان وفيدرالية اليسار تطالب بتصحيح أوضاع حقوق الإنسان في المغرب لتفادي الانتقادات الخارجية.
ويبقى المثير هو صمت الدولة المغربية وخاصة وزارة الخارجية، التي لم تعرب وبعد مرور أسبوع عن أي موقف تجاه البرلمان الأوروبي. وقالت مصادر من الاتحاد الأوروبي لـ”القدس العربي” إن المغرب لم يبعث بأي موقف رسمي خاصة عبر سفارته المعتمدة لدى الاتحاد الأوروبي. ولم تستبعد هذه المصادر وجود مباحثات غير معلنة بين المغرب والمفوضية الأوروبية المكلفة بالسياسة الخارجية والأمن.
وتميل دبلوماسية الرباط إلى التريث في هذا الملف، ويوجد إدراك لديها أن قرار البرلمان الأوروبي حظي بمصادقة غير مباشرة من مختلف الحكومات الأوروبية وكذلك المفوضية الأوروبية، خاصة وأن نسبة التصويت بلغت 356 مقابل 32 صوتا معارضا فقط. في هذا الصدد، لم تبادر أي حكومة أوروبية لرفض القرار أو التحفظ عليه، بينما قال رئيس حكومة إسبانيا بيدرو سانشيز إن بلاده رفضت بعض عناصر القرار وليس القرار كاملا. تصريح المسؤول الإسباني يؤكد أن الفرق البرلمانية التي صوتت على القرار توصلت بضوء أخضر من الحكومات الأوروبية، لاسيما وأن الأمر يتعلق بأول قرار حقوقي حول المغرب منذ قرابة 25 سنة.
في الوقت ذاته، يدرك المغرب القبول “غير المعلن عنه” للمفوضية الأوروبية لقرار البرلمان الأوروبي. علاقة بهذا، لم يصدر أي تصريح من أي مفوض أوروبي يتحفظ على القرار. وكانت تصريحات المفوض الأوروبي المكلف بالسياسة الخارجية والأمن، جوزيب بوريل، دالة للغاية خلال زيارته إلى الرباط منذ ثلاثة أسابيع عندما قال، في مؤتمر صحافي مشترك مع وزير الخارجية المغربي ناصر بوريطة، إن “الشراكة الأوروبية المغربية لا تستند فقط إلى المصالح بل كذلك الى القيم “. وكان تلميح بوريل صريحا بشأن ملف حقوق الإنسان.
وتؤكد مصادر دبلوماسية لـ”القدس العربي” أن بوريل فاتح المغرب في ملف حقوق الإنسان وطالب الرباط بإيجاد حل لبعض الملفات، وهي الملفات التي أثارتها الأمم المتحدة ووزارة الخارجية الأمريكية.
كما بحث بوريل مزاعم تورط المغرب في تقديم رشاوى لبعض أعضاء البرلمان. وحول النقطة الأخيرة، أكد بوريل أنه بحث مع بوريطة هذا الملف قائلا “مزاعم الفساد ضد بعض أعضاء البرلمان الأوروبي التي أبدوا معها قلقا واضحا… الأحداث مقلقة والاتهامات خطيرة ولن يكون هناك تسامح مع الفساد، ويجب انتظار نتائج التحقيق الجاري من قبل الجهات القضائية”.
وضمن العوامل الأخرى التي دفعت الرباط إلى التريث هو القمة المغربية- الإسبانية على مستوى رئيسي حكومتي البلدين، عزيز أخنوش وبيدرو سانشيز، الأسبوع المقبل، ذلك أن أي رد فعل قوي ضد الاتحاد الأوروبي سيحكم على القمة بالفشل. كما أنها تتريث بحكم الوزن الجيوسياسي للاتحاد الأوروبي في السياسة المغربية، فهو أول شريك اقتصادي وسياسي ومستثمر ومانح للمساعدات للمغرب، ولا يمكن تعويضه بسهولة أو الدخول في أزمة مفتوحة مع مؤسساته، رسميا في وقت يسعى المغرب الى الحصول على دعم أوروبي لمقترح الحكم الذاتي في نزاع الصحراء.
(القدس العربي)
تعليقات الزوار ( 0 )