عُرف الإمام محمد بن إسماعيل البخاري بالنبوغ والتميز في الصناعة الحديثية، وأبدع في ذلك من خلال المصنفات العديدة، أهمها التاريخ الكبير والأدب المفرد وغيرهما، ويكفيه أن يؤلف التاريخ الكبير لينال الإمامة في علم الحديث.
لم تكن عنايته بالرجال والمتون لتقف عند حد التاريخ الكبير والأوسط والضعفاء والأدب المفرد، بل تجاوز ذلك لتطبيق مكنته الحديثية في إنتاج أعظم كتاب حديثي عبر التاريخ، وهو الجامع الصحيح، وذلك وفق منهجية لم يسفر عن معالمها في مقدمة منهجية، بل أسفر عن بعض ذلك في عنوان طويل جامع، وهو “الجامع المسند الصحيح المختصر من أمور رسول الله صلى الله عليه وسلم وسننه وأيامه”، وقد وُفّق غاية التوفيق في اختصار منهجه في هذا العنوان البديع.
وبقي الجامع الصحيح تحت أنظار العلماء رواية وسماعا وإجازة وتحقيقا وتنقيدا، وقفوا عند أسانيده ورجاله وألفاظه وتراجمه ورواياته وطرائق وصوله إلى كل مصر مصر، وكأن العلماء بهذه الطريقة كانوا يعقدون محاكم تفتيش لهذا الكتاب العظيم، حتى وصل الأمر إلى عهد الإمام النووي (ت:676هـ) الذي نحت العبارة الشهيرة: (أصح الكتب بعد كتاب الله)، ولعله أول من قالها، وقبله قال المحدث الموسوعي ابن الصلاح الشهرزوري (ت:643هـ) عبارة مشابهة، لكن اللفظ للنووي.
بعد ذلك، جاء المنتقدون والمنتقصون، منهم الشيعة الغلاة، مع ما لديهم من حوزات ومشايخ وعلماء، ثم جاء مَن بعدهم يكرر الصدى، فجاء أبو رية ومحمد شحرور ومصطفى بوهندي وخديجة بطار وغيرهم، فذهبوا أدراج الرياح وبقي الجامع الصحيح صحيحا في جملته شامخا في فوائده وفرائده.
ثم بعد ذلك جاء كاتب من مراكش يدعى رشيد أيلال، توهم أنه يملك القدرة على أن يأتي بالضربة القاضية على الجامع الصحيح، فألف كتيبا بعنوان: صحيح البخاري .. نهاية أسطورة. واهتبل به كثير ممن لا علاقة له بالعلوم الشرعية، ومنهم خصوم الدين الذين يعلون من شأن كل منتقص من الدين ورموزه وشعائره، مع أن الرجل ضعيف جدا جدا، إضافة إلى أن جهده في الكتيب لا يتجاوز القص واللصق، وقد فضح سرقاته في إبانها صديقنا الدكتور إدريس الكنبوري.
لم ييأس الرجل من نشر سخافاته “الفكرية”، وبما أنه لا يقوى على التأليف والكتابة، فقد عمد إلى مكرور الكلام في قناته على اليوتيوب، وأصيب بالإسهال في ذلك، لدرجة أنه صار ينشر سبعة أشرطة في اليوم أو أكثر، ويسوّق نفسه باعتباره مجددا وتنويريا، ويصرح بأن هدفه هو نسف التراث الإسلامي.
والمجدد والتنويري عادة لا يكون مصابا بالإسهال في النشر كإسهال محمد شحرور، أو كالإسهال الحاد لرشيد أيلال، لأن التجديد والتنوير يقتضي إخضاع جزئية فكرية واحدة إلى مجهر البحث والتحقيق والتصحيح والتضعيف والتنقيد، وهذا ما يتطلب جهدا مضنيا في البحث والتنقيب، إضافة إلى إعمال الفكر، كل هذا بعد أن يكون هذا المجدد أو التنويري قد تضلع من العلوم والمعارف وامتلك أزِمَّتها، وهذه المقومات غير متحققة في كاتب مراكش هذا، فلا هو يعطي للجزئية الفكرية حقها، ولا هو ممن تضلع من العلوم، لدرجة أن أخطاءه الألفبائية تكشف هزاله ووهنه، وما اضطررنا للكتابة عنه إلا لصيانة العامة من تمويهاته، وقديما قيل: لكل ساقطة لاقطة، أما غير العامة فلهم من المناعة ما يحميهم من عدواه.
نشر مؤخرا هذا الكاتب المراكشي أشرطة على قناته، سأتوقف عند بعض ما جاء فيها:
أولا: نشر قبل أيام شريطا بعنوان “من سرقات البخاري الكبرى”، توقف فيه مليا عند الحديث الذي رواه إمام الأئمة محمد بن إسماعيل البخاري حول بدء الوحي، وفيه أن النبي صلى الله عليه وسلم سمع: اقرأ، فقال: ما أنا بقارئ، مع تكرار هذه العبارة.
ادعى الكاتب المراكشي رشيد أيلال أن البخاري سرق هذا من كتاب الاعترافات للقديس أوغسطين، بل ادعى أن البخاري بريء من ذلك، والسارق الحقيقي هو الذي كتب الجامع الصحيح ونسبه إلى البخاري. وقال بأن القديس أوغسطين كان يسرد نفسيته وحالته وكيف بدأ يعيش حالة الخلاء، وفي لحظة بدأ يسمع صوتا يقول له: اقرأ، ثم قال: “نعم، هذا ظهر قبل ظهور الرسول [قلت: صلى الله عليه وآله وسلم] بمائة سنة، وكان يسمع صوتا يقول له اقرأ، وقرأ مقطعا من الكتاب”.
ولنا على هذا الكلام تعليقات تدل على ضعف أيلال:
أ – لم يثبت عن المسلمين الشرقيين من العجم (كالبخاري والفربري والنسفي) أن تعرفوا على كتب أوغسطين الذي كان يدور في فلك البحر المتوسط، لأنه من سوق أهراس بالجزائر، وكان على صلة بالكاثوليك في نابولي وغيرها.
ب – من المستبعد جدا أن يكون كاتب صحيح البخاري [مجاراة للمراكشي] متأثرا بكتاب أوغسطين، لأن كاتب صحيح البخاري موحد منزه لله تعالى، وكتاب أوغسطين مليء بالشرك والحلول والاتحاد وغيرها من الموبقات العقدية التي يرمي بها المسلمون في أقرب قارعة طريق، ويكفي أن نقرأ قوله واصفا الله تعالى وتقدس: “أيها الثالوث الأَوْحَدي، أيتها الأحدية الثالوثية”، فهل يعقل أن ينفتح الإمام البخاري أو كاتب الجامع الصحيح على كتاب كهذا، ويضم بين جنبات الجامع كتاب الإيمان، وكتاب التوحيد، وكتاب الاعتصام بالكتاب والسنة؟ أم أن الغباوة تردي بصاحبها؟
ج – في العرب الشرق أوسطيين نصارى كثر، ومنهم أقباط مصر، وهم الأكثر قربا ومعرفة واطلاعا على أوغسطين وتراثه، وفي نفس الوقت، لهم معرفة كبيرة بالإسلام، ويعرفون جيدا قصة “اقرأ”، ومع ذلك، لم يجرؤ أحد منهم على ادعاء السرقة، لأنهم – ببساطة –عقلاء.
كل هذه الاعتبارات تدل على ضعف الكاتب رشيد أيلال المراكشي وتهوره في الدعاوى الباطلة، والآن، ننتقل إلى سرد بعض الاعتبارات الدالة على تناقضه، يتجلى ذلك في:
أ – كثيرا ما ارتكز في محاولاته الطعن في البخاري (كاتبا وكتابا) إلى أن الجامع الصحيح لا توجد له نسخة خطية بخط الإمام المصنِّف، ويعتبر هذا النقد من أهم ما يطعن في وثوقية الكتاب.
لنطبق منهج أيلال المراكشي إن كان له منهج: بما أن عدم وجود نسخة خطية من صحيح البخاري بخطه يطعن في الكتاب ولا يجوز الاعتماد عليه، فهل اطلع أيلال على النسخة الخطية لكتاب الاعترافات للقديس أوغسطين؟ وهل توجد الآن في مكتبة من مكتبات العالم نسخة خطية عتيقة لهذا الكتاب؟ وهل توجد نسخة خطية بخط القديس أوغسطين الذي عاش في القرن الرابع الميلادي؟
إذا وُجدت نسخة من الكتاب بخط مؤلفها وتأكدنا من ذلك، فيمكن أن نعتمد عليها ونثبت سرقة البخاري كما أثبت الكنبوري سرقة رشيد أيلال، وإذا لم توجد نسخة بخط المؤلف، وجب رمي كلام أيلال عرض الحائط التزاما بمنهجه الذي ارتضاه وتبناه.
ب – من عادة علماء الحديث أن يضبطوا رحلات المصنفات من منطقة إلى أخرى، فتجدهم يضبطون سند الأندلسيين لكل مصنف على حدة، وسند المصريين أو القيروانيين أو غيرهم، وكل منطقة تحتفظ بسندها الموثوق الذي يربطها بصحيح البخاري، وذلك عن طريق الرحلة العلمية التي كان يباشرها المحدثون، فهل يمكن لأيلال أن يبين لنا سند البخاريين وعامة أهل ما وراء البحر لكتاب الاعترافات لأوغسطين، وكيف انتقل إلى تلك المنطقة، وكيف رواه أهلها ثم تلقاه عنهم كاتب صحيح البخاري؟
إن الرجل يطلق الكلام على عواهنه ظنا منه أن الناس إبانئذ كانوا يتلقون الكتب كما يتلقاها هو الآن مطبوعة أو محمَّلة بصيغة البي دي إف.
ج – حين ادعى أيلال المراكشي أن كاتب صحيح البخاري سرق هذا الحديث من كتاب أوغسطين، لم يدر أنه يكشف عن جهله ويفضح نفسه، لأن أبسط عاقل يسمع كلامه يفهم منه أن البخاري أو كاتب صحيح البخاري هو أول من ذكر هذا الحديث نقلا عن أوغسطين، في حين أنه رواه قبل البخاري عدد من المحدثين، منهم عبد الرزاق الصنعاني في المصنف، وابن هشام في السيرة، وسعيد بن منصور في سننه، والإمام أحمد في المسند، وإسحاق بن راهويه في المسند، والأزرقي في أخبار مكة، وغيرهم.
فإذا كان البخاري سارقا من أوغسطين، فمن أين سرق هؤلاء الذين كانوا قبله؟ هل كلهم سرقوا من أوغسطين؟ أم أن أقدمهم سرق من أوغسطين لكن أيلال لم يكتشفه لضعفه وجهله؟ أم أنه يعرف السارق الأصلي ولكنه يلصق ذلك بالبخاري لأن الموضة تفرض ذلك؟ أم أن القصة حقيقية للنبي صلى الله عليه وسلم روتها زوجته أم المومنين، وروى عنها ذلك قريبها وأقرب الناس إليها ثم تتابع ذلك إلى أن بلغ بالسند المتصل إلى هؤلاء المصنفين؟
وبعد بيان ضعفه وتناقضه، نرجع إلى نص أوغسطين في اعترافاته، وقد حاول أيلال أن يقرأه مع بعض التحريف، وأضاف إليه بعض البهارات لتسعفه في إثبات السرقة، حيث ذكر أن أوغسطين سمع ذلك الكلام حين “بدأ يعيش في حالة الخلاء”، ولم يكن له من هدف لهذه الزيادة/البهارة إلا ليطابق ما ورد في الحديث أن النبي صلى الله عليه وسلم حبب إليه الخلاء، أما المقطع الذي وردت فيه حادثة أوغسطين فلا ذكر فيها للخلاء، ولم تدل عليه لا من قريب ولا من بعيد.
قال أوغسطين في ص: 255 من الاعترافات: “كنت أقول هذا الكلام وكنت أبكي بسبب انسحاق قلبي المرير، ها أنذا أسمع من المنزل المجاور صوت صبي أو صبية، لست أدري، يغني مرددا: خذ، اقرأ، خذ، اقرأ. وعلى الفور، حاولت أن أتذكر بكل اهتمام وقد تغير وجهي: هل ما سمعته غناء من غناء الصبيان كانوا عادة يرددونه في بعض ألعابهم، لا أتذكر البتة أني سمعت شيئا من هذا القبيل، وبعد أن كبحت جماح دموعي، رأيت أني لم أتلق أمرا إلهيا آخر غير أن أفتح الكتاب، وأن أقرأ أول باب أجده فيه”، ثم أحال على حادثة وقعت لأنطونيوس أثناء قراءته للإنجيل.
لو عرضنا هذا الكلام على أي خبير قانوني للبحث عن سرقة البخاري ومحاكمته لما وجد لذلك سبيلا، سوى كلمة: اقرأ، وكأن هذه الكلمة لا وجود لها في اللغة ولا في العالم إلا مع أوغسطين، ولعل رشيد أيلال سيطلع علينا لا حقا ليبين لنا أن القرآن سرق من أوغسطين أيضا، لأنه قال: “يا يحيى خذ الكتاب بقوة”، وأوغسطين سمع: “خذ، اقرأ”، وهكذا صار أوغسطين أول من اكتشف تقنية التحفيظ اللغوي، فحفّظ كلمة اقرأ، وكلمة خذ.
ثانيا: لرشيد أيلال شريط آخر أصدره قبل يومين بعنوان “الحقيقة التي لا يريدونكم أن تعرفوها”، وهو شريط للطعن في صحيح البخاري أيضا، لكنه طعن فيه من زاوية تعدد نسخه، فقال: “تعدد النسخ من الضربات القاصمة الموجهة لصحيح البخاري … يقول ابن حجر: قال أبو الوليد الباجي ومما يدل على صحة هذا القول أن رواية أبي إسحاق المستَمَلِّى [وهو من تلاميذ البخاري] ورواية أبي محمد السرْخَسي [وهو أيضا تلميذ البخاري] ورواية أبي الهيثم الكَشْمِهِينى ورواية أبي زيد المروزي [وكل هؤلاء يعني المروزي هو تلميذ للفربري] مختلفة بالتقديم والتأخير مع إنهم انتسخوا من أصل واحد [يعني أن كلهم انتسخوا من صحيح البخاري الذي خطّه الإمام البخاري بخط يده وهو غير موجود طبعا، ولكن جاءت، ماذا وقع، انتسخوا من أصل واحد ولكن روايتهم جاءت مختلفة، مختلفة بالتقديم والتأخير مع أنهم جميعا انتسخوا من أصل واحد] وإنما ذلك بحسب ما قدر كل واحد منهم فيما كان في طرة أو رقعة مضافة أنه من موضع ما فأضافه إليه، ويبين ذلك أنك تجد ترجمتين وأكثر من ذلك متصلة ليس بينها أحاديث، قال الباجى وإنما أوردت هذا هنا لما عنى به أهل بلدنا من طلب معنى يجمع بين الترجمة والحديث الذي يليها وتكلفهم من ذلك من تعسف التأويل ما لا يسوغ”.
هنا نقف مع المفكر والكاتب رشيد أيلال المراكشي في أسطر قليلات لنبين جهله بالألفباء، وما وضعته بين معقوفات هو كلام أيلال، أدرجه ليفسر به مقولة الإمام أبي الوليد الباجي.
أ – ادعاء أن تعدد النسخ ضربة قاصمة لصحيح البخاري، مجرد كلام للتهويل والتهويش، فتعدد النسخ كان منذ قرون، وعلماء الإسلام على دراية بذلك، وغالب كتب التراث لها نسختان أو أكثر، بل حتى القصائد رويت بتعدد الألفاظ وبالتالي تعدد النسخ، والأمر في غاية البساطة.
ب – المحدث أو الكاتب كان يسود كتابه ويبيضه ويتعاهده ويزيد وينقص منه، وقد يأخذ أحد التلاميذ عن المؤلف كتابه ويأتي تلميذ آخر بعده ويأخذ نفس الكتاب بزيادة أو بنقصان، وهذا الاختلاف لا يمكن أن يكون سببا للطعن في الرواة.
وتعدد نسخ صحيح البخاري ليس مقتصرا عليه فحسب، بل نجد ذلك في صحيح مسلم وفي سنن أبي داود، ويحضر بقوة في جامع الترمذي.
ج – هذه القضايا ذات الصلة بتعدد النسخ لا يمكن أن يدركها إلا الخبير بالتراث وظروف الكتب والكتاب والنساخ والمؤلفين في العهود السالفة، ورشيد أيلال لا يستطيع أن يقرأ أسماء الأعلام قراءة سليمة، فكيف يستطيع أن يدرك ويفهم هذه الإشكالات؟
د – قرأ أيلال اسم أبي إسحاق المستمَلِّي، بفتح الميم الثانية وتشديد اللام، وهذه أول مرة في التاريخ يقرأ فيها أحدٌ اسمَ هذا العَلم بهذه الطريقة، والصواب أن اسمه “المستَمْلي”، اسم فاعل من الاستملاء.
وذكر أن المستملي من تلاميذ البخاري، وهذا خطأ، لأنه تلميذ الفربري تلميذ البخاري.
وذكر اسم السَّرْخسي، ونطقه بسكون الراء، وهذا خطأ، والصواب بفتحها: السَّرَخْسي، نسبةً إلى سرَخس، بين مرو ونيسابور.
وذكر أن السرخسي تلميذ البخاري، والصواب أنه تلميذ الفربري تلميذ البخاري.
وذكر اسم الكشْمِيهيني، ونطقه بفتح الكاف وسكون الشين، وهذا خطأ، والصواب: “الكُشْميهَني”، بضم الكاف وفتح الهاء، نسبة إلى قرية من قرى مرو.
ثم ادعى أن الأربعة المذكورين انتسخوا الجامع الصحيح من أصل واحد هو الذي خطّه البخاري بخط يده، والصواب أنهم لم يطلعوا على نسخة الإمام التي خطها بيده، ولم يرَوها، وإنما كانوا تلاميذ الفربري، وعلى نسخته اعتمدوا.
بناء على ما سبق، ندرك أننا أمام شخص لا يتقن أسماء رواة الجامع الصحيح الذي تخصص فيه لإنهاء أسطورته، ولا يميز بين تلاميذ البخاري وتلاميذ تلامذته، ولا يعرف النسخة التي اعتمد عليها أولئك الرواة، ومع ذلك، فإنه يدعي التجديد والاجتهاد والتنوير، إلا الوقاحة أعيت من يداويها.
هـ – بعد هذا الكلام غير العلمي حول نسخ الجامع الصحيح، نقل عن أبي رية بعد أن وصفه بالمفكر، أن نسخة الفربري تزيد على نسخة النسفي بمائتي حديث، وهنا يتساءل عن هذا الكم الهائل من الأحاديث التي تختلف فيه نسخ الجامع الصحيح.
والجواب عن هذا بسيط للغاية، وهو أن أبا رية ليس مفكرا، وليس محدثا، وحشر نفسه في حقل معرفي دقيق بدون زاد، أما نسختا الفربري والنسفي فليستا متفاوتتين في الأحاديث بعشرة أو عشرين أو مائة أو مائتين، ولكن الفرق بينهما هو طريقة تلقي صاحبيهما عن الإمام المصنف، فالفربري تلقى الجامع الصحيح كاملا سماعا عن البخاري، والنسفي تلقى جُلّه سماعا، وتلقى باقيه إجازة، قال ابن حجر عن النسفي: “وفاته منه قطعة من آخره رواها بالإجازة”، وأبو رية لجهله لا يميز بين السماع والإجازة، فظن أن نسخة النسفي ناقصة عن نسخة الفربري، وجاء أيلال في آخر المطاف يكرر الصدى، ويدعي الاختلاف في عدد الأحاديث بين الرواة، إن هي إلا أضغاث أحلام.
هذا الجهل الفظيع، وهذا الاضطراب والتناقض في المنهج، يجعلنا أمام “فقاعة” تتمايل في فضاء وسائل التواصل، لن تمكث أبدا، وستنتهي كما انتهى أبو رية وبوهندي وخديجة بطار، وسيبقى الجامع الصحيح بإذن الله، “فأما الزبد فيذهب جفاء، وأما ما ينفع الناس فيمكث في الأرض” صدق الله العظيم.
تعليقات الزوار ( 0 )