كان الجو مشمسا هذا الصباح عندما ركبت السيارة، فاتجهت بها صوب واشنطن العاصمة، والانطلاقة كانت من منزلي الذي يوجد في مدينة وودبريدج بولاية فرجينيا على بعد 27 كيلومترا من العاصمة.
بدت الطريق في وقت الذروة شبه خالية على غير المعتاد، أسعار الوقود في محطاته على جنبات الطريق كما تظهر في اللوحات الالكترونية، كلها تحت عتبة دولارين للغالون الواحد، وهي أثمنة لم تلامسها منذ سنين طويلة. هالني منظر الطريق السيّار 395 فور ولوجي له، خفّت زحمة المرور فيه بشكل مهول، نفس الطريق كنت أحتاج فيه لأكثر من ساعة كي أصل الى العاصمة واشنطن، أمّا الآن، فيبدو أنني سأصل الى هناك في غضون عشرون دقيقة.
على مشارف العاصمة واشنطن، تبدو مدينة أرلينغتون هادئة، لم تصل بعد إلى مستوى مدن الأشباح، فحركة السير موجودة، لكن، بوتيرة أقل من المعتاد، الأسواق الكبرى كوول فود، هاريس تيتر، جايانت.. تعرف حركة دؤوبة للزبناء أقل بقليل من المعتاد، وقليل جدا من هؤلاء الزبناء من يضع قناعًا في وجهه. أما المطاعم الكبرى والحانات، فقد تم إغلاقها منذ مدّة، في حين مازالت المطاعم والمقاهي الصغيرة تقدم خدماتها للزبناء، مقاهي ومطاعم ستاربكس، ماكدونالدز، طاكو بيل.. المتخصصة كلها في تقديم القهوة والوجبات السريعة، لم يعد أغلبها يستقبل الزبناء داخلها، بل اقتصرت خدمتهم فيها على النوافذ الجانبية للخدمة السريعة.
فور تجاوزي لقنطرة ثيودور روزڤلت على نهر بوطوماك الذي يربط أرلينغتون بالعاصمة واشنطن، اكتشفت مدينة أبعد بكثير من العاصمة الصاخبة المزدحمة المألوفة لدي، حيث تأثرت كثيرا بسبب ظروف هذه المرحلة الإستثنائية. خفّت وثيرة الازدحام، وضعت المتاريس وحواجز الشرطة في مختلف الممرات المؤدية الى الحدائق والمنتزهات التي تمثل القلب النابض للمدينة والموجودة على طول الساحة بين مبنى تمثال أبراهام لنكولن ومبنى الكابيتول خالية تماما، شأنها شأن المتاحف العديدة التي تشتهر بها المدينة. أما باقي المنتزهات الأخرى في أطراف المدينة، فبدت المدينة هي الأخرى فارغة وكئيبة.
يبدو أن الأخبار القادمة من ولاية نيويورك التي تمثل بؤرة المرض في الولايات المتحدة، جعلت الناس هنا في واشنطن وفرجينيا الأقل تضررا لحدّ الساعة من الوباء، يأخذون الأمر بجدية من تلقاء أنفسهم، فبدؤوا يطبقون الحجر الصحّي الطوعي في غياب أية أوامر عليا لتطبيقه بصفة عامة وبشكل قسري، وهو الأمر الذي الذي يتجه الى تطبيقه حاكم ولاية فرجينيا رالف نورثام، الذي أعلن قبل قليل دخول الأمر التنفيذي للبقاء في المنازل حيّز التنفيذ منذ اللحظة حتى العاشر من يونيو المقبل، ما لم يتم إلغاؤه أو تعديله لظروف مستجدّة.
الأمر التنفيذي الذي يحمل الرقم 55، قيّد الخروج من المنازل بشروط صارمة، لكنّه لم يمنع خروج المواطنين من إستئناف عملهم! وهو ما يجعل هذا الأمر التنفيذي لم يصل بعد الى مستوى الحجر الصحّي الصارم.
في الحقيقة مقال رائع أستوفى كل شروط الوصف الدقيق للحالة العامة في واشنطن …دمت متألقا كالعادة يا صديقي