Share
  • Link copied

رسالة إلى الشباب المغربي بمناسبة ذكرى 20 يونيو 1981

تحل اليوم الذكرى 39 لأحداث 20 يونيو 1981، و بلادنا تستعد للخروج من محنة الجائحة و من الظروف القاسية التي نمر بها جميعا، أفردا و جماعات، و قرى ومدنا.
و إذا كانت الخطوة الأولى المهمة و الممهدة للخروج من أزمات الجائحة تقتضي الاستقرار و الأمن و الأمان والوحدة الوطنية، و التضامن، و التكافل ، فإن تحصين هذه الخطوة المهمة، و تأمينها لن يتم دون ترسيخ احترام القانون والمؤسسات، و الكف عن أي إساءة سهمها موجه للوطن و رموزه المؤسساتية والدستورية.
من هنا، و انطلاقا من هذه الرؤية المستقبلية ندعوكم جميعا، و من دون تردد، إلى الاستعداد للمزيد من التضحية و العمل لتحقيق التغيير المنشود الذي ناضل من أجله الشباب المغربي، قبل يوم 20 يونيو 1981، و أثناءه و بعده أيضا، و مازال يناضل و يبذل الغالي و النفيس في سبيل ازدهار ونمو وتقدم الوطن.

أيها الشباب المغربي المحترم:
إن الهدف من هذه الرسالة، الموجهة إليكم، ليس البكاء على ماض فات، و لا على الضحايا و الحنين إلى طلل الأمجاد، بل هدف الرسالة نداء من أجل غد أفضل، لإنقاد الحاضر و المستقبل، و من أجل العمل على توفير شروط الإخلاص إليهما ، بعد التفكير الطويل ، الهادئ، و الواعي و الرصين القادر على التجديد و تحديد الموقف من معركة الإنقاذ في سبيل أمة الشباب المغربي.

أيها الشباب المغربي المحترم:
لقد دقت ساعة استرداد الحق المسلوب، و الحرية الضائعة، والأمجاد الرفيعة، والقيم الفضلى، من أجل مغربكم المعاصر و مغرب المستقبل.
طبعا، إن التاريخ يا شباب مغربنا هو ذاكرة الأمم والشعوب. وقبل هذه الذكرى الحزينة، كانت قد حلت الذكرى 55 لأحداث 23 مارس 1965، والتي راح ضحيتها هي الأخرى مئات الضحايا، من شباب مغربنا المناضل.
و ما استحضار الحدثين معا إلا تعبير عن إيماننا العميق بذاكرة الشعب الجمعية، بزخم أحداثها وقيمها وأنماط تفكيرها، وضوابط سلوكها الفردي والجماعي.

أيها الشباب المغربي المحترم:
قد تختلف ردود أفعال المغاربة تجاه هذه الذكريات المؤلمة و المتسلسلة، لكن ما يجب أن يتوحد حوله الجميع هو فهم “حركة التاريخ” سيرورة و صيرورة، وما لهما من تأثير في حركات التغيير السياسي والاجتماعي والثقافي، بعيدا عن خطاب الثأر و الموت والعدمية المقيتة والنبش في أغوار الجراح التي غدت وشاما في جسد ذاكرتنا الجمعية، لم ولن تندمل.

يا شباب المغرب الجديد،
إن فهم “حركة التاريخ” ، ينقذنا من آفة اجترار أخطاء الماضي، و يقودنا إلى الإبداع من أجل الارتقاء بمضمون الحياة، وتحرير شباب اليوم و الغد من مختلف مظاهر القهر والظلم والاستبداد والفقر.

أيها الشباب المغربي المحترم:
طبعا، إن مرحلة الشباب فرصة ذهبية لا تعوض، ومسؤولية جسيمة و كبرى باعتبارها قطعة عضوية من مسار التغيرات الفسيولوجية والنفسية والأخلاقية، بل هي هوية مركبة، متميزة، معقدة، ومتعددة بتنشئتها الاجتماعية وبانتماءاتها الثقافية وإكراهاتها الاجتماعية و أصولها الطبقية و رموزها وعاداتها وأساطيرها وطقوسها وتجاربها ومكانتها في البنية الاجتماعية كفئة اجتماعية مخصوصة . و كل هذه الخصائص تجعل الشباب بمثابة عصب الحياة، و ثروة البلاد، و ربيعها الأخضر المزهر، و الحيوي، الذي تتمحور حوله وظيفة رئيسية، لخلق الفارق في جسد المجتمع، إما عن طريق الإكتفاء بتقليد الأجيال السابقة أو إبداع تجارب جديدة بقواعد جديدة في حياة جديدة ومجتمع جديد و متجدد، قد يكون في ضعنا الحالي مجتمع التكنولوجيا وما بعدها بامتياز.

أيها الشباب المغربي المحترم:
إن أحداث 20 يونيو 1981 كانت أكثر من احتجاجات على الزيادات المرتفعة في أسعار مواد غذائية أساسية، لأنها كانت ضد مغرب أفرغ من محتواه التحرري ليسقط في أحضان الاستغلال الرأسمالي، عبر سياسات تم تحديدها وتنفيذها نتيجة تداعيات أزمة الرأسمالية التقليدية، وإضفاء الطابع الرسمي على التحولات السوسيو- اقتصادية التي ستكون حدثا فارقا بين الأمل من جهة، وبين الحلم الزائف والواقع المزري من جهة أخرى.
كانت هذه المحكة بداية مرحلة ابتلاع النخب والمثقفين، وتعميم البؤس الاجتماعي، وتكريس هيمنة المركز الواحد على مغاربة العالم القروي وسكان الجبل والواحات والسهول والسهوب وضواحي المدن ( مغاربة الحاشية السفلية)، وحرمانهم من الولوج إلى الخدمات العمومية الأساسية والبنيات التحتية.

أيها الشباب المغربي المحترم:
لقد شكلت 20 يونيو 1981 منذ ذلك الحين منعطفا جديدا في حياة النضال السياسي ببلادنا، تمثل في بروز جيل جديد من السياسيين طلق الوفاء بالعهد، و ارتمى في حضن سلطة جديدة خاضعة للسلطة التقليدية، تصنع الوهم وتعزز النزعة الفردانية والزبونية والوصولية، وتفرخ المنظمات والإطارات والجمعيات. مما ساهم في إرساء دعائم الهوة بين قوى التغيير المفترضة وعموم المواطنات والمواطنين، فكان أول ضحايا هذه الهوة، هم الشباب.

أيها الشباب المغربي المحترم :
لقد ساهم تعميم التعليم الجامعي في خلق حركة شبابية، متشبعة بثقافة الديمقراطية وحقوق الإنسان والمساواة، لكن محيط نشأتها السوسيو – سياسي حرمها من الاستقلالية، وفرض عليها سيطرته وصراعاته الداخلية، بل غرس في كينونتها العديد من التمثلات القديمة حول السلطة، وزرع فيها وهم الشرعية التاريخية وأدوات البيروقراطية.
ومع الأزمة الاقتصادية وفشل النموذج التنموي الاقتصادي والاجتماعي، أصيب الشباب بالاغتراب والهامشية وعدم القدرة على الإندماج في الحياة اليومية، حيث وجدوا أنفسهم في تناقض تام مع قيمهم وتطلعاتهم وتوقعاتهم القديمة التي نشأوا معها قبل وبعد 20 يونيو 1981، و كذا في حالة انفصام و شرخ شامل بين الذات والمجتمع.

أيها الشباب المغربي المحترم:
لا بد من استرجاع الحس الاجتماعي والتلاحم الشبابي، باعتباره شرطا ضروريا من أجل الخروج من وضعية الاستبعاد الاجتماعي، ومن الأزمة وحالة العجز القاتمة، واسترجاع الحق في المشاركة وممارستها بالعمل بدل السقوط في شراك الملل.
طبعا، يا شبابنا المغربي، هناك ثقل تاريخي يجب التخلص منه بالإبداع والفن والثقافة، وهو ما يتيحه اليوم مجتمع التكنولوجيا والمجتمع المعلوماتي، لكن يجب كذلك استرجاع الثقة في المشاريع الوطنية المحفزة على التعبير السياسي، بأشكال وأدوات جديدة، وعبر قنوات يمكنها أن تستوعب مطالب الشباب خارج عباءة السلطة ومظلتها، وخارج قيود السياسي التقليدي الذي يتفاوض على الشباب من أجل القضاء عليه، ويتاجر في فقره وفي أزمته وفي انهيار قوته، ويغرر به لكي لا يميز بين المنتصر والفاشل.

أيها الشباب المغربي المحترم:
إنكم تعلمون أن فقدان الهوية والاغتراب أدى بالشباب إلى الإحباط والفشل والتبعية للسياسي أو للدعوي الذي يختبئ في تاريخه، أو في سلطة الدولة، أو في الدين والأولياء، أو في القبيلة. وهو ما أدى ويؤدي إلى السقوط في فخ صناعة “النجوم الكرتونية الوهمية” التي تغري مجموعات كبيرة من الشباب للإرتماء في أحضان التطرف بسبب الاستثمار في وضعهم ومعاناتهم، وتشجيعهم على الكراهية والحقد، أو الارتماء في أحضان الفاسدين الذين يعتبرون الشباب سلعة، تباع و تشترى أو لذة مرحلية، و نزوة عابرة يتم المتاجرة بها و فيها، لا النضال من أجلها.

أيها الشباب المغربي المحترم:
إن الخصوم اليوم معروفون و واضحون بصورة لا تقبل الشك أو التجزيئ، فمن جهة هناك تناقض عالمي يحكم العالم اقتصاديا، وهناك طبقات متصارعة جعلتنا أمام أزمة جديدة، تنتج كل يوم أشكال عديدة من التفاوت الاجتماعي، تبعد شبابنا عن أفكاره الجميلة و تعيق أحلامه المشروعة، وتضع أمامه علاقات اجتماعية فاسدة تدفع به لفقدان الثقة في مطالبه المتعلقة بالعدل والحرية والمساواة في الحظوظ والعدالة الاجتماعية والمشاركة الفعلية.

أيها الشباب المغربي المحترم:
وفي ضوء ما سبق، نغتنم هذه الذكرى للترحم على أرواح الشهداء، ونتمنى أن ينعم شبابنا بالثمار الاقتصادية وما يترتب عنها من ثمار اجتماعية وثقافية. وهذا مطلب مشروع يليق بكم، وليس بمستحيل، لأنه مطلب واقعي يمكن أن يتحقق بعد مخاض جديد، يلعب فيه الشباب المواطن دور الفاعل وليس المفعول به أو فيه، بعيدا عن الرقابة الاجتماعية.
و نحن اليوم باستعادة هذه الذكرى النضالية، نتمنى أن يلعب الشباب دوره الأساسي في صناعة وإنتاج وتوجيه مشروع النموذج التنموي الجديد نحو تحقيق الرفاهية الاقتصادية والاجتماعية لعموم المواطنين، و إدماج الشباب العاطل في سوق الشغل، وتمكينهم من تكوين مستمر ذي جودة، وتقليص البطالة في أوساط الخريجين، والاستثمار في الرأسمال البشري عبر وضع التربية في صلب عملية التنمية، وتحقيق المناصفة بين الجنسين، والاستثمار في الرأسمال الاجتماعي والثقافي، واسترجاع الثقة في المؤسسات، والاستثمار في الصحة، والحماية الاجتماعية والبيئية والإيكولوجية.
كل الثقة في شباب المغرب الأبي من أجل أن نلج المستقبل بخطاب جديد وبممارسة جديدة تعكس هويته، واستقلاليته، وعقلانيته، في ظل تحولات تكنولوجية واقتصادية وثقافية وفكرية وقيمية.

Share
  • Link copied
المقال التالي