يحيي العالم اليوم السبت 11 من يوليوز، ذكرى مرور ربع قرن على واحدة من أفظع المجازر بحق الإنسانية الواقعة خلال القرن العشرين، ويتعلق الأمر بما بات يعرف بـ”مجزرة سربينتشا”، التي أودت بحياة 8 آلاف مسلم بوسني واختفاء آلاف آخرين، عندما هاجمت قوات تابعة لجيش صرب البوسنة بقيادة الجنرال العسكري الصربي راتكو ملاديتش، مخيما للمسلمين البوسنيين في منطقة سربينتشا المحمية آنذاك من الأمم المتحدة خلال حرب التطهير العرقية التي استمرت 3 سنوات ضد مسلمي البوسنة.
وارتكبت القوات الصربية بعد الاقتحام واحدة من أكبر جرائم الحرب في التاريخ المعاصر، حيث فصلت الرجال عن نسائهم وأطفالهم، وقامت بإعدام أكثر من 8000 رجل خلال ساعات وأخفت آلاف آخرين لم يعرف مصيرهم إلى الآن، واستمرت المجزرة عبر اغتصاب النساء أمام أعين أطفالهم.
التعليقات الدولية على ذكرى المجزرة:
وبعد مرور 25 سنة على المجزرة، ورغم المحاكمة الدولية الجارية في لاهاي ضد الجنرال الصربي، قالت صحيفة “الغارديان” إن العالم اليوم اعتاد على الفظائع ولم تعد عمليات القتل الجماعي الحالية في سوريا أو اليمن أو بورما (ميانمار) تتصدر الأخبار.
فيما صرح قادة مؤسسات الاتحاد الأوروبي، في بيان صدر أمس الجمعة إن الذكرى الـ 25 على مذبحة سربنيتشا، بمثابة تذكير مؤلم بفشل أوروبا في الوفاء بوعودها.
وفي البيان الذي صدر عن رئيس المجلس الأوروبي شارل ميشيل، ورئيسة المفوضية أورسولا فون دير لاين، والممثل الأعلى للأمن والسياسة الخارجية جوزيب بوريل بمناسبة الذكرى الـ 25 لمذبحة سربنيتشا، جدد قادة مؤسسات الاتحاد الأوروبي التزامهم العمل لدعم عملية المصالحة في البوسنة والهرسك ودول غرب البلقان.
وبدوره وصف وزير الخارجية التركي، مولود تشاووش أوغلو، مدينة “سربنيتشا” البوسنية بالمكان الذي تلقت في الكرامة الإنسانية جرحا غائرا.
جاء ذلك في تغريدة له عبر تويتر، اليوم السبت، وأفاد تشاووش أوغلو في تغريدته أن تركيا تقف إلى جانب أشقائها البوسنيين في الذكرى السنوية الـ 25 للمجزرة.
وذكر وزير الخارجية الألماني “هايكو ماس” إنه لا يوجد مكان آخر مثل سربنيتشا يرمز إلى الفظائع والجرائم ضد الإنسانية في دول يوغوسلافيا السابقة التي ارتكبت في تسعينيات القرن الماضي.
وقال الوزير الألماني إن قلوب وأفكار برلين مع ضحايا الإبادة الجماعية في سربنيتشا وأقاربهم، مضيفاً أن إحياء الذكرى يجب أن يكون حافزاً لاتباع مسار المصالحة وإعادة التقييم باستمرار.
الذكرى وجائحة كورونا:
وتميزت ذكرى السنة الحالية، بالإضافة إلى مرور ربع قرن، بتزامنها مع جائحة فيروس كرونا المستجد، فالبوسنة والهرسك، تحيي اليوم السبت، ذكرى سربنيتشا في ظل تفشي وباء (كوفيد19)، الذي لم يتسبب فقط في تغيير المراسم ولكن تسبب أيضاً في تأخير جلسات الاستئناف في محاكمة المتهم الرئيسي الجنرال راتكو مالديتش.
وخيّم وباء كورونا على “مسيرة السلام” التي تقام سنوياً في البلاد لإحياء ذكرى ضحايا مذبحة “سربنيتشا” وانطلقت مسيرة هذا العام، في منطقة “كرني فره” القريبة من مدينة زفورنيك البوسنية، بمشاركة محدودة، في إطار تدابير الوقاية من كورونا.
وكان مقررا أن تنطلق المسيرة من منطقة “نزوك ” إلا أن تسجيل إصابة بالفيروس أدى إلى تغيير المسار، ويعرف هذا الدرب بين البوسنيين بـ “طريق الموت” حيث استخدمه أهالي سربنيتشا عام 1995 للهرب من المذبحة، عبر الغابات.
مسلمو البوسنة وأحزاب اليمين الصربية:
ورغم حصول البوسنة والهرسك على استقلالها بعد تفكك يوغوسلافيا إلى دول عدة أواخر تسعينات القرن الماضي، إلا أن مسلمي البوسنة ما زالوا يخشون على حقوقهم وأنفسهم من وصول أحزاب اليمين المتشدد الصربية إلى الحكم في جارتهم وحليفة حكومتهم الأولى، فضلا عن بروز الأصوات العنصرية والمنددة بوجود المسلمين في شبه جزير البلقان.
ومن أبرز هذه الأصوات، الفائز بجائزة نوبل للأدب للعام الماضي، الأديب النمساوي بيتر هاندكه المعروف بتأييده التيار اليميني الصربي المتطرف منذ التسعينيات والمعروف أيضا بإنكاره مجزرة سربنيتشا، بل يتهمه خصومه بمشاركة الجنود الصرب احتفالاتهم بعد المذبحة.
ونقلت صحيفة واشنطن بوست الأميركية ردود فعل غاضبة على فوز هاندكه، الذي كان داعما لنظام “سلوبودان ميلوسوفيتش”، رئيس صربيا أثناء المجزرة والمؤسس لها، وطلب ميلوسوفيتش أن تتم الاستعانة ببيتر هاندكه شاهد دفاع خلال محاكمته، وبعد وفاته في زنزانته في لاهاي يوم 11 مارس 2006، قام هاندكه بتأبينه في خطاب باللغة الصربية يوم 18 مارس 2006 أمام آلاف من مشيعيه.
تعليقات الزوار ( 0 )