Share
  • Link copied

ديناصورات ولكنها لم تنقرض بعد !

الديناصورات و التيروصورات المجنحة من الكائنات الضخمة، وهي حيوانات زاحفة؛ صحيح أنها انقرضت قبل نحو 65 مليون سنة، إلا أنها قبل ذلك عاشت حوالي 160 مليون سنة تقريبا، وبعضها يفترض أن دورة الحياة عندها حوالي 200 سنة، وتضاربت الأراء حول سبب الانقراض وتناسلت نظريات وافتراضات أهمها؛ اصطدام الكويكب، والثورات البركانية، و الانجراف القاري،           و النبات السام، و الوباء، و سارقو البيض.

و لمن له شغف بالمعارف ذات البعد الغرائبي في المجال العلمي الرجوع لتفاصيل هذه الافتراضات العلمية، وما يقدمه العلم الحديث من تفسيرات حول انقراض هذه الكائنات الضخمة.

لكن الذي يهمنا نحن هنا هو تناول ديناصورات من نوع آخر، لم تنقرض بعد ولم تختفي من مشهد ومسرح الأحداث في مجتمعات الاستبداد العالم ثالثي، وهي ديناصورات عوالم السياسة والاقتصاد والمال والإعلام و العسكرية، هذه السحليات البشرية المرعبة التي تأتي على الأخضر واليابس، وتقذف بحمم الرعب على شعوبها، وتستولي بأجسامها الضخمة على المجال العام، ويعلوا صوتها على كل صوت، وتغطي صورتها على كل الصور.

إن المماثلة بين الديناصورات الحقيقية والديناصورات السياسية تستند إلى ما يجمع بينها من قواسم مشتركة، وصفات جامعة. وإن صح القول أن الكون يخضع لقوانين ضابطة لحركته، فكائنات هذا الكون تشترك في الخضوع لهذه القوانين، فهل في تنوع الديناصورات واختلافها من حيث الأحجام والصور والألوان، و نوع الغذاء، ودرجة الضرواة والشراسة ما يماثله في الديناصورات البشرية المستولية  والمتحكمة في حياة المجتمعات؟

من الديناصورات البشرية نوع متعطش للدماء إذا استولى على الحكم أوغل في الدماء، ووزع الناس بين المقابر والسجون، وحولوا أوطانهم إلى سجون كبيرة، وهذا النموذج تمثله الأنظمة العسكرية والبوليسية، وتكاد صفات هذا النوع تنطبق على التيرانوصور المرعب ذو الذراعين القصيرتين، المندفع بقوة للأرض، وذو الأسنان اللامعة التي تشبه السكين، والذيل اللحمي الغليظ الذي يضرب به الأرض، والمخالب القوية التي تخلف الأخاديد حيث ما مرت.

ومنها آكلة اللحوم ومنها آكلة النبات؛ وهذا النوع لا تترك ثروة إلا وزحفت عليها، وفي دول العالم الثالث يشتغل هذا النوع تحت بصر التيرانوصور، فتمتد قوتها لكل موضع ثروة باطنية فتستولي على المناجم والمقالع، والثروة النباتية فستولي على أجود الأراضي الزراعية،  وتهيمن على الثروة السمكية بعقود ريعية تحل لها ما هو محرم على غيرها، و تضع يدها على الثروة الحيوانية. وعموما فالديناصورات الاقتصادية هي وحوش متعطشة للربح، قابلة لتدمير كل ما يهدد مصالحها الاقتصادية.

وعلى عكس ضخامة الديناصورات وضرواتها، يحكى أن أصواتها لم تكن بمثل هذه القوة بل كان أصواتا أشبه بصوت البط و التماسيح، عكس ما تصوره السينما، أي أن صوتها أكثر تهذيبا، ولعل هذا ينطبق على الإعلام، ففي حين تدمر الديناصورات السياسية والاقتصادية والعسكرية كل شيء أتت عليه، فإن الديناصورات الاعلامية لا تصدر إلا صوتا خافتا، لا يعكس حقيقة هذا التدمير والإفساد السياسي والاقتصادي. وما يهم هذا النوع من الديناصورات البيوضة في الإعلام هو أن يأتيها رزقها إلى عشها وتبقى حاضنة لبيضها، على حساب الحقيقة.

وإذا حكم الله بالفناء على الديناصورات الطبيعية، فهل ستكون الديناصورات البشرية مع موعد الانقراض الحتمي أم إن قدرتها على المناورة ستؤجل وقوع القدر المحتوم؟

من قوة التجذر البنيوي للديناصورات البشرية فهي لا تفكر في إمكانية الانقراض، بل هي تجدد ذاتها بأساليب التوريث، وإعادة الإنتاج وتفريخ البيض و توليد نفس السلالة، ويكاد يكون كل تحليل يقول بقرب انقراضها ضربا من الخيال، لولا ما يكشفه التاريخ من حين لآخر، من إمكانيات الانقراض.

إن الديناصورات الحقيقة كما تقول الفرضيات انقرضت قبل 65 مليون سنة، وذلك بسبب من هذه الأسباب؛ اصطدام الكويكب، والثورات البركانية، و الانجراف القاري، و النبات السام، والوباء، و سارقو البيض.

وعلى هذا الأساس فديناصورات المال والسياسة والاقتصاد و الإعلام، تلزمها أسباب قوية مثل التي ذكرنا لكي تنقرض أو ينصلح حالها، و بالمماثلة فهي ولا شك ستنقرض إما باصطدام الكويكب؛ وما يمكن أن يخلفه هذا العامل الخارجي من تأثير على الداخل فتنهد عروشها التي تراهن على التوافق مع العالم الخارجي. وإما بالثورات البركانية؛ فتوالي قرون الظلم وتراكم الغضب والخذلال و القهر، يوشك التعجيل بثوران براكين الشعوب المقهورة. وإما بالانجراف القاري؛ يغذيه ما صنع المستعمر من مشاريع الانفصال في مستعمرات الديناصورات البشرية. وإما بالنبات السام؛ وهذا النبات السام يتناوله الأضعف في السلسلة فتعرف السلسلة كلها انقطاعات، تنتهي بفقدان القوي ما يفترسه فيموت، إن ما تسقيه الديناصورات القوية للسحليات والعضاءات الصغيرة سينهي حياتهما معا. وأما الوباء؛ ورغم صعوبة التسليم بوباء ينهي حياة الديناصورات المتفاوتة من حيث القوة والمرونة التي تمتاز بها، إلا أن الأوبئة السياسية والاقتصادية منفذ للتخلص من كثير من الديناصورات، ولو أن ذلك يؤدي لنشوء وظهور فصيلة جديدة. وأما سارقوا البيض؛ وهي نظرية تقضي بوجود حيوان قارض يتغذى على بيض الديناصورات ويتلفها مما يمنع تكاثرها، وعند الديناصورات البشرية يكون مثل هذا الافتراض غير ذي جدوى، اللهم إن كانت سرعة القارض أكبر من سرعة بيوضتها وتكاثرها.

لكن رغم الاحراج الذي يوضع فيه كل سبب من هذه الأسباب، والشكوك التي تحوم حولها، تبقى الحقيقة الساطعة هي أن الديناصورات إنقرضت.

Share
  • Link copied
المقال التالي