بين واحد في الولايات المتحدة الأمريكية يتابع عملية إنقاذٍ طفل وقع في بئر بنواحي شفشاون، وآخر متواجد في الصين يرجو الله أن يقف مع أسرة ريان، ويعيد ابنهم إليهم حيا، وثالث في السويد، اختلفت البلدان والأوقات وجمعتهم المتابعة المباشرة لوقائع إحدى أكبر عمليات الإنقاذ في تاريخ المغرب، لصغير يبلغ من العمر 5 سنين، وقع في بئر عميق.
حبس العالم أنفاسه لبضعة أيام أملا في حياة ريان. كان الطفل البالغ من العمر 5 سنوات قط سقط يوم الثلاثاء الماضي، في بئر ضيق السمك بطول يصل غلى 32 متر، ما جعل من إمكانية الدخول من الحفرة لإخراجه أمراً مستحيلاً، ودفع فرق الإنقاذ لمسابقة الزمن، من أجل حفر ما يشبه الخندق، بالموازاة مع مكان تواجد الصغير، للوصول إليه.
الإثارة والتشويق والأمل في بقاء الصغير على قيد الحياة، ازدادت مع الوقت، وعبرت الحدود المغربية، حيث انتهى الموضوع بالوصول إلى العالم بأسره. من مختلف البلدان سُلطت الأضواء على دوار إغران شمال المغرب. وصلت المشاعر إلى ذروتها مع تبقي بضع سنتمترات لإخراجه، يوم السبت، ورفعت الأيادي إلى السماء دعاءً وصلاةً لعيش ريان، غير أن الإنقاذ وصل بعد فوات الأوان.
لماذا تجاوزت “إنقاذ الريان” الحدود المغربية؟
جريدة “20munutes” الإسبانية، تساءلت عن عن سبب تجاوز صدى قضية ريان للحدود المغربية، حيث أوردت أن المعلومة في البداية، نشرت بطريقة تقليدية إلى حدّ ما؛ من خلال مواقع التواصل الاجتماعي ووسائل الإعلام المحلية، قبل أن يتم نقل الحدث بشكل مباشرة عبر شبكات التواصل الاجتماعي، التي شكلت طريقة جديدة ومؤثرة للحصول على المعلومة.
ولاحظت ستيفاني لوكاسيك، أستاذة باحثة في علوم المعلومات والاتصالات في جامعة لورين، تضيف اليومية، أن الصور ومقاطع الفيديو والبث المباشر الذي انتشر على مواقع التواصل الاجتماعي، كان له تأثير كبير، متابعةً أن المتفرجين المباشرين “جلبوا المزيد من المتفرجين البعيدين إلى المكان”، وفق ما ورد في الصحيفة.
هذا التفسير وحده غير كافٍ حسب عالمة الاجتماع الإسبانة، ماري ليرولت، صاحبة كتاب “Television For Dummies”، حيث توضح أت الفرق هو أن الحادث تم متابعته بشكل مباشر وعلى مدار عدة أيام، وهو ما أتاح وقتا كافيا لنشر المعلومات وخلق ظاهرة شبيهة بالمسلسلات التلفزيونية، وسط تأجيج الأمل بأن تكون نهايته سعيدة.
كما تحدد المعلمة وعالمة الاجتماع في وسائل الإعلام ماري ليرولت.. لكن هذا التفسير وحده لا يكفي. الفرق هو أن هذا الحادث تم متابعته على الهواء مباشرة على مدار عدة أيام. تلخص ماري ليرولت ، مؤلفة كتاب Television for Dummies ، “لقد أتاح هذا الوقت لنشر المعلومات وخلق ظاهرة المسلسلات التليفزيونية ، بينما كان يؤجج الأمل بنهاية سعيدة” .
عندما يتم تجسيد الدراما، تنهار قاعدة الأميال
من جانبه، يوضح روبرت زويلي، عالم النفس الإكلينيكي، والمتخصص في العواطف، أن الكشف عن عملية “إنقاذ ريان”، كان أكثر جاذبية، حيث تم تغذيته بالتقدم التدريجي لعمال الإنقاذ، وصور الحفرة المحفورة، والسكان الذين وصلوا إلى الموقع، إلى آخر، مسترسلاً أن تحرك الطفل في الفيديو، وحالة عدم اليقين في الوصول إليه حيا، اضافت نوعا من التشويق إلى الحدث، فكانت هناك إثارة ومشاعر قوية للغاية.
لماذا تم الإعلان عن “إنقاذ الريان” بهذا الشكل؟
هناك العديد من حالات وفيات الأطفال، في انهيار مبانٍ بداخلها أسر كاملة في الصين، أو وفياتفي تشيلي، إلا أن هذه الدراما ليس لها نفس الصدى فينا مثل مصير ريان، ذو الـ 5 سنوات، الذي كان عالقا في بئر، حيث أشارت ماري ليرولت، أنه “عندما يتم تجسيد الدراما، تنهار قاعدة الكيلومترات”، مشيرةً إلى أن هذا القانون، يريد من الإعلام منح أهمية أكثر أو أقل اعتمادا على المسافة التي تفصل القراء وضحايا المأساة.
واسترسلت، أن حادثا في فرنسا، يمكن التعامل معه بشكل مختلف عن واقعة أكثر خطورة بنيوزيلندا، متابعةً أن واقعة ريان، تعود لطفل في الخامسة من عمره، وهو ما يولد دائما عواطف أمثر مما يحدث حين يتعلق الأمر ببالغ، مبرزةً أن “تجسيد دراما ريان، من الوجه الصغير للفتى المبتسم، وعلى النقيض من ذلك، من مقاطع الفيديو وهو في قاع البئر، والتي يمكنك رؤيته ينزف فيها، وبالكاد يتنفس”.
بالنسبة إلى الخبيرة نفسيها، يمكن مقارنة هذه الواقعة بدراما الكولومبية الصغيرة، أميريا سانشيز، تلك الفتاة الصغيرة العالقة في انهيار طيني، وعيناها السوداوان تحدقات في عدسة المصور، متابعةً أن هذا الحدث التي وقع في 1985، ما تزال صورته من ضمن أكثر المشاهد شهرة في عالم التصوير الصحفي.
لماذا اتحد الناس حول هذه الدراما؟
“لا يوجد شيء يولد تضامناً أكثر من التفكير في شخص يمر بمأساة مع طفله” يوضح روبرت زويلي: “هذا هو أكثر ما يوحد، لأنه أسوأ الشرور ولا أحد يريد تجربته. ثم هناك أولئك الذين يخشون أن يحدث لهم ذلك، أولئك الذين يغضبون لمعرفة كيف يمكن أن يحدث مثل هذا الحادث. أولئك الذين يتألمون ، لأنه يذكرهم بفقدان أحبائهم، وفي النهاية، هناك من يتمسكون بالفرح، على أمل أن ينتهي كل شيء على ما يرام”.
توضح دراما ريان أيضًا حاجتنا للالتقاء حول حدث ما، تؤكد الجريدة الإسبانية في الختام، “المراسم الإعلامية تجمع الناس معًا، سواء من أجل القضايا الرياضية أو لمتابعة الأعمال الدرامية”، تقول ماري ليرولت: “نجد شكلاً من أشكال الشركة”. وفقًا لستيفاني لوكاسك، فإن هذا الحادث قبل كل شيء “تأثر” و”أظهر قبل كل شيء أن الناس بحاجة إلى الإنسانية خارج الحدود والاختلافات”.
تعليقات الزوار ( 0 )