في صورتين متناقضتين، تكشف إحداهما مايُدَبر في ليبيا والخطر الذي بات يُهدد دول شمال إفريقيا، حضر الليبيون في صورة أولى إلى بوزنيقة في المغرب لإطلاق مشاورات فيما بينهم نحو حل سياسي، وفي صورة ثانية، خلال نفس اليوم، أطلق أمير الحرب المدعوم من طرف دولة الإمارات أزيد من عشرة صواريخ في هجوم على قوات حكومة الوفاق الوطني، وذلك في هدف واضح يُراد منه تشتيت أنظار المتفاوضين الليبيين في المغرب قبل جلوسهم لطاولة المفاوضات.
وكان من الممكن أن يُعد حدث صواريخ حفتر عملا إجراميا طائشا لأمير حرب بات معزولا، ولكن الخطير أن يترافق هذا الهجوم بحملة إعلامية من القنوات الموالية لحكومة الإمارات وذبابها الإلكتروني على الليبيين في بوزنيقة، ففي وقت كان يُعتقد فيه أن دولة الإمارات وإعلامها مشغولون بالحماقة الاستراتيجية للتطبيع، ومشغولون بشروع الإسرائيلين والأمريكيين بالإشارة إلى أن التطبيع هدفه إيران، مما يعني أن دولة الإمارات باتت قاعدة عسكرية أمامية لإسرائيل. لم ينتبه الإماراتيون وقنواتهم الإعلامية لهذه التصريحات وللتحذيرات الإيرانية المضادة في اليومين الماضيين، وإنما ظل الإماراتيون وإعلامهم مشغولين بالليبيين الذين وصلوا إلى المغرب لبناء سلام مفقود منذ خمس سنوات.
وبعد طائرات الأسلحة التي وصلت حفتر عشية مؤتمر برلين، والإماراتيون يجلسون آنداك على طاولة المفاوضات في برلين، يأتي التسليح الجديد لحفتر والجمع الجديد لشتات المرتزقة، أياما معدودات قبل انطلاق مشاورات بوزنيقة في المغرب، مما يعني بوضوح هجوما مسلحا من حفتر وداعميه على ممثلي الشعب الليبي، وهجوما إعلاميا إماراتيا على احتضان المغرب لفرقاء ليبيين تريدهم الراعية الأمم المتحدة والمسهل والمحتضن الدبلوماسي المغرب أن يصلوا إلى اتفاق ليبي – ليبي لإنقاذ ماتبقى من الدولة الليبية.
والمثير، أن يتعبأ الإعلام الإماراتي من سكاي نيوز والعربية إلى موقع العين الذي يشرف عليه الإخواني الإماراتي السابق راشد علي النعيمي للدعاية إلى إعلان نتائج لقاء تشاوري قبل انطلاقه، بين من يصفه بأنه ”مناورة لإنقاذ حكومة السراج” ومن ينقل صور السراج في تركيا، ومن يضع صورا في نشراته لليبيين ويزيل صورة وزير الخارجية المغربي وهو يتوسط الفرقاء الليبيين في صورة جماعية أثناء انطلاق المشاورات.
إننا أمام مشاهد تُوضح صورة التدخل الإماراتي في شمال إفريقيا بالسلاح والدعاية الإعلامية، والخطير أن يزداد هذا السلوك نحو نزعة زرع الفوضى بليبيا وشمال إفريقيا بعد التطبيع الإماراتي الإسرائيلي، فبدل انتباه الإماراتيين إلى الحماقة الاستراتيجية التي قد تعصف بدولة الإمارات كاملة نتيجة تحولها إلى ”نسخة لبنان جديدة“ في الخليج ستجري فوق أراضيها حرب مقبلة، وبطريقة مباشرة بين إيران وإسرائيل وبين إسرائيل والحوثيين في أبوظبي ودبي، يبدو الإماراتيون وإعلامهم مشغولين مرة أخرى بليبيا وبدعم أمير الحرب حفتر الذي بات معزولا ومحاصرا في ليبيا وخارج ليبيا وتنتظره المحكمة الجنائية الدولية.
ولعل أخطر مايجب الانتباه إليه، أنه بعد التحريض في اليمن بات الإعلام الإماراتي يُحرض بطريقة مباشرة على حرب أهلية وانتقامية في ليبيا، بين الفرقاء الليبيين، يقودها حفتر ضد معارضين له وللوجود الإماراتي بليبيا في الشرق والغرب، والغريب أنه في الوقت الذي يُطلق فيه الإعلام الإماراتي قصة حب بين إسرائيل ودولة الإمارات، فإنه يبادر إلى أن يكشف عن قصة حرب انتقامية بين دولة الإمارات والليبيين.
*رئيس المركز الأطلسي للدراسات الإستراتيجية والتحليل الأمني
سلام مع اسرائيل وحرب على ليبيا وعلى اليمن.
في الواقع حتى بعض الموالين لتركيا هم كذلك يحرضون ضد مفاوضات بوزنيقة .. لأن أي اتفاق ليبي ليبي سيقلص من نفوذ القوى الخارجية الطامعة في ثروات ليبيل