في عز فترة الطوارئ الصحية التي يعيشها المغرب، تم يوم الجمعة 10 أبريل افتتاح الدورة التشریعیة الثانیة من السنة التشریعیة 2019-2020 بإجراءات وتدابير احترازية اتخذها مكتبا مجلسي البرلمان همت على الخصوص التقليص من الحضور إلى مستوى أدنى تجنبا لتفشي وباء كورونا- كوفيد 19. وهو ما أثار عدة تساؤلات حول سلامة هذه الإجراءات من الناحية الدستورية والقانونية. في هذه الورقة سنحاول أن نبين الإطار الدستوري لانعقاد البرلمان (أولا)، بعده سنتطرق لإشكالية حضور البرلمانيين لأشغال المجلسين (ثانيا) قبل أن نختم بعرض الحلول الممكنة في تقديرنا لتجاوز هذه الأزمة(ثالثا).
أولا: الإطار الدستوري لانعقاد البرلمان
طبقا لمقتضيات الفقرة الأولى من الفصل 70 من دستور المملكة لسنة 2011 يعد البرلمان السلطة التشريعية التي تتولى التصويت على القوانين ومراقبة العمل الحكومي وتقييم السياسات العمومية. ومن أجل القيام بهذه الوظائف فإن البرلمان يعقد جلساته خلال دورتين في كل سنة تشريعية، تبتدئ الدورة الأولى يوم الجمعة الثانية من شهر أكتوبر ويفتتحها الملك، بينما تفتح الدورة الثانية يوم الجمعة الثانية من شهر أبريل، وذلك حسب ما نص عليه الفصل 65 من الدستور.
إن انعقاد البرلمان في هذه الدورة (دورة أبريل) إذن، رغم الظروف التي تعيشها البلاد والتي حتمت إعلان حالة الطوارئ الصحية لمواجهة فيروس كورونا –كوفيد 19، يعد ضرورة دستورية ومؤسساتية تفرض نفسها بمنطوق الدستور. وعليه، فإن إمكانية إلغاء هذه الدورة التشريعية أو تأجيلها هو أمر مستبعد جدا وليس واردا، على الأقل من الناحية الدستورية، لعدم وجود أي سند دستوري يعزز هذا الطرح أو يشير إليه. بل إنه حتى في الظروف الاستثنائية التي وردت في الدستور، خصوصا حالة الاستثناء (الفصل 59) وحالة الحصار (الفصل 74) فإنه لا يتم حل البرلمان ويبقى قائما يضطلع بوظائفه الدستورية.
ولعل انعقاد البرلمان بمجلسيه في هذه الدورة الربيعية رغم ما تجتازه البلاد من ظروف هو تجسيد للأدوار المهمة التي تضطلع بها المؤسسة التشريعية مواكبة منها لهذه الظرفية الاستثنائية. فلا يقبل أن يبقى البرلمان مكتوف الأيدي أمام ما تواجهه البلاد من انعكاسات لهذه الجائحة على جميع المستويات، بل يتحتم عليه الانخراط الفعلي والعملي إلى جانب السلطة التنفيذية في التصدي لهذا الوباء تعزيزا وتجسيدا لمبدأ فصل السلطات وتوازنها وتعاونها حسب ما هو منصوص عليه في الفقرة الثانية من الفصل الأول من الدستور. كما أن الظرفية الحالية تحتم على ممثلي الأمة العمل على مراقبة العمل الحكومي خصوصا فيما يتعلق بالحقوق والحريات، على اعتبار أن فترة الطوارئ الصحية تعرف تقييدا لبعض الحقوق والحريات من جهة، ومن جهة أخرى، لأن الحكومة تمتلك في هذه الفترة من الوسائل والإمكانيات ما يسمح لها بتجاوز النصوص التشريعية والتنظيمية الجاري بها العمل عن طريق اتخاذ جميع التدابير اللازمة التي تقتضيها الحالة بموجب مراسيم ومقررات تنظيمية وإدارية، أو بواسطة مناشير وبلاغات (المادة الثالثة من المرسوم بقانون رقم 2.20.292المتعلق بسن أحكام خاصة بحالة الطوارئ الصحية وإجراءات الإعلان عنها). وعليه، فإنه من الواجب تدخل البرلمان في هذا الشأن عن طريق مساءلته ومراقبته للحكومة متى رأى أن هناك تعسفا أو تقييدا مفرطا للحقوق والحريات. من جانب آخر، فالانعكاسات المالية والاقتصادية والاجتماعية لهذه الجائحة لا يمكن أن تنفرد الحكومة بمواجهتها لوحدها، بل يتعين على البرلمان المشاركة في ذلك بكل الطرق والسبل بما في ذلك التتبع والمراقبة والمساءلة واقتراح الحلول.
وفي هذا الصدد، عقد رئيس مجلس النواب اجتماعا مع رؤساء الفرق والمجموعة النيابية بتاريخ 30 مارس 2020، تم عقبه إصدار بلاغ تم التأكيد فيه على أن المجلس سيواصل بشكل منتظم صلاحياته الدستورية على النحو الذي يجعل من سياق المرحلة ومستلزماتها تشريعا ورقابة، عنوانا بارزا في كل خطواته المقبلة. ونفس الأمر بالنسبة لمجلس المستشارين الذي أصدر بلاغا هو الآخر ينهي فيه إلى علم جميع المستشارين أن المجلس سيعقد يوم الجمعة 10 أبريل 2020 على الساعة الرابعة بعد الزوال، جلسة عمومية تخصص لافتتاح دورة أبريل من السنة التشريعية 2019-2020، مع مراعاة الإجراءات والتدابير الاحترازية والاستثنائية المتخذة من قبل أجهزة المجلس في هذا الشأن. وقد تم يوم الجمعة 10 أبريل 2020 افتتاح الدورة الربيعية من السنة التشريعية 2019-2020 بكلا مجلسي البرلمان وفقا لمجموعة من الإجراءات والتدابير الاحترازية التي حدت من حضور البرلمانيين، حيث حضر الجلسة العامة الافتتاحية رؤساء الفرق والمجموعة أو من ينوب عنهم، بالإضافة إلى عضوين اثنين من الفريق والمجموعة.
ثانيا: إشكالية حضور البرلمانيين لأشغال مجلسي البرلمان
تنعقد الدورة الربيعية لمجلسي البرلمان وسط مجموعة من الإجراءات الاستثنائية التي اتخذها مكتبا البرلمان والتي تهدف إلى تقليص عدد المستشارين والنواب الواجب حضورهم في الجلسات العامة وجلسات اللجان الدائمة، وهو الأمر الذي تحدد في رؤساء الفرق والمجموعة أو من بنوب عنهم، بالإضافة إلى عضوين اثنين من الفريق والمجموعة كحدّ أقصي بالنسبة للجلسات العامة، وممثل واحد عن كل فريق ومجموعة نيابية بالنسبة لاجتماعات اللجان الدائمة. ولئن كانت هذه الإجراءات والتدابير الاحترازية تبدو موضوعية بالنظر إلى ما تعيشه البلاد من تفش لوباء كورونا-كوفيد19، وبالتالي كان من الطبيعي أن تتخذ المؤسسة التشريعية من التدابير ما يحمي صحة النواب بتقليص الاحتكاك والتجمع لتفادي انتشار العدوى، فإنها من الناحية الدستورية والقانونية قد أثارت مجموعة من الشكوك والالتباسات الدستورية. فالدستور نفسه والنظامان الداخليان لمجلسي البرلمان لم يتوقعوا مثل هذه الحالات. وبالتالي فأي إجراء أو تدبير في هذه المرحلة يجب أن يتم إخضاعه للدستور وللنظامين الداخليين للمجلسين للنظر في مدى شرعيته.
يؤكد الفصل 69 من الدستور على أن النظام الداخلي الذي يوضع من طرف كل مجلس يجب أن يحدد بصفة خاصة واجبات الأعضاء في المشاركة الفعلية في أعمال اللجان والجلسات العامة، والجزاءات المطبقة في حالة الغياب. وهكذا فقد نصت المادة 11 من النظام الداخلي لمجلس النواب على مبدأ ضمان مشاركة جميع النائبات والنواب في أنشطة المجلس وممارسة مهامهم في إطار احترام الضوابط والإجراءات المنصوص عليها في هذا النظام. كما أن المادة 146 من الفرع الثالث من الباب الأول الذي خصص لنظام سير الجلسات العامة، قد أكدت على أنه يجب على النائبات والنواب حضور جميع الجلسات العامة. وجاءت المادة 105 لتنص على أن أعضاء اللجان الدائمة ملزمين بحضور اجتماعاتها والمشاركة في أشغالها، وحدد في نفس الوقت الحالات التي يمكن للعضو التغيب فيها.
من جهة أخرى، فالإجراءات والتدابير الاحترازية التي تم اتخاذها من قبل مكتبي البرلمان تطرح إشكالا عميقا يخص التصويت في مجال التشريع، حيث أن الدستور المغربي ينص في الفصل 60 على أنه:” يتكون البرلمان من مجلسين، مجلس النواب ومجلس المستشارين؛ ويستمد أعضاؤه نيابتهم من الأمة، وحقهم في التصويت حق شخصي لا يمكن تفويضه…”. وبالتالي، فإنه من حق كل النواب الحضور قصد التصويت على مقترحات ومشاريع القوانين، ولا يمكن مصادرة هذا الحق بأي إجراء كيفما كان نوعه وتحت أي ظرف كيفما كانت خطورته المحتملة، بل إن التصويت بالتفويض أو بالوكالة كذلك، لا يمكن أن يعتد به لأن النص الدستوري حسم في هذا الأمر. وأي تصويت يحد من هذا الحق فهو معرض لمراقبة المحكمة الدستورية إذا ما تمت إحالة الأمر عليها.
ثالثا: الحلول المقترحة
في غياب أي سند دستوري أو قانوني يضفي الشرعية على ما اتخذه مكتبا مجلسي البرلمان من إجراءات وتدابير احترازية تهم تقليص حضور البرلمانيين لأشغال المجلسين في ظل تفشي هذه الجائحة وإعلان حالة الطوارئ الصحية بالمغرب، كان من اللازم التفكير في بدائل وحلول أخرى تضمن عدم المساس بالقواعد الدستورية. في هذا الصدد يمكن اقتراح حلين اثنين؛ الأول يرتبط بإمكانية انعقاد أشغال البرلمان عن بعد، والثاني يتعلق بتفعيل الفصل 70 من الدستور.
وفي نفس الوقت تواكب التطور الحاصل في مجال التكنولوجيا واستغلال ما تتيحه هذه الأخيرة من إمكانيات التواصل عن بعد.
الانعقاد الالكتروني
منذ بداية انتشار هذه الجائحة بدأنا نلاحظ تسريعا في وتيرة استغلال ما تتيحه التكنولوجيا الحديثة من إمكانيات للعمل والاشتغال والتواصل عن بعد. وهكذا عملت مجموعة من القطاعات والمؤسسات الحكومية على الاستمرار في القيام بوظائفها والتواصل مع الموظفين والمرتفقين باستعمال وسائل التواصل الحديثة متى كان ذلك ممكنا لتفادي الحضور إلى مقرات العمل. بل إن الحكومة نفسها عقدت مجلسها الحكومي ليوم 9 أبريل 2020 عن بعد بتقنية الفيديو (vidéo conférence). وفي هذا السياق يمكن تجاوز أزمة حضور البرلمانيين لأشغال مجلسي البرلمان باستعمال هذه التقنية. فلا يمكن أن يبقى البرلمان معزولا عن مواكبة التطور الحاصل في هذا المجال.
فإذا كانت الغاية من الحضور الشخصي للبرلمانيين هي المشاركة الفعلية في أشغال المجلسين واللجان الدائمة، وفي ظل الظروف الاستثنائية التي تعيشها بلادنا، فإن إمكانية انعقاد البرلمان بمجلسيه اعتمادا على التكنولوجيا ووسائل التواصل الحديثة تمكن من الوصول إلى هذه الغاية. فرغم خلو النظامين الداخليين لمجلسي البرلمان من أية إشارة تسمح بهذه الإمكانية فإنه في نفس الوقت ليس في هذين النظامين ما يمنع ذلك خصوصا وأن الأمر يتعلق بظرف استثنائي يحتم على المؤسسة التشريعية ممارسة اختصاصاتها الدستورية كاملة، ومن أجل ذلك فهي في حاجة ماسة إلى جميع مكوناتها. أما العمل على تقليص حضور البرلمانيين، وبغض النظر عن الشك الدستوري الذي يحوم حوله، فإنه عمليا سيكون مؤثرا سلبيا على مردودية هذه المؤسسة الدستورية حيث سيحصر النقاش داخلها بين فئة قليلة من البرلمانيين.
العمل بمراسيم تدابير
لتفادي النقاش الدائر بخصوص الشكوك التي تحوم حول دستورية ما اتخذه مكتبا مجلسي البرلمان من إجراءات وتدابير احترازية تهم تقليص حضور البرلمانيين لأشغال الجلسات العامة واللجان الدائمة، وتجسيدا لمبدأ تعاون السلطات كما هو منصوص عليه دستوريا، يمكن اقتراح بديل من داخل الدستور لتجاوز هذه المرحلة وفقا لما ينص عليه الفصل 70 من الدستور والمتعلق بقانون الإذن.
ينص الفصل 70 من الدستور المغربي على أنه: “.. للقانون أن يأذن للحكومة أن تتخذ في ظرف من الزمن محدود، ولغاية معينة، بمقتضى مراسيم تدابير يختص القانون عادة باتخاذها، ويجري العمل بهذه المراسيم بمجرد نشرها. غير أنه يجب عرضها على البرلمان بقصد المصادقة، عند انتهاء الأجل الذي حدده قانون الإذن بإصدارها، ويبطل قانون الإذن إذا ما وقع حل مجلسي البرلمان أو أحدهما”. يستنتج من هذا الفصل أن العمل بمراسيم تدابير من قبل الحكومة لا يرتبط بظرفية معينة توجب ذلك، بل إن هذه الإمكانية تبقى متاحة في جميع الظروف على أساس التقيد بالشروط المنصوص عليها في هذا الفصل. وبالتالي فما على الحكومة إلا أن تقدم للبرلمان مشروع قانون يخولها ممارسة الوظيفة التشريعية عن طريق مراسيم تدابير طيلة فترة الطوارئ الصحية إلى أن يتم عرضها على البرلمان إما في هذه الدورة الربيعية أو في دورة أخرى إذا ما استمر الوباء.
وفي الختام، يمكن القول أنه، وفي جميع الأحوال، يتحتم على مجلسي البرلمان أن يطورا من عملهما بتجويد النظامين الداخليين وتضمينهما لطرق مبتكرة للاشتغال في الظروف الاستثنائية (حالة الاستثناء- حالة الحصار- حالة الطوارئ الصحية).
*باحث في القانون الدستوري وعلم السياسة
تحية استاذ عبد الفتاح نظريا من الناحية القانونية يمكن سد الفراغ التشريعي للبرلمان بتطبيق تقنية التشريع عن بعد لكن الواقع هو اننا في الدول العربية المؤسسة التشريعية بغرفتيها تبقى الى حد ما مجرد ماكياج لتاثيث المشهد الديمقراطي في البلدان العربية حكومتنا لم تفعل شيء يذكر ومؤسسة البرلمان تتلقى فقط الاوامر لتشريع هذا القانون او ذاك حكومة الظل هي من تشتغل تحت امرة الملك نصره الله واعوان السلطة ينفذون الاوامر والبلاد في احسن حال البرلماني ليست له ثقافة للتشريع الا من رحم ربي وعدد الذي يمكنه التشريع قليل جدا بل ناذر هم البرلمانيون هو التعويضات والتقاعد اما التشريع فنتركه للاساتذة مثلك اخي العزيز وتحية سي فتاح
شكرا أستاذي على طرحكم لهذه الإشكالية التي يمكن تعميمها على معظم دول العلم والتي وجدت نفسها أمام فراغ تشريعي ودستوري في مواجهة هذا الوباء، فاجتهاد الباحثين و الأساتذة في القانون الدستوري، مثلكم، سيكون له دور أساسي لملإ هذه الثغرات في مرحلة ما بعد الأزمة.
وشكرا لكم.