ومن الملفت أن اصطلاح الإبستمولوجيا يرادف في اللغة الإنجليزية “نظرية المعرفة”، في حين أنه يتناظر في اللغة الفرنسية مع تركيب آخر، ويرجع السبب في ذلك لاستخدام الفلاسفة الفرنسيين هذا المصطلح تعبيراً عن “فلسفة العلوم” والتاريخ الفلسفي لها.
وإن التعبير عن نظرية المعرفة مثل غيره من المفاهيم والدلالات واجه بعض ملامح الخلط بين المفاهيم الدالة، ولذلك نجد أن العديد من المفكرين والفلاسفة أشاروا لفروقات بسيطة ولكنها مفصلية وتؤدي لمعانٍ مختلفة، ومن ذلك على سبيل المثال لا الحصر ما وضحه الفيلسوف لالاند، بتمييزه بين أنواع المعرفة البشرية وذلك لوجود مساحة واسعة تسهل الخلط أو بناء لغط مفاهيمي فيما بين الدراسات التي تناولت أصناف المعرفة البشرية، مفرقاً بين الإبستمولوجيا من جهة، والميتودولوجيا من جهة أخرى، وفي الذات السياق نحا العديد من المفكرين للتفريق فيما بين نظرية المعرفة والأبستمولوجيا.
بين المعرفة والعلم
كما أنه من الضروري التثبت من صحة هذه المعلومات من خلال تتبع المدلول الخاص بكلمة “العلم”، حيث أنها اليوم لا تشبه تعريفها القديم، ف: “العلم يخص الضروري و الخالد” بمفهوم أرسطو. ويعبر عن “أرقى درجات المعرفة”، من منظور أفلاطون كما أن كلمة “علم”، كانت غالباً ما تكون حاضرة في سياق الحديث عن “الحقيقة العظمى” المتصلة بالمنظومة الدينية والوجدانية العقائدية لدى الأفراد، في حين أن ” المعرفة التي يمتلكها الله عن الكون”، هي معنى كلمة علم من منظور الفيلسوف لالاند.
بيانات أم معلومة أم معرفة أم علم ؟
في صدد الحديث عن المعرفة يتوارد العديد من الدلالات التي ربما قد تشكل لبساً غير واضح وضبابية حول المفهوم، مما يزيد الأمر تعقيداً، ولذلك فإن هناك حاجة حقيقية للتفريق بين العديد من المفردات التي تلتقي إما في المعنى وإما في التركيب، وذلك مثل كل من : البيانات، والمعلومات، والعلم، والمعرفة، وبخاصة أننا عند الحديث عن البيانات فإننا نعبر عن أصوات وصور وأرقام ورموز ترتبط ارتباطاً واقعياً ومنطقياً مع البيئة التي تحيط بنا، وبالتالي فإن البيانات تعتبر المادة الأولى الخام التي يمكن من خلالها تشكيل شيء آخر، وفي مرحلة لاحقة وبعد تناول هذا الكم من البيانات ووضعه في بيئة نشاط وحركة ومعالجة ينتج لدينا مجموعة من المعلومات التي ستتحول في مرحلة لاحقة بعد معالجتها لمعرفة جديدة والتي بدورها سوف تشكل بلورة أساسية في أي علم تدخل في بنائه وتشكيل ملامحه، ومن هنا يرد معنى جديد للمعرفة التي ترتبط بتفصيل البنى الأساسية والمكونات الصغيرة التي تدخل في تركيبها، فالمعرفة مزيج هنا القواعد والأفكار والمفاهيم والإجراءات التي تفضي للخروج قرارات وأفعال واضحة وبالتالي فإنها معلومات متوازية مع التجربة الإنسانية وما تنتجه من قيم وحقائق وأحكام متآلفة تتناغم كلها بطريقة سلسة مما يسمح بإحداث تغيير فعلي في الواقع الإنساني.
إن القدرة على تحقيق عامل الدقة في التعريف والتوصيف لكل قضايانا في بنيتها الأساسية البنيوية، من دوره أن يوفر النجاح المطلوب من كل دلالة في موضعها الصريح، بل أنه مدعم ب “شهادة ثقة” في ما وصلت له تلك الدلالة من تناغم وتمازج منطقي وفطري مع حقيقة الكون الديناميكية، والحركية المستمرة التي يمكن ملاحظتها في طبيعة تشكيل كل ما يحيط بنا والمعرفة أحدها، مما يجعلها أكثر تجدداً وتطوراً.
تعليقات الزوار ( 0 )