Share
  • Link copied

دفاعا عن التصوف والمتصوفة وتبرئة الشيخ بن عربي من القول بوحدة الوجود

إن تصوف المتصوفة هو  نفسه من حيث الواقع هو  …هو  نفسه زهد الرسول صلى الله عليه وسلم  حين كان يصلي حتى تتورم  قدماه،   وقد سئل عن ذلك فقال أفلا  أكون عبدا شكورا.

 ما التصوف إلا الزهد  في اللذائذ والشهوات ، وقد كان الصحابة اول المتصوفين ومنهم أهل الصفة ، وهم اول المؤسسين للتصوف ، ، ولم يتغير شيء من حيث المضمون غير ظهور علم التصوف الذي جمع اصطلاحات القوم ، مثل علم الأصول والتفسير ، فكان لابد من  ظهور علم القلوب.

 لم يتغير شيء سوى أنه تم تقعيد التصوف علميا بعد كان موجودا على صعيد الواقع  وقد قال العلامة ابن عابدين الحنفي في كتابه رد المحتار على الدر المختار المشهور بحاشية ابن عابدين (16/300):

:(وَقَدْ سَأَلَ بَعْضُ أَكَابِرِ الْعُلَمَاءِ بَعْضَ الصُّوفِيَّةِ : مَا حَمَلَكُمْ عَلَى أَنَّكُمْ اصْطَلَحْتُمْ عَلَى هَذِهِ الْأَلْفَاظِ الَّتِي يُسْتَشْنَعُ ظَاهِرُهَا؟؟ فَقَالَ غَيْرُهُ : (حفاظاً) عَلَى طَرِيقِنَا هَذَا أَنْ يَدَّعِيَهُ مَنْ لَا يُحْسِنُهُ وَيَدْخُلُ فِيهِ مَنْ لَيْسَ أَهْلَهُ ، وَالْمُتَصَدِّي لِلنَّظَرِ فِي كُتُبِهِ أَوْ إقْرَائِهَا لَمْ يَنْصَحْ نَفْسَهُ وَلَا غَيْرَهُ مِنْ الْمُسْلِمِينَ وَلَا سِيَّمَا إنْ كَانَ مِنْ الْقَاصِرِينَ عَنْ عُلُومِ الظَّاهِرِ).انتهى

  فلماذا الانكار على  أهل التصوف ما لم ينكر على باقي العلوم ؟

 مشكل المسلمين أنهم اهتموا بعلوم الجوارح ، وضيعوا علوم الأرواح ، وقد كان من أهل التصوف رجال يقام ويقعد لهم في العلم الشرعي وعلوم الظاهر  ومنهم  الإمام حسن البصري  والإمام جعفر الصادق ، وسعيد بن جبير و الإمام الجنيد ، وابراهيم بن ادهم وذي النون المصري ،وأويس القرني ، وابو الحارث المحاسبي وابن  القيم الجوزية ، وبن تيمية  ورابعة العدوية والحلاج والغزالي وابن عربي وجلال الدين الرومي ، والامير المجاهد عبد القادر الجزائري والمجاهد عمر المختار المنتمي للزاوية السنوسية وتعلمون جهاده ضد الطليان ، وغيره هؤلاء كثير.

الشبهة جاءت من بعض الشطحات التي لو شرحت وفسرت  لزال الانكار والاشتباه،

 فعلا لقد حصل خلال تاريخ الانحطاط ما قبل الاستعمار عمل بعض المنتسبين للتصوف  وهو منهم براء من الطرقيين الانتهازيين وأصحاب الزوايا  ممن استقطبوا  العوام  وهم  الذين عملوا   على تشويه التصوف بفعل المنكرات من الذبائح على القبور  مستغلين الأمية والجهل ،

 لقد كان جل أهل التصوف من أهل السنة والجماعة وليس فيهم  من الزنادقة او الملاحدة متصوف معتبر  ذي بال ،   رغم أنه قد شنت ضدهم حملات تتهمهم بالالحاد والحلول  والاتحاد والكفر وهم منه براء.

 ومعلوم أن ابن عربي قد كفره علماء  كثيرون ودافع عنه علماء  اكثر  ، مثل العالم المفسر المحدث  الحافظ جلال الدين السيوطي في  رِسَالَةٌ سَمَّاهَا تَنْبِيهُ الْغَبِيِّ بِتَبْرِئَةِ ابْنِ عَرَبِيٍّ ذَكَرَ فِيهَا أَنَّ النَّاسَ افْتَرَقُوا فِيهِ فِرْقَتَيْنِ : الْفِرْقَةُ الْمُصِيبَةُ تَعْتَقِدُ وِلَايَتَهُ ، وَالْأُخْرَى بِخِلَافِهَا.

ودافع عنه كذلك. اللغوي الكبير  العلامةُ مجد الدين الفيروزابادي ما أجاب به على سؤال رفع إليه، لفظه:

ما تقول العلماء –شدَّ الله بهم أزر الدِّين ولمَّ بهم شعث المسلمين- في الشيخ محيي الدِّين بن العربي، وفي كتبه المنسوبة إليه، كـ “الفتوحات” و”الفُصوص” وغيرهما، هل تحلُّ قراءتها وإقراؤها للناس أم لا؟ أفتونا مأجورين. فأجاب –رحمه الله رحمة واسعة-: اللهم أنطقنا بما في رضاك، الذي أقوله في حال المسؤول عنه، وأعتقده وأدين لله سبحانه وتعالى به، أنه كان شيخ الطريقة حالاً وعلماً، وإمام الحقيقة حدَّاً ورسماً، ومحيي رسول الله المعارف فعلاً واسماً. إذا تغلغل فكر المرء في طرف من بحرهِ غرقت فيه خواطره في عُبَاب لا تدركه الدَّلاء، وسحاب تتقاصر عنه الأنواء. وأما دعواته فإنها تخرق السبع الطباق، وتفترق بركاته فتملأ الآفاق، وإني أصفه، وهو يقيناً فوق ما وصفته، وغالب ظني أني ما أنصفته:

وَمَا عَليَّ إذا ما قلتُ معتَقدي // دَعِ الجَهولَ يَظُن الجَهْلَ عُدْوَانَا

والله تاللهِ بالله العظيمِ وَمَنْ // أقَامَهُ حُجَّةً للهِ بُرْهَانَا

إِنَّ الذي قُلتُ بعضٌ من مَنَاقبهِ // مَا زِدْتُ إلاَّ لَعَلِّي زِدْتُ نُقْصَانَا.

وأما كتبه فإنها البحار الزَّواخر، جواهرها لا يُعْرَفُ لها أولٌ من آخر، ما وضع الواضعون مثلها، وإنما خصَّ الله بمعرفتها أهلها، فمن خواص كتبه أنه من لازم مطالعتها والنظر فيها انحل فهمه لحل المشكلات وفهم المعضلات، وهذا ما وصلت إليه طاقتي في مدحه، والحمد لله رب العالمين.)انتهى قول الفيروزآبادي .

والشيخ محي الدين ابن عربي من أكابر علماء الإسلام وصلحائهم ، وقد جرى عليه مثل ما جرى على علماء غيره من الدس في كتبهم والتحريف لمنهجهم ،

 وقد نال الكثيرُ من الشيخ ابن عربي رحمه الله بسبب ما وجدوا في بعض الكتب من الإفتراء عليه والتزوير  .

ونجد هذا التكفير  مخالف  لقول النبي صلى الله عليه وآله وسلم :« لاَ يَرْمِي رَجُلٌ رَجُلاً بِالْفِسْقِ وَلاَ يَرْمِيهِ بِالْكُفْرِ إِلاَّ ارْتَدَّتْ عَلَيْهِ إِنْ لَمْ يَكُنْ صَاحِبُهُ كَذَلِكَ » رواه البخاري من حديث أبي ذر رضي الله عنه ، وقوله عليه الصلاة والسلام : « إِذَا كَفَّرَ الرَّجُلُ أَخَاهُ فَقَدْ بَاءَ بِهَا أَحَدُهُمَا » رواه مسلم من حديث عبد الله بن عمر رضي الله عنهما.

  ولءلك فإن من أطلق لسانه فيهم بالاتهام. والتكفير والسب ابتلاه الله قبل موته بموت القلب ، ومحاربته  كما جاء في الحديث القدسـي : « مَنْ عَادَى لِي وَلِيًّا فَقَدْ آذَنْتُهُ بِالْحَرْبِ » رواه البخـاري من حـديث أبي هريرة رضي الله عنه .

وقد قال  الإمام النووي رحمه الله تعالى في كتابه ” بستان العارفين” عن حديثه عن الشيخ ابي الخير(قلت : قد يتوهم من يتشبه بالفقهاء ولا فقه عنده أنه يُنْكَر على أبي الخير هذا ، وهذه جهالة وغباوة ممن يتوهم ذلك ، وجسارة منه على إرسال الظنون في أفعال أولياء الرحمن ! فليحذر العاقل التوخي لشيء من ذلك ، بل حقُّه إذا لم يفهم حِكَمَهُم المُستفادة ولطائفهم المُسْتَجادَة أن يتفهمها ممن يعرفها . وكل شيء رأيتَه من هذا النوع مما يتوهم من لا تحقيق عنده أنه مخالف – ليس مخالفًا ؛ بل يجب تأويل أقوال أولياء الله تعالى) والامام النووي هو من هو من علماء المسلمين صاحب رياض الصالحين والمجموع وشرح صحيح مسلم وغيره من امهات كتب اهل السنة والجماعة .

ومن أشدّ المنتصرين للشيخ محيي الدين  وأكثر المنصفين له، الشيخ عبد الوهاب الشعراني  الذي  ألّف كتاباً عنوانه: اليواقيت والجواهر في بيان عقائد الأكابر، كما ألّف كتاباً آخر دعاه: تنبيه الأغبياء على قطرةٍ من بحر علوم الأولياء. وفيهما دفاع شديد عن ابن عربي وغيره من المتصوّفة وبلغ به الأمر أن لخّص كتاب الفتوحات المكّية في كتابه الموسوم بـ الكبريت الأحمر في بيان علوم الشيخ الأكبر

 أن الإمام أبا بكر محيي الدين محمد بن علي بن محمد بن أحمد بن عبد الله الحاتمي الطائي الأندلسي الظاهري ،المعروف بالإمام محيي الدين بن العربي  الملقب، بالكبريت الاحمر  وسلطات العارفين وخاتم الأولياء ، المولود يوم الاثنين السابع عشر من رمضان سنة 560 هـ بمرسية بالأندلس ، والمتوفى بدمشق سنة 638 هـ ،

هو  من  الأئمة الأعلام الذين جمع الله لهم بين العلم و الولاية ، وهو  وقد كان فقيهًا على مذهب الإمام داود الظاهري ، وعقيدته هي عقيدة الأشاعرةِ من  أهلِ السنة والجماعة ، وقد ذكر عقيدته بتفصيل  في أول الفتوحات المكية .

قال الشيخ الأكبر محيي الدين بن عربي بالحرف في مقدمة الفتوحات المكية:

(يا إخواني ويا أحبابي أشهدكم أني أشهد الله تعالى وأشهد ملائكته وأنبياءه ومن حضر أو سمع أني أقول قولاً جازماً بقلبي إن الله تعالى واحد لا ثاني له منزه عن الصاحبة والولد . مالكٌ لا شريك له ، ملك لا وزير له ، صانع لا مدبر معه ، موجود بذاته من غير افتقار إلى موجود يوجده ، بل كل موجود مفتقر إليه في وجوده . فالعالم كله موجود به ( أي وجد بإيجاد الله له ) وهو تعالى موجود بنفسه لا افتتاح لوجوده ولا نهاية لبقائه بل وجوده مطلق قائم بنفسه ، ليس بجوهر فيقدر له المكان ولا بعرض فيستحيل عليه البقاء ولا بجسم فيكون له الجهة والتلقاء ، مقدس عن الجهات والأقطار . استوى على عرشه كما قاله وعلى المعنى الذي أراده كما أن العرش وما حواه به استوى وله الآخرة والأولى . لا يحده زمان ولا يحويه مكان بل كان ولا مكان وهو الآن على ما عليه كان لأنه خلق المتمكن والمكان وأنشأ الزمان . تعالى الله أن تحله الحوادث أو يحلها أو تكون قبله أو يكون بعدها ، بل يقال كان ولا شيء معه إذ القبل والبعد من صيغ الزمان الذي أبدعه ، فهو القيوم الذي لا ينام والقهار الذي لا يرام ، ليس كمثله شيء وهو السميع البصير). انتهى

وقال في الفصل الثاني :(فقد تبين لك أنّ الأصل الثبوت لكل شيء ألا ترى العبد حقيقة ثبوته وتمكنه إنما هو في العبودة فإن اتصف يوماً ما بوصفٍ رباني فلا تقل هو معار عنده ولكن انظر إلى الحقيقة التي قبلت ذلك الوصف منه تجدها ثابتة في ذلك الوصف كلما ظهر عينها تحلت بتلك الحلية فإياك أن تقول قد خرج هذا عن طوره بوصف ربه فإنّ الله تعالى ما نزع وصفه وأعطاه إيّاه، وإنما وقع الشبه في اللفظ والمعنى معاً عند غير المحقق فيقول هذا هو هذا وقد علمنا أنّ هذا ليس هذا، وهذا ينبغي لهذا ولا ينبغي لهذا فليكن عند من لا ينبغي له عارية وأمانة وهذا قصور وكلام من عمي عن إدراك الحقائق فإن هذا ولا بد ينبغي له هذا فليس الرب هو العبد، وإن قيل في الله سبحانه إنه عالم وقيل في العبد إنه عالم وكذلك الحي والمريد والسميع والبصير وسائر الصفات والإدراكات فإياك أن تجعل حياة الحق هي حياة العبد في الحد فتلزمك المحالات، فإذا جعلت حياة الرب على ما تستحقه الربوبية، وحياة العبد على ما يستحقه الكون فقد انبغى للعبد أن يكون حياً، ولو لم ينبغ له ذلك لم يصح أن يكون الحق آمراً ولا قاهراً إلا لنفسه، ويتنزه تعالى أن يكون مأموراً أو مقهوراً، فإذا ثبت أن يكون المأمور والمقهور أمراً آخر وعيناً أخرى فلا بد أن يكون حياً عالماًًً مريداً متمكناً مما يراد به هكذا تعطي الحقائق.)

وقال في الفصل الثالث :(وقد ثبت أنه لا مناسبة بين الله تعالى وبين خلقه من جهة المناسبة التي بين الأشياء وهي مناسبة الجنس أو النوع أو الشخص فليس لنا علم متقدم بشيء فندرك به ذات الحق لما بينهما من المناسبة.

فالله تعالى لا يعلم بالدليل أبداً لكن يعلم أنه موجود وأنّ العالم مفتقر إليه افتقاراً ذاتياً لا محيص له عنه ألبتة قال الله تعالى (يا أيها الناس أنتم الفقراء إلى الله والله هو الغني الحميد).صدق الله العظيم.

ومن عرف عقيد الشيخ بن عربي تأكد  أنها عقيدة الصحابة والتابعين لهم بإحسان ،وقد  قال  الشيخ:(تعالى الله أن تحله الحوادث أو يحلها أو تكون قبله أو يكون بعدها).

ومن قوله في مكان آخر:(ما قال بالإتحاد إلا أهل الإلحاد ومن قال بالحلول فدينه معلول).

إن الشيخ رحمه الله بريء من عقيدة الوحدة  المادية المطلقة ومن عقيدة الحلول خلافاً لما يظنه البعض .والتي حاول المستشرقون المحتلفين به زورا وبهتانا  لغاية في أنفسهم ، إلباسه ثوب القول بوحدة الوجود

وقد ورد في “الفتوحات المكية” لابن عربي [ج1/ص: 15]، ما نصه:

الرب حق والعبد حق **** يا ليت شعري من المكلف‏؟

إن قلت عبد فذاك ميت **** أو قلت رب أنى يكلف‏؟

فهنا يقصد الرب حق في ربوبيته

والعبد حق في عبوديته

ياليت شعري من المكلف. ؟؟

اعتبر التكليف هو الفارق بين العبد والرب لان الرب لا يكلف.

ثم استدل في البيت الثاني على ان الرب حي لا يموت وان من يموت لا يكون ربا فقال. :ان قلت عبد فذاك ميت…

اي كل عبد سيموت ومحال ان يكون رب.

او قلت رب اني يكلف. ؟؟؟

وهنا ايضا يوضح ان الرب لا يكلف انما التكليف للعبد ولا قوة الا بالله.

ومن ذلك في قوله الموافق لأهل السنة والجماعة ( التأبيد للمؤمنين في النعيم المقيم والتأبيد للكافرين والمنافقين في العذاب الأليم حق ).

وكذلك في أقواله الأخرى فكلمات الشيخ الأكبر دالة على براءته من عقيدة الحلول والاتحاد وما دس عليه كثير.

اما الذين كفروا ا فهم غير معاصرين له  وكانت حجتهم واهية.

 وكان من أوائل الذين كفّروا الشيخ محيي الدين ابن العربي وانتقدوه ابن تيميّة.

لكنه خفف من موقفه تجاهه  وقد قال الشيخ في مجموع الفتاوى لابن تيمية  ج3ص 143:

(مقالة ابن عربى صاحب فصوص الحكم وهى مع كونها كفرا فهو أقربهم إلى الاسلام لما يوجد في كلامه من الكلام الجيد كثيرا ولأنه لا يثبت على الاتحاد ثبات غيره بل هو كثير الاضطراب فيه وانما هو قائم مع خياله الواسع الذى يتخيل فيه الحق تارة والباطل أخرى والله أعلم بما مات عليه) انتهى .

 والشيخ بن تيمية  لم يكن معاصرا له للشيخ الأكبر ابن عربي رضي الله عنه  الذي لم ينتقده أهل عصره من الائمة والعلماء

فمن معاصري ابن عربي. الفيلسوف والفقيه والطبيبة ابن رشد

والامام  فخر الدين الرازي ، صاحب تفسير مفاتيح الغيب

وربيبه صدر الدين القونوي وشهاب الدين السهروردي صاحب عوارف المعارف الذي قال عنه بعد ما جلس معه وسئل: ما تقول في ابن عربي؟ فقال: «بحر الحقائق».

  والشيخ  العز بن عبد السلام وقد حكى العلامة ابن دقيق العيد شيخنا أنه سمع الشيخ عز الدين ابن عبد السلام يقول عن ابن العربي : شيخ سوء كذاب ، يقول بقدم العالم ، ولا يحرم فرجا .

هذا ما أورده الذهبى فى السير على إطلاقه … والجواب وبيان حقيقة كلام الشيخ عز الدين بن عبد السلام يذكره لنا الشيخ أحمد بن محمد المقرى التلمسانى حيث قال فى كتابه ” نفح الطيب من غصن الأندلس الرطيب ” (2/178) نقلا عن سيدى الشعرانى ما نصه : (وأما احتجاجه – أى الخصم – بقول شيخ الإسلام عزّ الدين بن عبد السلام شيخ مشايخ الشافعية .. فغير صحيح ، بل كذب وزور .فقد روينا عن شيخ الإسلام صلاح الدين العلائي عن جماعة من المشايخ كلّهم عن خادم الشيخ عزّ الدين بن عبد السلام أنّه قال :كنّا في مجلس الدرس بين يدي الشيخ عزّ الدين بن عبد السلام ، فجاء في باب الردة ذكر لفظة الزنديق ، فقال بعضهم : هل هي عربية أو عجميّة ؟

فقال بعض الفضلاء : إنّما هي فارسيّة معرّبة ، أصلها زن دين ، أي على دين المرأة ، وهو الذي يضمر الكفر ويظهر الإيمان .

فقال بعضهم : مثل من ؟

فقال آخر إلى جانب الشيخ: مثل ابن عربي بدمشق .

فلم ينطق الشيخ ولم يردّ عليه .

قال الخادم : وكنت صائماً ذلك اليوم ، فاتفق أن الشيخ دعاني للإفطار معه ، فحضرت ووجدت منه إقبالاً ولطفاً ، فقلت له :

يا سيّدي ، هل تعرف القطب الغوث الفرد في زماننا ؟

فقال : ما لك ولهذا .. كُل ، فعرفت أنّه يعرفه ، فتركت الأكل وقلت له : لوجه الله تعالى عرّفني به ، من هو .. فتبسّم رحمه الله تعالى وقال لي :الشيخ محيي الدين بن عربي .فأطرقت ساكتاً متحيراً ،فقال : ما لك ؟فقلت : يا سيّدي ، قد حرت .

قال : لم ؟ قلت : أليس اليوم قال ذلك الرجل إلى جانبك ما قال في ابن عربي وأنت ساكت !!فقال : أسكت ، ذلك مجلس الفقهاء .

هذا الذي روي لنا بالسند الصحيح عن شيخ الإسلام عزّ الدين بن عبد السلام )

.

والشيخ بن عربي بريء من القول بالوحدة والاتحاد والدليل على ذلك من كتابه الموسوعي الفتوحات المكية ففي باب وصل في أسرار أمّ القرآن:(ذات الحق ليست ذات العبد ، إذ لا طاقة للمحدَث على حمل القديم ).

قال في باب الأسرار:

(من قال بالحلول فهو معلول، فإِن القول بالحلول مرض لا يزول، وما قال بالاتحاد إِلا أهل الإِلحاد، كما أن القائل بالحلول من أهل الجهل والفضول).

وقال في باب الأسرار أيضاً:

(الحادث لا يخلو عن الحوادث، ولو حل بالحادثِ القديمُ لصح قول أهل التجسيم، فالقديم لا يحل ولا يكون محلاً) [الفتوحات المكية للشيخ الأكبر محي الدين بن عربي، كما في اليواقيت والجواهر ج1. ص80-81].

وقال في الباب التاسع والخمسين وخمسمائة بعد كلام طويل:

(وهذا يدلك على أن العالم ما هو عين الحق، ولا حل فيه الحق، إِذ لو كان عينَ الحق، أو حلَّ فيه لما كان تعالى قديماً ولا بديعاً)[الفتوحات المكية للشيخ الأكبر محي الدين بن عربي، كما في اليواقيت والجواهر ج1. ص80-81]..

وقال في الباب الرابع عشر وثلاثمائة:

(و صحَّ أن يرقى الإِنسان عن إِنسانيته، والمَلكُ عن ملكيته، ويتحد بخالقه تعالى، لصحَّ انقلاب الحقائق، وخرج الإِله عن كونه إِلهاً، وصار الحق خلقاً، والخلق حقاً، وما وثق أحد بعلم، وصار المحال واجباً، فلا سبيل إِلى قلب الحقائق أبداً) [الفتوحات المكية للشيخ الأكبر محي الدين بن عربي، كما في اليواقيت والجواهر ج1. ص80-81].

يقول الشعراني رحمه الله تعالى:

(ولعمري إِذا كان عُبَّاد الأوثان لم يتجرؤوا على أن يجعلوا آلهتهم عين الله؛ بل قالوا: ما نعبدهم إِلا ليقربونا إِلى الله زلفى، فكيف يُظَن بأولياء الله تعالى أنهم يدَّعون الاتحاد بالحق على حدٌّ ما تتعقله العقول الضعيفة؟! هذا كالمحال في حقهم رضي الله تعالى عنهم، إِذ ما مِن وليٌّ إِلا وهو يعلم أن حقيقته تعالى مخالفة لسائر الحقائق، وأنها خارجة عن جميع معلومات الخلائق، لأن الله بكل شيء محيط) [اليواقيت والجواهر ج1 ص83]..

ويقول الشيخ الأكبر صراحة في الباب الخامس والثمانين ومائة:

“إذ يستحيل تبدّل الحقائق؛ فالعبد عبد، والرب رب، والحق حق، والخلق خلق”.الفتوحات المكية: ج2ص371.

ويقول أيضاً:(فلا يجتمع الخلق والحق أبداً في وجه من الوجوه، فالعبدُ عبدٌ لنفسه، والربُّ ربٌّ لنفسه، فالعبودية لا تصح إلا لمن يعرفها فيعلم أنه ليس فيها من الربوبية شيء، والربوبية لا تصح إلا لمن يعرفها فيعرف أنه ليس فيها من العبوديةشيء).

الفتوحات المكية: ج3ص378.

وقال:(من فصل بينك وبينه أثبت عينك وعينه؛ ألا تراه

تعالى قد أثبت عينك وفصل كونك بقوله، إن كنت تنتبه،

“كنت سمعه الذي يسمع به”، فأثبتك بإعادة الضمير إليك ليدل عليك. وما قال بالاتحاد إلاأهل الإلحاد) الفتوحات المكية: ج4ص372.

وفي الباب الثامن والأربعين ومائتين قال:

(ومن قال بالحلول فهو معلول”.الفتوحات المكية: ج4ص379

وفي الباب الثالث عشر وثلاثمائة قال:(والحق تعالى منزّه الذات عن الحلول في الذوات)

الفتوحات المكية: ج3ص52، وكذلك: ج2ص614.

قال العلامة ابن عابدين الحنفي في كتابه رد المحتار على الدر المختار المشهور بحاشية ابن عابدين (16/300):

(وَحَسْبُك قَوْلُ زَرُّوقٍ وَغَيْرِهِ مِنْ الْفُحُولِ ذَاكِرِينَ بَعْضَ فَضْلِهِ ، هُوَ أَعْرَفُ بِكُلِّ فَنٍّ مِنْ أَهْلِهِ ، وَإِذَا أُطْلِقَ الشَّيْخُ الْأَكْبَرُ فِي عُرْفِ الْقَوْمِ فَهُوَ الْمُرَادُ ، وَتَمَامُهُ فِي ط عَنْ طَبَقَاتِ الْمُنَاوِيِّ ( قَوْلُهُ بَعْضُ الْمُتَصَلَّفِينَ ) أَيْ الْمُتَكَلِّفِينَ ( قَوْلُهُ لَكِنَّا تَيَقَّنَّا إلَخْ ) لَعَلَّ تَيَقُّنَهُ بِذَلِكَ بِدَلِيلٍ ثَبَتَ عِنْدَهُ أَوْ بِسَبَبِ عَدَمِ اطِّلَاعِهِ عَلَى مُرَادِ الشَّيْخِ فِيهَا وَأَنَّهُ لَا يُمْكِنُ تَأْوِيلُهَا فَتَعَيَّنَ عِنْدَهُ أَنَّهَا مُفْتَرَاةٌ عَلَيْهِ ؛ كَمَا وَقَعَ لِلْعَارِفِ الشَّعْرَانِيِّ أَنَّهُ افْتَرَى عَلَيْهِ بَعْضُ الْحُسَّادِ فِي بَعْضِ كُتُبِهِ أَشْيَاءَ مُكَفِّرَةً وَأَشَاعَهَا عَنْهُ حَتَّى اجْتَمَعَ بِعُلَمَاءِ عَصْرِهِ وَأَخْرَجَ لَهُمْ مُسَوَّدَةَ كِتَابِهِ الَّتِي عَلَيْهَا خُطُوطُ الْعُلَمَاءِ فَإِذَا هِيَ خَالِيَةٌ عَمَّا اُفْتُرِيَ عَلَيْهِ هَذَا .

وَمَنْ أَرَادَ شَرْحَ كَلِمَاتِهِ الَّتِي اعْتَرَضَهَا الْمُنْكِرُونَ فَلْيَرْجِعْ إلَى كِتَابِ الرَّدِّ الْمَتِينِ عَلَى مُنْتَقِصِ الْعَارِفِ مُحْيِي الدِّينِ لِسَيِّدِي عَبْدِ الْغَنِيِّ النَّابْلُسِيِّ ( قَوْلُهُ فَيَجِبُ الِاحْتِيَاطُ إلَخْ ) لِأَنَّهُ إنْ ثَبَتَ افْتِرَاؤُهَا فَالْأَمْرُ ظَاهِرٌ ، وَإِلَّا فَلَا يَفْهَمُ كُلُّ أَحَدٍ مُرَادَهُ فِيهَا ، فَيَخْشَى عَلَى النَّاظِرِ فِيهَا مِنْ الْإِنْكَارِ عَلَيْهِ أَوْ فَهِمَ خِلَافَ الْمُرَادِ .

وَلِلْمُحَقِّقِ ابْنِ كَمَالٍ بَاشَا فَتْوَى قَالَ فِيهَا بَعْدَ مَا أَبْدَعَ فِي مَدْحِهِ : وَلَهُ مُصَنَّفَاتٌ كَثِيرَةٌ : مِنْهَا فُصُوصٌ حُكْمِيَّةٌ وَفُتُوحَاتٌ مَكِّيَّةٌ بَعْضُ مَسَائِلِهَا مَفْهُومُ النَّصِّ وَالْمَعْنَى وَمُوَافِقٌ لِلْأَمْرِ الْإِلَهِيِّ وَالشَّرْعِ النَّبَوِيِّ ؛ وَبَعْضُهَا خَفِيٌّ عَنْ إدْرَاكِ أَهْلِ الظَّاهِرِ دُونَ أَهْلِ الْكَشْفِ وَالْبَاطِنِ ، وَمَنْ لَمْ يَطَّلِعْ عَلَى الْمَعْنَى الْمُرَامِ يَجِبْ عَلَيْهِ السُّكُوتُ فِي هَذَا الْمَقَامِ وَلِقَوْلِهِ تَعَالَى – { وَلَا تَقْفُ مَا لَيْسَ لَك بِهِ عِلْمٌ إنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤَادَ كُلُّ أُولَئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْئُولًا) انتهى.

وها انتم ترون انه لم يصح شيء مما أنكره المنكرون على أهل التصوف وعلى الشيخ الاكبر. وقد قرأتم كلام العلماء من أهل السنة والجماعة في حقه ، وقد قرأتم عقيدته على لسانه كما كتبها بالحرف في الفتوحات المكية ، وعن انكاره لوحدة الوجود بنقولات متعددة من كتابه بالأرقام الصفحات ومن شاء الرجوع اليه فليرحع  للكتاب فهو موجود ومحقق ، نعم هناك بعض الاقوال المدسوسة عليه وذلك كان شائعة في ذلك الزمان إذ لم تكن حقوق ملكية فكرية وأدبية ومن كتب تم لنتحالها ونسبتها لغير اهلها ، ولذلك بكثير من الكفريات دست في كتب ابن عربي لتشويهه، حقدا عليها ولمخالفته لعلماء أهل الظاهر ، كما قال الشيخ عبد الوهاب الشعراني بكثير من الاقوال توحي بالاتحاد ، والشيخ بريء منها بما ورد من تصريح واضح بين ، في التفريق بين العبد والربح وانه ملائم الخلق  وليس فيهم شيء منه وليس فيه شيء منهم ،

لقد اضاف أهل التصوف الكثير من المعارف للإسلام والمسلمين واثروا الثقافة العربية والإسلامية واهتموا بالمضامين والقلوب والتدين الحقيقي وليس التدين الشكلي ، واهتموا بالتربية الروحية وتزكية الانفس وجاهدوا فقدموا علوما وأعمالا يشهد عليها التاريخ ،   ويعتبر التصوف أرقى لحظة فكرية وفلسفية جمالية جلالية عرفها  تاريخ الفكر الاسلامي فما الانكار والاستعجال ولنقارن بين ما كتبوا وكتب غيرهم فهذا المحاسبي يكتب في التوهم ومراقبة أحوال النفس والرعاية لحقوق الله وهذا الغزالي يكتب عن تزكية الانفس ، وإحياء علوم الدين وتهافت الفلاسفة والرد على الباطنية والمظنون به على غير أهله ،  وهذا عمر المختار وهو المتصوف الزاهد يموتا شنقا  بعد ان جاهد وقاتل في سبيل الاسلام وليبيا ضد الطليان وهذا الامير عبد القادر يجاهد الاستعمار الفرنسي وينفى الى الشرق ، وغيرهم وغيرهم ،كثير مالكم كيف تحكمون.

  قال تعالى :(أَلا إِنَّ أَوْلِيَاءَ اللَّهِ لا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ)

.قال الله تعالى:(يا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمْ وَاخْشَوْا يَوْماً لا يَجْزِي والِدٌ عَنْ وَلَدِهِ وَلا مَوْلُودٌ هُوَ جازٍ عَنْ والِدِهِ شَيْئاً إِنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ فَلا تَغُرَّنَّكُمُ الْحَياةُ الدُّنْيا وَلا يَغُرَّنَّكُمْ بِاللَّهِ الْغَرُورُ)

وقال سبحانه:(يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَلْتَنْظُرْ نَفْسٌ ما قَدَّمَتْ لِغَدٍ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِما تَعْمَلُونَ)

.وقال تعالى :(وَفَرِحُوا بِالْحَياةِ الدُّنْيا وَمَا الْحَياةُ الدُّنْيا فِي الآخِرَةِ إِلَّا مَتاعٌ )

وقال تعالى (إنَّ الَّذِينَ لا يَرْجُونَ لِقاءَنا وَرَضُوا بِالْحَياةِ الدُّنْيا وَاطْمَأَنُّوا بِها وَالَّذِينَ هُمْ عَنْ آياتِنا غافِلُونَ أُولئِكَ مَأْواهُمُ النَّارُ بِما كانُوا يَكْسِبُونَ )

وقال تعالى:(إنما مَثَلُ الْحَياةِ الدُّنْيا كَماءٍ أَنْزَلْناهُ مِنَ السَّماءِ فَاخْتَلَطَ بِهِ نَباتُ الأَرْضِ مِمَّا يَأْكُلُ النَّاسُ وَالأَنْعامُ حَتَّى إِذا أَخَذَتِ الأَرْضُ زُخْرُفَها وَازَّيَّنَتْ وَظَنَّ أَهْلُها أَنَّهُمْ قادِرُونَ عَلَيْها أَتاها أَمْرُنا لَيْلًا أَوْ نَهاراً فَجَعَلْناها حَصِيداً كَأَنْ لَمْ تَغْنَ بِالأَمْسِ كَذلِكَ نُفَصِّلُ الآياتِ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ) .

وقال سبحانه :(مَنْ كانَ يُرِيدُ حَرْثَ الآخِرَةِ نَزِدْ لَهُ فِي حَرْثِهِ وَمَنْ كانَ يُرِيدُ حَرْثَ الدُّنْيا نُؤْتِهِ مِنْها وَما لَهُ فِي الآخِرَةِ مِنْ نَصِيبٍ ).

المراجع والمصادر :

-الفتوحات المكية / لمحيي الدين بن العربي ؛ تحقيق عبد العزيز سلطان المنصوب طبعة المجلس الأعلى للثقافة .

اليواقيت والجواهر في بيان عقائد الأكبر  -للشيخ عبد الوهاب الشعراني. طبعة دار الكتب العلمية .

الكبريت الاحمر في بيان علوم الشيخ الأكبر. للشيخ عبد الوهاب الشعراني دار  الكتب العلمية

 ابن عربي   سيرته وفكره لكلود عداس.. طبعة دار المدار الاسلامي

بحرٌ بلا ساحل : ابن عربي، الكتاب والشريعة ميشيل شودكيفيتش

هكذا تكلم ابن عربي لحامد نصر  حامد ابو زيد . المركز الثقافي العربي

الكواكب الدرية فى تراجم السادة الصوفية والطبقات الصغرى – عبد الرؤوف المناوى. دار الكتب العلمية

طبقات الأولياء  ومناقب الاصفياء لابن الملقن. مكتبة الخانجي

طبقات الصوفية، هو كتاب في تراجم الصوفية من أهل السنة والجماعة لمؤلفه أبو عبد الرحمن السلمي. مكتبة الخانجي

الرسالة القشيرية لمؤلفها  عبد الكريم  القشيري. دار الكتب العلمية

نفحات الأنس   من حضرات القدس نور الدين الجامي .دار الكتب العلمية

كتاب اللمع في التصوف لأبي نصر السراج الطوسي. دار الوراق تحقيق رنولد نيكلسون

كتاب كتاب التعرف لمذهب أهل التصوف أبو بكر محمد الكلابادي دار صادر  .

جامع الرسائل للشيخ ابن تيمية دار عالم الفوائد

جامع الرسائل لابن تيمية تحقيق  الدكتور محمد رشاد سالم  طبعة دار العطاء ودار التدمرية .

مجموع فتاوى ابن تيمية طبعة دار ابن حزم . مدارج السالكين للشيخ ابن القيم الجوزية طبعة دار الصميدعي وطبعة دار طيبة.

Share
  • Link copied
المقال التالي