على غير المعتاد لم نسمع للإخوة العرب وأقصد عرب الخليج، أي همس أو جهر، للتضامن مع المغرب ولو بشكل رمزي، كما جرت العادة أثناء أزمات كثيرة عرفها المغرب.
كانت دول الخليج وعلى رأسها السعودية والإمارات العربية المتحدة أول المساهمين ماديا، كلما حل بالمغرب أمر جلل، كما حدث إبان فترات جفاف عرفها المغرب أو هجوم للجراد على البلاد.
هذه الدول كان المغرب دائما بجانبها. بل إن دماء مغربية زكية سكبت دفاعا عن قضاياها، وعن حرمتها. لكن مكر السياسة وخريطة المصالح الجديدة، التي تريد هذه الدول فرضها دفعتها للتنكر في وقت غير مناسب، للأخوة بين قوسين. أخوة أصبحت في مهب الريح ودخلت ميزان المصالح والخدمات.
في درس آخر وبالأمس القريب، هدد وزير الصناعة والتجارة مولاي حفيظ العلمي، بتمزيق اتفاق التبادل الحر مع تركيا، بسبب اختلال الميزان التجاري معها. فجاء فيروس كورونا، ليبرز قصر نظر الوزير، وهو رجل التدبير والتوقع والاستشراف والتخطيط المقاولاتي المستقبلي وتوقع الأزمات. جاء الفيروس ليبقي على أسواق تركيا بالمغرب، وهي أسواق القرب من الفئات الهشة تساهم في استقرار القدرة الشرائية. أسواق تنفس عن جيوب هذه الفئات في هذه الأزمة، وتوفر الحاجات المعيشية جنبا إلى جنب مع باقي التجار المغاربة. ولو أن تركيا فكرت بنفس عصبية العلمي، وأغلقت أسواقها الاجتماعية بالمغرب، لكان تدبير التموين يعيش أزمة مضاعفة أكثر حدة.
وكنا على وشك أزمة ديبلوماسية وسياسية غير مسبوقة مع تركيا، بسبب اجتهاد الوزيرين مولاي حفيظ العلمي وناصر بوريطة عنظما وصف الأخير التدخلات في ليبيا وصفا يتطابق مع مراد دول خليجية.
ايضا فرنسا الصديقة، التي أكلت من كل شبر في المغرب، سواء أثناء الاستعمار أو بعد الاستقلال، استفادت من كل الخوصصات و”العوممات”، وحازت الصفقات في القطارات والمطارات والطرقات وغيرها كثير جدا جدا، تنكرت لنا ونحن أحد قنوات ثروتها، ولم تبد أي حس لدعمنا. بل أكثر من ذلك وبخنا رئيسها وأمرنا بشكل خارج المألوف والعرف الديبلوماسي، بمساعدة أبناء بلده العالقين عندنا. فعل ذلك بدل أن يرسل طائراته، كما كان يفعل مع دول فقيرة وهو يعلم محدودية إمكاناتنا، لإرجاعهم إلى فرنسا، وفيها يأتينا بأبنائنا العالقين عنده. ذلك أنه سيعطينا فتاتا مما أكلته بلاده من موائد بلادنا. فرنسا الصديقة، القوة الكبرى، إذا أرادت أن تستحق هذا اللقب فعليها أن تكون جديرة به، وأن تدخل قلوب المغاربة في عز هذه الأزمة القاتلة.
في المقابل، الصين التي تحاصر فرنسا مصالحها عندنا، والتي كانت تطمع في منافسة فرنسا في الحصول على صفقة من القطار السريع التيجيفي في المغرب، والتي أفادت تقارير أن فرنسا ستضغط على المغرب لمنع ذلك، كانت أكثر قربا وتفهما ومساعدة لنا، في ظل الجائحة العالمية، وعبرت عن ذلك بتفاعلها مع المغرب بتقديم المساعدات الممكنة لمحاصرة الوباء الغامض.
وقد يتم الدفع ضد هذا الرأي بكون كل دولة مشغولة في أزمتها المتشابهة مع أزمتنا، فلم إذن تتسابق دول كثيرة على طلب دعم الصين مثلا؟ فالدعم ليس بالضرورة ملايير الدورلات التي ينفقها العرب على خراب بيوتهم، بل هو فعل إنساني ذا قيمة آنية وبعدية، ولو كان مجرد كلمة خير في زمن أغبر.
في الحقيقة المغاربة أصلاء، لم ولن يقبلوا أو يطلبوا شيئا من الإخوة العرب. فالسواعد موجودة والتضامن موجود بشكل غير مسبوق، والتطوع وافر بصورة منقطعة النظير. وسيخرج المغرب من هذه الأزمة الأكبر والأخطر في العهد الجديد، والتي تميز تدبيرها بحكمة وإنسانية وعقلانية وحزم، جعلتنا جميعا فخورين بالانتماء إلى هذه الجماعة والوطن، وجعلتنا أكثر إصرارا على المصير المشترك ، وسيخرج منها البلد أقوى وأكثر تنظيما، متنبهين بشكل أعمق إلى جيل الأزمة جيل التضامن والتطوع، وأكثر انضباطا ووحدة بدون أي مساعدة من أشقاء وأصدقاء مزورين.
تعليقات الزوار ( 0 )