تحتاج معظم الحياة إلى الأكسجين لتزدهر، ويظهر العلم أن الأكسجين (₂O) بدأ بالظهور في الغلاف الجوي للأرض بكميات كبيرة منذ حوالي 2.4 مليار سنة، إلا أنه كانت هناك كمية صغيرة من الأكسجين قد ضخت قبل حوالي 100 مليون سنة من ذلك التاريخ. وقد كان أصل تلك الكمية الصغيرة لغزا حتى الآن، بحسب التقرير الذي نشرته ساينس ألرت (Science Alert) في 29 أغسطس/آب الماضي.
البراكين هي السبب
وتشير دراسة حديثة نشرت في دورية بناس (PNAS) بتاريخ 17 أغسطس/آب الماضي، إلى البراكين كسبب محتمل لحدث النفث الأولي للأكسجين الذي سبق الحدث الرئيسي، ومن خلال تحليل سجلات الصخور اكتشف الباحثون زيادة مقابلة في مستويات الزئبق والتي تشير إلى نشاط بركاني.
ويقترح الباحثون أن هذا النشاط أدى إلى حقول من الحمم والرماد البركاني الغنية بالمغذيات، مما أدى بعد ذلك إلى إطلاق هذه العناصر الغذائية في الأنهار والمناطق الساحلية من خلال التجوية (وهي عملية تفتت وتحلل الصخور والتربة والمعادن على سطح الأرض أو قربه، بواسطة العوامل الجوية السائدة دون نقل الفتات من مكانه)، وهذا بدوره من شأنه أن يمكّن البكتيريا الزرقاء والكائنات الوحيدة الخلية الأخرى من الازدهار والبدء في ضخ الأكسجين.
يقول عالم الجيولوجيا روجر بويك، من جامعة واشنطن -في بيان نشر على موقع الجامعة في 25 أغسطس/آب الماضي- “تشير دراستنا إلى أنه بالنسبة لضخة الأكسجين العابرة هذه، فهي ما عززت الزيادة في إنتاج الأكسجين، وتعويض انخفاض استهلاكه بواسطة الصخور أو غيرها من المواد غير الحية. إنه أمر مهم لأن وجود الأكسجين في الغلاف الجوي أمر أساسي، إنه المحرك الأكبر لتطور الحياة الكبيرة والمعقدة”.
السجلات الجيولوجية تدعم الفرضية
ونظر بويك وزملاؤه في عينات الحفر العميق المأخوذة من جبل ماكريا شال في غرب أستراليا، والتي تحتوي على جداول زمنية جيولوجية تمتد إلى 2.5 مليار سنة، أي إلى ما قبل بدء الحدث الأكبر لضخ الأكسجين.
وأقنع كل من تخصيب الزئبق وتجوية الأكسدة الباحثين بأن الانفجارات البركانية وما تلاها من ظهور الفوسفور (وهو عنصر غذائي رئيسي لتعديل النشاط البيولوجي عبر نطاقات زمنية طويلة)، قد لعب دورا رئيسيا في الارتفاع المبكر للأكسجين.
وعلى الرغم من أنه ليس من الواضح بالضبط أين حدث هذا النشاط البركاني على الأرض، فإن السجلات الجيولوجية من مواقع في الهند وكندا -من بين مواقع أخرى- تدعم فرضية البراكين وتدفقات الحمم البركانية في هذا الوقت.
تقول عالمة الأحياء الفلكية جانا مزنيروفا من جامعة واشنطن “أثناء التجوية في الغلاف الجوي للدهر العتيق (الأركي)، حدث تحلل للصخور البازلتية الجديدة مطلقة الفوسفور الهام والأساسي في الأنهار، من الممكن أن هذا ما غذى الميكروبات التي كانت تعيش في المناطق الساحلية الضحلة ثم أدى إلى زيادة الإنتاجية البيولوجية، والذي بدوره أدى فيما بعد إلى ارتفاع نسبة الأكسجين”.
التجوية في الغلاف الجوي للدهر العتيق وتحلل الصخور أدى في النهاية لارتفاع نسبة الأكسجين (يوريك ألرت).
ارتفاعات أخرى للأكسجين
ربما كانت هناك ارتفاعات أكسجين أخرى قبل أن يبدأ الغلاف الجوي للأرض في التحول بشكل قوي، ولكن حتى لو كانت هذه الدراسة تشرح واحدا منها فقط، فإنها لا تزال بمثابة إضافة لأدلة مفيدة للنظر في اللحظات الأولى من الحياة على كوكبنا.
وكما هي الحال مع أي دراسة من هذا النوع، هناك آثار للبحث على دراسة تغير المناخ (توضح لنا كيف تكيفت الحياة مع كمية قليلة من الأكسجين) وعلى البحث عن الحياة في الفضاء (توضح لنا نوع الظروف الجوية التي يمكن أن توجد فيها الكائنات الحية الدقيقة).
وتبقى الأسئلة حول كيفية بدء الحياة على الأرض لأول مرة في شكلها الأساسي، قبل مليار سنة من الحدث الأكبر لنفث الأكسجين، وللإجابة عن هذه الأسئلة سنحتاج إلى فهم أفضل لجيولوجيا الكوكب عبر الزمن.
تقول مزنيروفا “ما بدأ يتضح في العقود القليلة الماضية، هو أن هناك بالفعل عددا كبيرا من الروابط بين الأرض الصلبة غير الحية وتطور الحياة”.
تعليقات الزوار ( 0 )