شارك المقال
  • تم النسخ

دبلوماسي مغربي سابق يطالب فرنسا بتعويض ساكنة الريف بسبب الغازات السامة

نشرت مواقع إعلامية مغربية خبرا مفاده: أن الرئيس الفرنسي ماكرون اعترف بمسؤولية فرنسا عن استعمال دولته الغازات السامة، أو السلاح الكيماوي، المحرم أخلاقيا وبالقانون الدولي، ضد الريف أثناء مقاومة ساكنته للاستعمار الغربي، إسبانيا وفرنسا، في عشرينيات القرن العشرين دفاعا على وطنهم وحريته وسيادته، وكرامة المغاربة. وتفيد تلك المواقع كذلك أن فرنسا ستعوّض ورثة المتضررين بتلك الغازات الخطيرة.  

إذا كان الخبر صحيحا، نتمنى على فرنسا أن تعوض المنطقة، وليس ورثة المتضررين فقط، وذلك ببناء مستشفيات في الريف بخاصة وفي شمال المملكة بصفة عامة، وتجهيزها بكل متطلبات مقاومة وعلاج أمرض السرطان المتفشية في الريف بطريقة مخيفة، الناجمة عن آثار قصف فرنسا وإسبانيا بتلك الأسلحة المحرمة لكل ما يتحرك في مجموع الريف كما هو معروف في كثير من المصادر التاريخية في العالم. ويكون القصد الأساسي من تعويض المنطقة لا الأشخاص فقط، بل علاج المصابين، ومواجهة تداعيات قصف المنطقة بالغازات الكيماوية السامة. ويعلم الجميع أن المنطقة تعرضت للتهميش والحرمان، منذ تلك الحرب الكولونيالية القذرة إلى اليوم. 

نعلم أن هيئة الإنصاف والمصالحة المغربية في عهد الملك محمد السادس، التي مارست عملها بين سنتي 2004 و2005، كان من أهدافها المعلنة، جبر الضرر الجماعي للمنطقة. إضافة إلى ما أُطلق عليه يومذاك “المصالحة مع الريف”، لم تحقق شيئا ذا قيمة للساكنة. وخاصة عدم بناء المستشفى الموعود، المجهز تجهيزا كاملا من الناحية التقنية، وبالأطقم الطبية المتخصصة وشبه الطبية، وبالمساعدين الإداريين، قصد تحقيق العلاج الناجع لأمراض السرطان المنتشرة بقوة في المنطقة، بسبب تداعيات القصف الاستعماري بالكيماوي، وإنشاء جامعة علمية، ومطالبة القوى الاستعمارية السابقة من الاعتراف بجرائمها في الريف.  

انتهت مهام هيئة الإنصاف في حدودها الزمنية، تطبيقا لظهير تأسيسها ، واسندت توصياتها إلى المجلس الوطني لحقوق الإنسان لكي يفعّلها. لكن الجميع يعرف أن المجلس الوطني لحقوق الإنسان، وهيئات الدولة الرسمية الأخرى الموصوفة بالدفاع عن حقوق الإنسان أمست مجندة لتبرير سلوك السلطة والدفاع عن رؤاها ومواقفها الرسمية والدفاع عنها، بدلا عن تنفيذ توصيات هيئة الإنصاف والمصالحة. 

 ومن جانب آخر، نكرر القول: إذا كان الخبر المنسوب إلى الرئاسة الفرنسية صحيحا، نتمنى عليها أن يوظف الجزء الأهم من التعويضات المحتملة لإنجاز البنية التحتية في المنطقة التي ستساهم فعلا على بناء مستشفيات لعلاج الأمراض الناجمة عن استعمال السلاح الكيماوي المحرّم أخلاقيا وقانونيا، وعلى بناء جامعة علمية تنجز أبحاثا رائدة في تقدم وتنمية الريف وشمال المملكة المعاقب بشكل متواصل، وعلى بناء مصانع التي ستساهم في تحقيق العيش الكريم للساكنة. إضافة إلى القيام بمساعي حقيقية لدى السلطة في المغرب لإطلاق سراح المعتقلين الذين اعتقلوا بسبب مطالبتهم بالجامعة والمستشفى والمصنع، أثناء الحراك الاجتماعي في الريف سنتي 2016 – 2017

وإذا فعلت فرنسا ما تم الإخبار به سيكون ذلك بمثابة اعتذار للمغاربة عن سلوكها الاستعماري، وعن تجاوز سياستها الكولونيالية التي اعتمدت على ما أسمته “سياسة التهدئة”، أي الاعتماد على القوة الغاشمة ضد الشعوب المدافعة على حريتها؛ ومن ثمة إعادة الاعتبار لروح ثورتها الشهيرة التي كانت رائدة في احترام حقوق الإنسان والدفاع عنها

كما نتمنى على الجهات الني أذاعت الخبر أن تنشر ما يوثقه، لأننا نعرف أن كثيرا من الأخبار تُجهض قبل أن تولد، أو اعتبار ترويجها قبل العمل بها كبالون اختبار لا غير؛ لأن من خصائص الوثيقة أنها شهادة تؤكد أولا على مصداقية المصدر الصادرة عنه في حال تحقيقها على أرض الواقع، ووثيقة للمستقبل كذلك ، وفي المقابل يمكن أن تندرج ضمن المنطق السياساوي لوزير الحرب في ألمانيا النازية، الذي تقول  عبارته المشهورة “أكذب، أكذب، أكذب… حتى تصدق أنت نفسك كذبك“. 

صحيح، أن من بين أخلاق السياسة في حالات اضطرارية “الكذب والمناورة”، للتغلب أو لتجاوز ظرفية معينة، لكن الصحيح الأقوى والأهم أن الأمم العظيمة، عظيمة بمصداقية أقوال قادتها وزعمائها ومسؤوليها ومفكريها، وبالوفاء لوعودهم وعهودهم وقرارتهم. ونتمنى أن تتخلص فرنسا من ثقافة الاستعمار المبنية على الكذب، وعلى ممارسة إبادة الشعوب، ولو بسياسة ” التهدئة الاستعمارية”، وتجدد روح ثورة شعبها التي خلدها إعلان وثيقة حقوق الإنسان والمواطن، لشهر غشت 1789 (La Déclaration des droits de l’Homme et du citoyen )  

يشير حديث نبوي إلى إن أعظم الموبقات التي يجب تجنبها هي الكذب. ونعلم أن الدول الفاشلة هي الدول التي تعتمد الكذب على الناس، ثم الكذب،

*كاتب ودبلوماسي مغربي سابق

شارك المقال
  • تم النسخ
المقال التالي