أصبح المغرب، في السنوات الأخيرة، رقما دبلوماسيا صعبا في القارة الأفريقية، إذ شهدت وزارة الخارجية المغربية تغيرات لافتة في تعاطيها ومواقفها مع عدد من الملفات الخارجية المهمة والحساسة، من قبيل ملف الصّحراء والتعامل مع القوى الدولية.
مناسبة الحديث، قرار المملكة المغربية استدعاء سفيرة الملك ببرلين للتشاور، بعد أن راكمت جمهورية ألمانيا الاتحادية المواقف العدائية التي تنتهك المصالح العليا للمملكة، وفق ما أشار إليه، يومه (الخميس) بلاغ وزارة الشؤون الخارجية والتعاون الإفريقي والمغاربة المقيمين بالخارج.
الدبلوماسية المغربية الجديدة وسياسة المواجهة
وفي قراءة لـ”الخلافات العميقة” التي عكرت صفو العلاقات بين الرباط وبرلين، يرى محمد شقير، المحلل السياسي والباحث في العلوم السياسية، أن المهلة التي منحها المغرب للسلطات الألمانية لتعيد النظر في السياسة المتبعة من طرفها خاصة فيما يتعلق بملف الصحراء التي تعتبر قضية المغرب الأولى، ولتوضح موقفها بشأن قضايا أخرى، لم تكن كافية للحصول على تفسيرات واضحة فيما يتعلق بهذا الشأن.
وأوضح الباحث في العلوم السياسية، في تصريح لجريدة “بناصا”، أنه سبق للمغرب أن اتخذ إجراءات فيما يتعلق بعدم تعامل المؤسسات المغربية مع السفارة الألمانية بالرباط إلى جانب مقاطعة بعض المؤسسات الألمانية الأخرى.
وأضاف، أنه إذ كان المغرب من خلال هذه الإجراءات ينتظر اتخاذ السلطات الألمانية لمواقف مغايرة للسياسة المتبعة من طرفها في الوقت الذي اكتفت فيه السلطات الألمانية بتجاهل هذه الإجراءات واعتبار أن الوضع لا يبرر مثل هذه الإجراءات، وأن العلاقات بين البلدين لا تشوبها أية خلافات جوهرية.
وشدد المصدر ذاته، أن هذا الموقف هو الذي دفع بالسلطات المغربية إلى إصدار هذا البلاغ الذي يصرح بالأسباب التي تستدعي استدعاء سفيرة المغرب بألمانيا للتشاور، مما يعتبر نوعا من التصعيد من طرف المغرب وعدم القبول بمواصلة ألمانيا لسياستها السابق فيما يتعلق سواء بمسالة الصحراء ومقاضاة أحد المدانين بالارهاب.
ولفت محمد شقير، إلى أن السبب الثاني هو تهميش الدور الإقليمي للمغرب خاصة في ظل التوتر الذي تعرفه العلاقات الخارجية بعد إسبانيا بعد استضافة رئيس الجبهة بإحدى مستشفياتها مما يعكس معالم سياسة متشددة من طرف المغرب لكي تتخذ الدول الأوربية موقفا واضحا فيما يتعلق بالصحراء خاصة بعد الاعتراف الأمريكي بمغربية الصحراء.
تيار سياسي وراء عداء ألمانيا للمغرب
من جهته، يرى هشام معتضد، الباحث في العلاقات الدولية، أن قرار استدعاء سفيرة المغرب ببرلين يأتي بعد ما سجلت ألمانيا مواقفًا سلبية إتجاه قضايا حساسة واستراتيجية للمغرب، خاصة منذ الموقف العدائي في أعقاب الإعلان الرئاسي الأمريكي الذي إعترف بسيادة المغرب على الصحراء.
وأضاف المحلل السياسي المقيم بكندا في حديث مع “بناصا” أن لسلطات الألمانية تَبَنت أسلوبا معاديا مقصودًا في سياستها الخارجية إتجاه المملكة مما دفع المؤسسات السياسية في المغرب إلى مطالبة الدولة الألمانية باستفسارات منطقية ومتماسكة للاستفزازات اللاأخلاقية التي مارستها مؤسستها الدبلوماسية إتجاه المغرب.
ولفت هشام معتضد في السياق ذاته، إلى أن بعض المكونات المؤسساتية المحسوبة على جمهورية ألمانية الاتحادية، استنفذت جميع الوسائل لمعاكسة المصالح الاستراتيجية ومواقفها في العديد من القضايا الإقليمية والدولية.
وأضاف، أن المحاربة المستمرة التي انتهجتها الدولة الألمانية، والذي من وراءه تيار سياسي داخلي، يكن عداءه للمغرب وله تأثير قوى في القرار السياسي، هدفها تقزيم دور المغرب على المستوى القاري والإقليمي، وذلك بمحاولة استبعاد المغرب من دوره الريادي والايجابي البَنَّاء في العديد من القضايا السياسية والاجتماعية على مستوى المنطقة المغاربية وإفريقيا.
وزاد، أن الرد المغربي جاء نتيجة التجاهل السلبي وغير الدبلوماسي لألمانيا على طلبات المغرب الاستفسارية و خاصة بعد إكتشاف المغرب على غياب المسؤولية السياسية لبعض مؤسسات الدولة الألمانية والمرتبطة بتدبير جانب المعلومات الحساسة والتعاون الاستراتيجي بين أجهزة البلدين.
وأشار معتضد، إلى أن العداء الكبير الذي دبرته المؤسسات الدبلوماسية الألمانية إتجاه المصالح الاستراتيجية الحساسة للمغرب، يعتبر رهان فاشل اخترته الإدارة الألمانية تحت ضغط تيار داخل الفريق الحكومي الألماني كان دائما يهدف إلى إقصاء المقاربة التشاركية والتعاون الاستراتيجي مع المغرب في السياسة الخارجية الألمانية.
اللغة القوية وحرب البلاغات في الدبلوماسية المغربية
وأبرز معتضد، أن تدبير التحركات الدبلوماسية للمغرب بات يعتمد على البراغماتية الواقعية المبنية على المصالح الاستراتيجية الحيوية بعيدًا عن المواقف العاطفية المرهونة بالظرفية الإقليمية أو الأحداث السطحية للتحركات السياسية.
وشدد المصدر ذاته، على أن الثقافة الدبلوماسية للمغرب في تنزيل سياسته الخارجية، انتقلت من التدبير التقليدي الإداري للقرار الدبلوماسي إلى تنزيل مخطط دبلوماسي منبثق من إستراتيجية متكاملة المعالم لكسب الرهانات الكبرى للدفاع عن المصالح العاليا والحيوية للمغرب.
وخلص الباحث في العلاقات الدولية، إلى أن تغيير البوصلة الدبلوماسية، مع الحفاظ على ثوابت الاستمرارية مع الحلفاء التقليديين، طبع فحوى مضامين التحركات الدبلوماسية الأخيرة للسيد بوريطة والحضور الدبلوماسي المغربي المتنوع في عدة منصات تفاعلية ومؤثرة على مستوى السياسة الخارجية الدولية و المنظمات الإقليمية.
المغرب يفضح المواقف العدائية المستمرة لألمانيا
حري بالذكر، أن وزارة الشؤون الخارجية والتعاون الإفريقي والمغاربة المقيمين بالخارج، قررت استدعاء سفيرة الملك ببرلين للتشاور، بعد أن راكمت جمهورية ألمانيا الاتحادية ” المواقف العدائية التي تنتهك المصالح العليا للمملكة“.
وأوضح البلاغ الوزارة، أن ألمانيا ” سجلت موقفا سلبيا بشأن قضية الصحراء المغربية، إذ جاء هذا الموقف العدائي في أعقاب الإعلان الرئاسي الأميركي، الذي اعترف بسيادة المغرب على صحرائه، وهو ما يعتبر موقفا خطيراً لم يتم تفسيره لحد الآن“.
وأضاف المصدر ذاته أنه ”وبالمثل، تشارك سلطات هذا البلد في مقاضاة أحد المدانين السابقين بارتكاب أعمال إرهابية، بما في ذلك كشفها عن المعلومات الحساسة التي قدمتها أجهزة الأمن المغربية إلى نظيرتها الألمانية“.
وبالإضافة إلى ذلك، يسجل البلاغ، ”هناك محاربة مستمرة، ولا هوادة فيها للدور الإقليمي الذي يلعبه المغرب، وتحديدا دور المغرب في الملف الليبي، وذلك بمحاولة استبعاد المملكة من دون مبرر من المشاركة في بعض الاجتماعات الإقليمية المخصصة لهذا الملف، كتلك التي عقدت في برلين“.
وتأسيسا على ما سبق، وبسبب هذا العداء المستمر وغير المقبول، خلص بلاغ وزارة الشؤون الخارجية والتعاون الإفريقي والمغاربة المقيمين بالخارج إلى أن المملكة المغربية، قررت استدعاء سفيرة الملك، لدى برلين للتشاور.
تعليقات الزوار ( 0 )