قال الصحافي يونس دافقير، إنه لم يسبق للعرش المغربي أن كان في وضع مريح داخل نزاعات السيادة ووحدة الأرض مثلما هو عليه الحال اليوم، وبينما انهارت دول أو صارت فاشلة، توجد الدولة المغربية الآن وهنا في أعلى مراتب قوتها في الداخل وتموقعها في الخارج.
وأضاف دافقير، ضمن مقال تحليلي له، يومه (السبت)، أنه “قد تكون هذه أكبر نجاحات الملك محمد السادس وهو يخلد الذكرى الرابعة والعشرون لتربعه على العرش. في عالم هائج يبتلع الضعفاء، لا مجال للتردد والإرتباك، ولا عروض للمحبة، المصالح وأوراق الضغط هي ما يحدد مصير الدول؛ إما أن تحضر في مركز التحولات الدولية أو يلقى بها إلى الهامش”.
وتابع، أن “هذا أصعب ما في القيادة وسط المنعرجات؛ اتخاذ القرار، وتحديد وجهة السفينة، وفي حالات البحر الهائج ليس من السهل بلوغ الوجهة، ولا تجنب مخاطر الطريق ومنها القرصنة والغرق، ابتلعت سوريا وليبيا… وانهارت تونس قبل بلوغ وجهتها الديمقراطية، يحتاج ربان السفينة إلى قراءة موج البحر جيدا، ثم اتخاذ القرار والوثوق فيه”.
وزاد، “قليلون راهنوا على صلابة الاعتراف الامريكي بالصحراء، وعلى الجدية الاسرائيلية في دعم الموقف المغربي، وقبل ذلك ساد توجس من تعدد جبهات المواجهة الدولية مع فرنسا، اسبانيا، ألمانيا، وقبلهما هولندا والسويد، يصعب أن تنجح في مواجهة الجميع دفعة واحدة، وحتى الندية مع الكبار قد تبدو مغامرة”.
ويرى دافقير، أن “نتائج هذه المواجهات مبهرة اليوم، بل إنها لم تكن متوقعة، في الواقع أبهر الملك، بعملياته الدبلوماسية الكبرى، منتقديه قبل المصفقين له، حتى معارضيه في استئناف العلاقات مع أسرائيل أبدوا تفهمهم ل ” منطق” الدولة ومصلحتها العليا، ومنهم من صمت أمام جدارة القصر في القيادة الحصرية لديبلوماسية المغرب، هذه لم تعد مسألة شروحات في المادة الدستورية، النظرية خضعت للتجريب، والنتائج اليوم قابلة للمعاينة في الميدان”.
ومنذ اعتلائه العرش سنة 1999 أطلق “ملك الفقراء” العشرات من مشاريع إعادة هيكلة المملكة، لكن أغلبها ينتمي إلى الزمن الطويل، النتائج في التعليم والمرأة والهوية الوطنية و الطاقات والتحول الصناعي والنموذج التنموي الجديد تحتاج لوقت كي تظهر، وعلى العكس من ذلك، ورغم أنه لم يدخل الساحة الدولية بقوة إلا بعد 2011,، تظهر المردودية في المجال الدبلوماسي بشكل أسرع.
واستثمر الملك كثيرا في هذا المجال الحصري الخاص به، من أفريقيا إلى كوبا وامريكا اللاتينية حتى الخليج ثم اوروبا وروسيا والصين والهند والولايات المتحدة الأمريكية فإسرائيل … انتهى زمن ” تازة قبل غزة”، وجاء وقت الرحلات المكوكية، بدا كما لو أن عرش الملك في طائرته، و من الواضح اليوم أنه زمن جني المكاسب.
وكان “الربيع العربي” ضربة غربية للأنظمة السياسية في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، أدار الملك زوابع المرحلة باقتدار، لكن المخاطر كانت ماتزال قائمة، في خطاب له أمام القمة المغربية الخليجية في أبريل 2016 عبر العاهل المغربي عن قلقه من مشاريع التجزئة والتقسيم التي قال واثقا إنها تستهدف وحدة وسيادات الدول.
وعلى مسافة سبع سنوات من هذا التاريخ يبدو التحول كبيرا، لقد تم تحويل التهديدات والمخاطر إلى فرص، والأزمات إلى مكاسب، بالنظر إلى قلق خطاب القمة الخليحية، توجد المملكة الشريفة اليوم في وضع مطمئن.
وفي عالم قيد التشكل على قواعد وأقطاب جديدة انتبه العاهل المغربي إلى أنه لابد من وضع جديد ل وفي نزاع الأرض والحدود الوطنية. وفي هذا العالم المضطرب لايوجد تأمين غلى الخطوات الدبلوماسية ولا عن مخاطر الطريق، لابد من المجازفة لكن من دون مغامرة، الاستثمار في بيئة محدودة الضمانات يتطلب قدرة كبيرة وعلى اتخاذ القرار والثقة فيه.
في هذا برع العاهل المغربي
واستثمر في توقيت جيد في الاعتراف الامريكي بالسيادة المغربية على الصحراء، وحتى إن لم تفتح واشنطن لحد الآن قنصليتها في الداخلة، فإنها فتحت أبواب مدريد، ألمانيا، إسرائيل، وضيقت الخناق على فرنسا. وكما أحدث الاعتراف الأميركي تعديلا في ميزان القوى الدولي، خلقت التفاهمات مع إسبانيا ميزان قوى إقليمي جديد، فيما يسير التقارب مع إسرائيل نحو قلب ميزان القوى الأمني الإقليمي.
وتمر الحرب الأوكرانية من دون اضطراب في العلاقة مع واشنطن أو موسكو، ليس سهلا اليوم الحفاظ على علاقة طيبة مع روسيا بوتين، وليس جيدا الدخول في سوء فهم معها أو مع أمريكا، على المرء أن يمشي فوق خيط رفيع من التوازنات الدقيقة، وكذلك هو الأمر مغربيا.
ومن الطبيعي والحالة هذه أن يقلق الشركاء القدامى، منذ بدأ ربان السفينة في تقديم سيرة ذاتية مغربية جديدة للعالم، ما انفكت المقاومات تعلن عن نفسها، لقد كانت الأشهر الأربع والعشرين الأخيرة زمن ابتزاز بامتياز، وبتلاوين متعددة، من الحياة الخاصة للملك وعائلته، إلى مؤسساته الحيوية .. كل الضربات متاحة، ولو كانت قليلة الأدب..
وشاءت الصدف أن تكون أفريقيا ساحة المواجهة مع هذا الابتزاز، في نفس التوقيت الذي شهد فيه العالم كله كيف تطرد فرنسا من مستعمراتها القديمة، كان المغرب يتوغل أكثر في عمقه الإفريقي، في الغابون عمت البهجة باستقبال العاهل المغربي، بينما كانت أصوات الاحتجاج وضرب الطناجر تلاحق الرئيس إيمانويل ماكرون في جولته الافريقية، من هناك عاد خائبا مذلولا.
وهناك وجدان وطنية عامة خلقه الملك، في وسائل التواصل الاجتماعي يمكن تلمس صعود متنام لنزعة الإعتزاز بالإنتماء الوطني، التغريدات التي تتناول المنازلات الديبلوماسية للمغرب تحظى بأكبر نسب المتابعة، كما يمكن مشاهدة الرايات الوطنية وصور الملك. وبلاغاته الرسمية، في الواقع يعيش الملك محمد السادس زمن الزعيم الوطني بامتياز.
واستثمرت الاحزاب في الخطاب السياسي التدبيري الخالص، واستثمرت الحركات الاجتماعية في الخطاب الاحتجاجي، بينما توجهت الملكية نحو الاستثمار في خطاب الوطنية المغربية، في نهاية المطاف تم استكمال الانتقال من مرحلة “الحركة الوطنية” إلى مرحلة “الوطنية الملكية”.
وأشار دافقير، إلى أنه “في 2011 حسم العاهل المغربي نزاعات السلطة بدستور يقع نظريا على خط التماس مع الملكية البرلمانية، وتم تقليل الحضور الشخصي للملك في سير النظام الدستوري لصالح حضور أكبر للمؤسسات، إن قدرة النظام المؤسساتي على الإشتغال تلقائيا دون أن يتطلب ذلك حضورا إلزاميا لرئيس الدولة هي واحدة أخرى من تعبيرات قوة الدولة وصلابة نظامها السياسي”.
وخلص المصدر ذاته، إلى “أنه ومنذ تلك اللحظة، أمكن التفرغ للساحة الدولية، وللاختيارات الاستراتيجية الكبرى، وهذا في حد ذاته إنجاز في الهندسة السياسية يخرج المغرب من أندية الاستبداد والدول الفاشلة”.
تعليقات الزوار ( 0 )