ما بين خيمة الشعر المتعارف عليها في المجتمع الصحراوي,وبين ما يروج حاليا من خيام,تضيع الهوية الثقافية الحسانية,والخصوصية التي يحظى بها الشعر الحساني “لًغنً” , كجنس أدبي رئيسي داخل نسيج الثقافة الشعبية الحسانية,وكمكون أساسي من مكونات الموروث الشعبي بالمنطقة الجنوبية من المملكة..
بسبب ولع ساكنة الاقاليم الجنوبية بالشعر الحساني, ومن خلال متابعة المهرجانات التي تعمد الى اضافة خيام شعر,كفرع من فروع أنشطتها,وجزء لا يتجزأ من فعالياتها,لاحظ المهتمون بهذا الجنس الأدبي, حركة الإزاحة التي أصبحت تحرك خيام الشعر من المتعارف عليه,إلى ما يخدم شعارات التفتح والتطور,رغم أن المنظمين غالبا ما يستفيدون من الدعم, بناء على دعوى الحفاظ على التراث من خطر التلاشي والاندثار,..
ظل الاهتمام بالشأن الثقافي عموما,والحساني منه على وجه الخصوص,محط اهتمام الحكومات التي تعاقبت على المملكة,له الأولوية في مشروع اشتغالها ومجموع برامجها ,واسند أمر متابعته إلى وزارة عهد إليها بمهمة الإشراف والتتبع,لدرجة دفعت العديد من أبناء الجنوب,من ساسة وفاعلين جمعويين ومثقفين,لتقديم أفكار تظاهرات وأنشطة,أسبغوا عليها صبغة المحافظة على الهوية الحسانية,فكان أن حظوا بالدعم اللازم,لإقامة مهرجانات تتخللها خيام, يزعم أنها خيام للشعر الحساني,إلا انه وبدل صون التراث,نحى المنظمون بخيام الشعر منحى ابعد ما يكون عن المتعارف عليه..
خيمة الشعر,لها خصوصيات وطقوس خاصة,لا يكتمل سحرها بدونها,,حيث يتحلق الشعراء في حلقة,أو يصطفون في صف,وأمام كل شاعر توضع أوراق وأقلام,ووسط جمع الشعراء يجلس خبير في الشعر الحساني,مهمته التسيير ,إعطاء “الگاف” بيت الشعر,وتقييم “طلعة” كل شاعر,فيشرع الشعراء في برم وغزل شعرهم,وارتجال النظم,ثم يرفع من انتهى من صياغة طلعته يده,ليعطيه المسير الجالس في الوسط الكلمة,والى جانب الشعراء,نجد حامل “تيدينيت” وهي آلة عزف موسيقية وترية..
تشوب السجالات والمبارزات الأدبية بين “لمغنين”,طابع الهيبة والوقار,فلا يعلو على صوت “لگطاع” بين الشعراء إلا نغمات “تيدينيت”,فمن أين جاء المنظمون بالمطربات اللواتي يتقافزن على رؤوس الشعراء,في خدش واضح لما يعرف في المجتمع ب”السحوة” أي الحياء؟ ومن أين جيء بالمنصة التي يعتليها الشاعر تلو الآخر,في تسابق ماراتوني غريب على مجتمع “التطراح” والحلم والأناة؟واين غابت “تيدينيت” وطريقة جلوس الشعراء؟ بل وأين الحماس الذي يتخلل الأجواء؟حيث كان كل شاعر يدخل النزال الشعري,ممثلا قبيلته أو عائلته,فيطلع هذا ب”طلعة” والآخر بأخرى,ويحتدم الصراع,وتعلو حدة المنافسة الفخرية,حتى تشمل الجمهور والحضور..
خيمة الشعر الوحيدة التي احترمت الأعراف والتقاليد,كانت خيمة شعر أقيمت على هامش مهرجان الأغنية والشعر الحساني بالداخلة,الدورة السابعة,تقديم الرائع “محمد نيمة”,وقد أوكلت إليه مهمة الإشراف والتسيير,وبمشاركة نخبة من الشعراء وصناع الكلمة الحسانية من قبيل :”محمد مولود الأحمدي”,محمد جغاغا”,أحمدناه الحمداني”,السلامي لخليفة”,سيداتي الباز”,الزاوي غايتنا”,محمد سالم الهيط”,المحجوب السوداني”,عمر الحسن أهل الصعيدي”,الطاهر خنيبيلة”,محمد الكوري الشيخ الطاهر”,محمد السويح”,محمد “,سيدي لمعييف”,”محمد سالم بابا”,”محمدو مولاي”,” ..”,”..
وقد لاقت خيمة شعر الدورة السابعة من مهرجان الداخلة,قبولا واستحسانا في صفوف الجمهور والمتتبعين وحتى النقاد,وتركت صدى طيبا ما زال يتردد إلى اليوم,لكونها احترمت كل الطقوس المتعارف عليها,من طريقة الجلوس إلى نغمات “تيدينيت”,والتي كان يحملها شاب في مقتبل العمر,يتفاعل مع الشعر والنظم بإيقاعات جعلت الجمهور يلوذ الصمت احتراما, لأزيد من 40 دقيقة من المتعة والتشويق,وهي الدورة التي أعادت لخيمة الشعر هيبتها الثقافية وذاكرتها الحضارية..
باقي الخيام التي تلت خيمة الدورة السابعة,لم يكن لها نفس الصدى المحمود,أو على الأقل لم تكن على درجة من الاعتبار,لما تخللها من تشويه متعمد للأعراف والتقاليد,والزج بمغنيات ومغنين يكن لهن المنظمون إعجابا شخصيا,دفعهم لإدماجهن في خيمة الشعر رغم انف المتعارف عليه..
خيام الشعر التي أقيمت ب”آسا” “طانطان”,كلميم”,السمارة”,هي الأخرى لم تكن تعكس الصورة الحقيقية لخيمة الشعر,صحيح أن الخيام بنيت وفق شروط تسمح للحاضرين بوضوح الرؤية والسماع,بحيث تعلو المنصة مستوى جلوس الجمهور,إلا أنها وبالمقابل لم تحترم طقوس نظم الشعر وإلقاءه,إذ يوضع الشعراء وسط فرق موسيقية دخيلة,بوجود “مغنية” أو “مطربة” خفيفة الظل لدرجة “لفضاحة”,تعوض العازف الوقور على آلة “تيدينيت”,مما يخلق جوا من الخجل بين الشعراء,وسخطا في صفوف الجماهير.
بالمقابل,فان ما يقام في مدينة العيون, لا يمت بصلة إلى خيام الشعر,ولا يوفر ظروف الرؤية المناسبة للحاضرين الذين تمكنوا من الظفر بفرصة المشاهدة,فعادة ما تبنى الخيام في أماكن و أوقات لا تناسب المواطن,كخيمة الشعر التي اقيمت على هامش مهرجان العيون للشعر العالمي,والتي بنيت ب “فم الواد”,وخيمة شعر المهرجان الجهوي للقصيدة البدوية الحسانية الماراتونية,التي بنيت بفضاء دار الثقافة ام السعد الضيق,ولم تحترم المتعارف عليه في خيام الشعر ..
أما ما يحسب لخيام الشعر ب” گلميم” و”آسا” بشكل خاص,فهي الأجواء التي تعم مكان إقامة هذا النشاط الثقافي,الذي يعرف حج العديد من الأسر الى عين المكان,منهم من يحمل “ماعين اتاي”,أدوات إعداد الشاي الصحراوي,الذي لا تكمل أي لمة إلا به,ومنهم من لا ينسى “جيرة” اللبن,فما إن يسدل الليل ستاره,حتى تبدأ مسيرات محبي الشعر وعشاقه,باتجاه خيمة الشعر..
خيمة الشعر تعتبر تراثا ، و جزء لا يتجزأ من الثروة الشعبية الثقافية المغربية الغنية ،وتنظيمها يتوخى منه اولا احياء الذاكرة وإعادة الهيبة للثقافة الشعبية,وتفعيل الحراك الثقافي بالمنطقة ,باعتبار الشعر الحساني وعاء تاريخيا لمجتمع لم يعتمد التدوين في حفظ تاريخه إلا حديثا.
داخل كل قصيدة حسانية, تصدح موسيقى شعرية بأوزان تطرب الآذان بأجمل “الگيفان”،فلا حاجة إذن للاستعانة بخدمات المطربات,ولا ضير من استدعاء شعراء موريتان ,فلخيمة الشعر هيبتها ومكانته وشعائرها الخاصة,لدرجة لا يمكن تخيل حفل زفاف دون خيمة شعر,يتبادل فيها أهل العروس والعريس قصائد الفخر والمدح والترحيب,كما لا يمكن أن تكمل جلسات الشاي المعتادة إلا بالشعر الحساني,الذي سكن بيوت أهل الصحراء الحاليين,وخيام أبائهم وأسلافهم من قبل.
تعليقات الزوار ( 0 )