Share
  • Link copied

خواطر رمضانية(9) الابتلاء هو الحكمة الكبرى من الدنيا

    سنحاول في هذه الأسطر القليلة أن نشرح للقارئ الكريم الحكمة الإلهية من خلق العالم ووضع الإنسان فيه. وإذا تبيّنت جيدا فإن كثيرا من الأسئلة والإشكالات سترتفع تلقائيا وبسرعة..

   الله تبارك وتعالى خلق مخلوقات كثيرة قبل الإنسان، فخلق النجوم والكواكب والبحار والأشجار والصخور والرمال.. ولهذه المخلوقات وظيفة معينة، وهي كلها تعرف ربها وخالقها. لكن هذه جمادات، ولما كانت حكمة الله هي التنوع، فقد خلق الحيوان، وهو أشكال لا تحصى من الطيور والأسماك والزواحف والثدييات. أيضا خلق الله تعالى كائنات أخرى تمتاز على الجماد والحيوان بأنها عاقلة واعية، وهذه الكائنات كثيرة، أهمها: الملائكة.

   إن الذي يجمع بين هذه العوالم المختلفة من الجماد والحيوان والملائكة هو أنها جميعا مجبورة ومأمورة، فالأرض تجري وفق خط سير محدد بدقة لا تحيد عنه سنتميترا واحدا، والحيوان يتبع غريزته حرفيا، والملَك يفعل ما يأمره الله به، ويؤدي وظيفته، ولا يخطر بباله أصلا أن يعصي ربه.

   هكذا خلق الباري جل جلاله مخلوقات أخرى، هي فوق الجماد والحيوان، فهي عاقلة، لكنها غير مجبورة، بل حرّة مختارة.. ونحن نعرف من هذه المخلوقات نوعين: الإنس والجن، وقد يوجد في الكون الفسيح غيرها.

   خلق الله الإنسان وركّب فيه العقل من جهة، والغرائز والشهوات النفسية من جهة أخرى.. بحيث دائما يجد نفسه مضطربا بينهما، متأرجحا بين الخير والشر، وهو يشعر أنه قادر على سلوك أحد الطريقين واختيار واحد من الأمرين، قال تعالى: ( ونبلوكم بالشر والخير فتنة، وإلينا ترجعون). ثم أنزل الله هذا الإنسان إلى الأرض، ومهّدها له وجعلها تناسب تكوينه الفيزيولوجي والعقلي.. وأمره بالسير في الأرض، وسمح له بالاستفادة من خيراتها وجميع ما فيها.. لكنه استثنى أشياء معينة، فحرمها عليه وأخبره بأنه سيحاسبه إذا أخذها. فخلق الله الخنزير وحرّمه على الإنسان، وخلق العنب ومنعه أن يعصره خمرا، وركّب فيه حب النساء وحرمهن عليه جميعا إلا من تزوجها.. وهكذا أدخل الله الإنسان إلى قاعة كبيرة جدا هي قاعة الامتحان، ووضع له عبادا يراقبونه ويكتبون أعماله، ثم حجب الله عالمه وملائكته وجنته وناره.. عن نظر هذا الإنسان، فهو لا يبصر شيئا من هذه العوالم.. تماما كما يحجب الأستاذ الكتاب والدفتر عن التلميذ الممتحن. ثم إن الله تعالى حدّد لهذا الإنسان ولاختباره وقتا معينا لا يتجاوزه. وأخيرا أرسل سبحانه إلى هذا الإنسان من يذكره إذا نسي، ومن يشرح له ظروف الامتحان إذا جهلها.

    فأما الأرض كلها فهي الحلال، وأما ما استثني منها فهو الحرام، وأما قاعة الامتحان فهي الدنيا، وأما المراقبون فالملائكة، وأما الحجاب فهو الغيب، وأما الوقت المعين فأجل الإنسان، وأما المُذكر فالنبي أو الرسول. إنه الابتلاء: فالله هو (الذي خلق الموت والحياة ليبلوكم أيكم أحسن عملاً وهو العزيز الغفور.)    هكذا وُجدنا على الأرض، فنحن في امتحان كبير، وزمننا قصير، وحين نموت جميعا سنعود إلى الله، ويقدم كل واحد منّا إليه صحيفة أعماله  وجردا بمنجزاته. فمن نجح كافأه الله بالجنة، ومن رسب أدخله النار. وفي الجنة لا توجد عبادات ولا محرمات، ولا حجب ولا نهايات، وكل شيء مكشوف حتى وجه الله العظيم سنراه، كما لا يوجد موت.. لماذا؟ لأن الامتحان انتهى، وما بقي إلا الجزاء، والجزاء لا ينقضي.. إذ الله سبحانه رب كريم، وهو يحب الإنسان، لذلك يبقيه خالدا إلى جواره أبد الأبدين.. فاللهم ارزقنا جوارك الكريم، وألحقنا بك غير فاتنين ولا مفتونين، ولا حول ولا قوة إلا بك.. إلهنا الرحيم العظيم.

*مفكر وأستاذ جامعي

Share
  • Link copied
المقال التالي