ما معنى اللانهائي؟ لا أحد يعرف الجواب عن هذا السؤال. فالعقل البشري لا يستطيع أن يتصور هذا المفهوم وأن يستوعبه. لقد بيّن كانط جيدا عجز العقل عن الإحاطة بفكرة اللانهاية.. تصور أن الكون لانهائي في امتداده.. كيف يكون الفضاء ممتدا إلى ما لا نهاية.. كيف تكون الأرض لانهائية..؟
ولو قلنا بأن للكون حدودا يتوقف عندها.. فإن عقولنا تتساءل: ماذا بعد هذه الحدود؟ ماذا وراءها؟ فتقول مثلا: لا شيء وراءها، فهو العدم. ويثور سؤال آخر: وما العدم؟
هل العدم صورة معاكسة، أو مقلوبة، للانهائي..؟
إنه مثال واحد للعجز البشري أمام ألغاز الوجود.
وصور اللانهائي كثيرة جدا: نحن نتصور اللانهائي في العالم الكبير، كالكون اللامحدود. ونتصور اللانهائي أيضا في العالم الصغير.. فبالإمكان نظريا أن نقطع الورقة إلى جزئين، وكل جزء إلى جزئين.. وهكذا إلى ما لانهاية..
ندخل إلى عالم الذرات، وهو عالم دقيق جدا لا نراه بالعين.. لقد اكتشف الفيزيائيون أن في الذرات جزيئات كثيرة، كالبروتون والنيوترون.. ثم اكتشفوا أنه توجد جزيئات أصغر من هذه، كالفوتون.. وربما يوجد أيضا ما هو أصغر.. متى سينتهي هذا؟ الله وحده يعلم.
اللانهائي في الأرقام أيضا: من رقم واحد إلى ما لانهاية، لا يوجد رقم أخير تنتهي عنده كل الأرقام.. لو أنك بقيت أبد الأبدين تكتب رقما طويلا، أي تضيف على يمين الرقم (واحد) أرقاما أخرى.. لن تصل أبدا إلى نهاية..
أيضا من رقم واحد إلى صفر توجد أرقام لانهائية، وهي الكسور العشرية التي لا تنتهي أبدا.
والألوان؟ هي أيضا لانهائية، تستطيع أن تستخرج لونا مختلفا من الألوان الأساسية الثلاثة (الأحمر والأصفر والأزرق)، بدمج لونين مثلا، فيطلع لك لون آخر، ثم إلى هذا اللون تضيف لونا آخر من الثلاثة، فيظهر لك لون آخر.. وهكذا فالألوان لانهائية.. وأكثر الألوان لا أسماء لها، لا نعرف كيف نسميها..
والأصوات مثال آخر للانهاية: توجد أصوات لا نهاية لها.. لذلك كل ساعة تظهر في العالم ألحان جديدة وموسيقى جديدة.. بإمكانك أن تركب موسيقى لا تنتهي..
والأشكال الهندسية لا نهائية.. المثلثات والمربعات والمكعبات والمخروطات.. أشكال بملايير الملايير.. وأكثر.. وأكثر..
الأزمان كذلك، صحيح أن لها بداية لأن الله سبحانه هو خالق الزمان.. لكن لا نهاية للزمان. لذلك نؤمن –نحن المسلمين وأهل الكتاب عموما- بأن الروح خالدة، فالروح لا تموت، ولن تموت..
لذلك من أسماء الله سبحانه الأول، لأنه لا شيء قبله.. والآخِر، لأنه لا شيء بعده.
لم يستثمر الفكر الإسلامي هذا الموضوع جيدا، رغم كثرة التطورات المعرفية والعلمية، في الرياضيات والهندسة والفيزياء والفلك.. ففي الرياضيات مثلا يوجد حساب التفاضل والتكامل، وما يسمى بـ “تناقضات اللانهائي”.. وتُقدم الفيزياء الكوانتية بعالمها العجيب إمكانات هائلة لفهم الموضوع أكثر..
ورغم كثرة علمائنا في هذه المجالات لم نرَ بحوثا كافية تفيدنا في هذا الباب.. ثمة حاجة إلى عمل مشترك بين علماء الطبيعة وعلماء الدين والفلاسفة.. لفك بعض طلاسم اللانهائي.. ولعل هذا يدخل فيما يسمى اليوم بـ”علم الكلام الجديد”. لابد من تطوير علم العقيدة وأصول الدين.. وموضوع اللانهائي مدخل ممتاز لذلك.
منذ حوالي قرن من الزمان.. أي منذ أيام المرحوم مصطفى صبري، آخر شيوخ الإسلام بالدولة العثمانية، كان كتابه الضخم “موقف العقل والعلم والعالم من رب العالمين وعباده المرسلين”.. بعده لم ينجز الفكر الإسلامي المعاصر.. عملا في مستوى هذا الكتاب الكبير.
*مفكر وأستاذ مغربي
الحل بسيط:
أن ترفع الدولة من معامل التربيبة الإسلامية وعدد ساعات تدريسها في التعليم الثانوي (الإعدادي والتأهيلي)، حتى إذا فعلت أقبل عليها التلاميذ بجد واجتهاد، ثم يتخصص جزء من الطلبة المتميزين في الدراسات الشرعية كما يفعلون في الطب والهندسة، آنذاك فقط سيظهر جيل باحث في العلوم الشرعية بأدوات منهجية علمية مستمدة من علوم الرياضيات والفيزياء…