Share
  • Link copied

خبير: قضية “حمزة مونبيبي” جناية الاتجار في البشر.. والعقوبة تصل إلى 30 سنة

صبري الحو*


تقديم: إن اهتمامي بسوسيولوجيا القانون يعزى إلى ضرورة قراءة ما يقع في المجتمع من تحولات تستدعي على القانون مواكبتها من أجل ضبط السلم الاجتماعي لصالح الأفراد والجماعات. ومع ما حصل من ثورة رقمية هائلة بفضل النجاح الباهر في تكنولوجيا المعلوميات، كان المشرع الجنائي ملزما بتحيين وتجديد ترسانة النصوص بما يضمن قدرة القاعدة القانونية على حماية المجتمع من كل مساويء الحرية المطلقة التي توفرها الثورة الرقمية. واعتبر أن ما استجد من نصوص قانونية في هذا الصدد- شرط حسن تطبيقها- مطلوب ضمانا للأمنين القانوني والقضائي على حد سواء، وذلك حرصا على توفير الحماية لعموم المواطنين.


ومن المؤسف أن نصطدم، هنا وهناك، بالكم الهائل من الانفلاتات التي تحصل تحت دواعي سوء تقدير مخاطر توظيف الحرية التي تنحيها مواقع التواصل الاجتماعي وبما يسيء لحرمات الحياة الشخصية، ولعلها قضايا استجدت في ردهات المحاكم، بما يجعل القانون والقضاء مطالبين بالمواكبة والاستباق، والاجتهاد السليم بما يناسب قدسية الحياة الخاصة.


وأمامنا، في السياق عينه، نازلة مراكش المعروفة إعلاميا بـ”حمزة مون بيبي” الذي حرك الأقلام والأفواه، وأبدى فيه رجال الحقوق والقانون مواقفهم، وتبقى للقضاء حتما الكلمة الفصل في إحقاق الحق بإقامة الحجة، ولنا نحن الحق في إبداء الرأي، دون تجاوز مساس بسرية التحقيق ولا تجاوز لقرينة وفرضية البراءة كصمام أمان للمحاكمة العادلة.


وها نحن ندلي بدلونا نزولا عند طلبات كثيرة ولدت من زخم التدافع الحاصل تحت ظلال النازلة مثار هذا المقال.


أعتقد أن حساب ما بات يعرف لدى الرأي العام المغربي بـ”حمزة مون بي بي” يتعدى الجرائم الإلكترونية، والجرائم الخاصة بحرمة الحياة الخاصة، بالاعتداء على الشرف والاعتبار الشخصي وإفشاء الأسرار وجرائم الأموال بالابتزاز، بل يمتد الى أخطر من ذلك التكييف، ويتجاوز اختصاص المحكمة الابتدائية بمراكش، ويتجاوز في تعقيدات خيوطه وطبيعة الاسرار التي تناولها، وعدد الضحايا قدرات الشخص العادي مهما كانت قدراته وكفاءاته في ميدان التكنولوجيا.


فالأفعال، ووفقا للتسريبات وتواتر الشكايات، رغم تحفظ الجميع التزاما بطابع السرية التي تحكم التحقيق التمهيدي والإعدادي حاليا، فإن ما وصل يدل أن هنالك استغلالا جنسيا عن طريق الإكراه المادي والمعنوي والاحتيال والخداع للضحايا، ولا محالة أنه أدى إلى ربح مادي للأطراف المتهمة، وهي أفعال تتجاوز الاعتداء على الشرف والابتزاز وترقى كما تنطوي على جريمة الاتجار بالبشر المنصوص عليها في الفصول 448/1 إلى 448/18 من القانون الجنائي.


ثانيا: العقوبة تصل 30 سنة لظرفي لارتكبها بواسطة عصابة وفي إطار عابر للحدود الوطنية


وهذه الجريمة، تكيف في نظر القانون الجنائي المغربي أنها جناية، مادامت العقوبة هي من 20 إلى 30 سنة تبعا للعقوبة الواردة في المادة 448/5 لأنها ارتكبت بواسطة عصابة إجرامية ولربما في إطار عابر للحدود الوطنية. وهذه الجرائم التزم المغرب أمميا ودوليا وإقليميا بمحاربتها لأنها تسلب إرادة الضحايا وتحرمها من حرية تغيير وضعه وتهدر كرامته الانسانية.


ثالثا: النيابة العامة بابتدائية مراكش تعتدي على اختصاص الوكيل العام باستئنافية المدينة


ومن ثمة فإسناد الاختصاص إلى النيابة العامة بابتدائية مراكش لا يستقيم والمنطق القانوني الذي يستوجب مطابقة نص وقاعدة التكييف القانونية مع الأهداف والغايات النهائية من الفعل في تحقيق ربح مادي من هذا الاستغلال بالرضوخ إلى ممارسة الجنس درءا للفضيحة ومع قواعد الاختصاص في إطار إسناد القضية للجهة المؤهلة قانونا لرضع اليد على القضية.


ومن ثمة فإن وضع النيابة العامة بالمحكمة بابتدائية مراكش يدها على القضية واستمرارها بإسناد الاختصاص، والتماسها من قاضي التحقيق لديها المطالبة بإجراء تحقيق رغم طبيعة الأفعال الجنائية، التي تجعل حق النظر من حق الوكيل العام باستئنافية نفس المدينة مراكش، ومن اختصاص قضاة التحقيق وولاية غرفة الجنايات بنفس المحكمة، تعتبر في نظر القانون اعتداءا على الاختصاص.


رابعا: اختصاص ابتدائية مراكش ليس نهائي يمكن تصحيحه بوضوح القضية وفي أي مرحلة


ويعتبر ذلك اعتداء على الاختصاص، لأن المطالبة ليست متطابقة مع القواعد القانونية الجنائية الموضوعية ولا مع القواعد القانونية المسطرية والاجرائية. وهذا الاعتداء يمكن إنهاؤه في أي مرحلة، بمعنى أنه مؤقت مادامت امكانيات تصحيح تلك الوضعية قائمة في جميع أطوار الدعوى(في إطار التصريح بعدم الاختصاص من طرف هيئة التحقيق أو هيئة الحكم)، وهو اختصاص نوعي له ارتباط بالنظام العام.

خامسا: إنشاء حساب “مون ببي” وتسييره ليس لغزا، بل في جوهر ومصدر منشوراته!؟


غير أن السؤال واللغز الثاني والذي لم تعر له الأهمية اللازمة، لا يكمن في نظري في فتح الحساب من طرف شخص أو عدة أشخاص، ولا في تسييره، فذلك مجرد تحصيل حاصل. فهذا الإجراء والفعل المتمثل في إنشاء وخلق الحساب وتدبيره وتسييره والنشر فيه، في اعتقادي وإيماني الشخصي هو لربما فقط قطعة الجليد التي ظهرت، وتخفي جبلا متشعبا من العلاقات والأفعال والاتفاقات المخالفة للقانون. أي أن الظاهر حتى الآن هي: المشاركون في أفعال مخالفة للقانون وتكيف جرائم. فأين الفاعلون الأصليون والمساهمون؟.

فالمعلومات الشخصية التي قام الحساب بنشرها وترويجها، هي من صميم الحياة الخاصة والحميمية لعدة ومجموعة من الأسخاص تجمعهم “الشهرة والمال والأعمال” وهي أخبار ووقائع مشمولة دستوريا بطابع الحماية، وهي الحماية المعززة بالقانون الجنائي، ولا تدخل في الاستثناء الذي تحدث عنه الفصل 447 من القانون الجنائي لانعدام العلاقة بينها وبين الحياة العامة والشأن العام.

بيد أن عنصر تعدد الضحايا وكثرتهم وطبيعة أسرارهم الحميمية المكشوفة، والتي لها بعد زمني وارتباط بالماضي، تجعل علامة الاستفهام قائمة في مصدرها؟ وكيفية الحصول عليها؟ لأنها تتجاوز قدرة الانسان والشخص العادي في جمعها والعثور عليها لتعدد الضحايا وعدم وجود روابط آلية بينهم!. كما تفوق امكانيات الشخص العادي مهما ضلع علمه وعظمت تجربته وخبرته الالكترونية، سيما إذا ربطناه بضعف تكوين المتهمين. وهو ما يجعلني شخصيا أميل الى اعتبار المتهمين مجرد مشاركين سهلوا تنفيذ الجرائم، وبقي الفاعل الأصلي والمساهم مجهولا المنصوص عليه في المادة 129 من القانون الجنائي.

سادسا: الجرائم خطيرة، والألغاز قائمة، والشكوك كبيرة، والتوضيح مطلوب، والبحث والتعب واجب وضرورة !!!


وإن البحث يجب أن يستمر للكشف عن هوية كل الفاعلين الاصليين والمساهمين، لأن الأمر يشير إلى وجود اختراق غير عاد وخطير بث الفوضى ونشر الخوف والفزع، وعدم الاطمئنان والشك لدى فئة كبيرة من أبناء المجتمع. وعلى المؤسسات الأمنية أن تستمر في تعقب المجرمين وفي جمع الأدلة، والخروج ببلاغات توضح الملابسات والغموض. ولو على المستوى النظري العام في كيفية بلوغ المتهمين لهذه الأخبار والمعلومات للضحايا ذات الطابع الشخصي والسري؟ والوسائل التقنية المستعملة في ذلك؟. ولماذا تم التأخير في تفكيك هذه العصابة؟ بالنظر إلى مدة قيام واشتغال هذا الحساب واستمراره رغم وجود شكايات عديدة ومتعددة؟


سابعا: الصرامة والغلظة والتشديد وإعادة النظر في السراح لبث الثقة ونزع الخوف وإرجاع الطمانينة !


هي أسئلة أطرحها انطلاقا من واجبي كخبير في الميدان القانوني، وكمواطن ظل يستنكر ما يصدر عن ذلك الحساب طيلة مدة اشتغاله. وحقوقي يحس ويعتصر لآلام وجراح الضحايا النفسية ووقعها الأسري والاجتماعي، وملتزم بمؤازرتهم.


ومن موقعنا الحقوقي القانوني، نعتبر ما أصبح يطفو على الساحة الإلكترونية من تشهير وقذف واعتماد صفحات وأسماء مستعارة يسيء لحرمات الأشخاص، وهو ما يقاضي الضرب بيد من حديد ضد كل من تسول له نفسه الإساءة إلى الحياة الخاصة بتوظيف هامش الحريات التي تتيحها الثورة الرقمية !

ولهذا ومن هذه المواقع المتداخلة والمتكاملة والمتطابقة، أدعو رئيس النيابة العامة، والوكيل العام للملك باستئنافية مراكش أن يتخذوا كل الإجراءات وتعميق الأبحاث للكشف عن كل الفاعلين، أصليين ومساهمين كانوا أم مشاركين. كما أدعو قاضي التحقيق بابتدائية مراكش المحال عليه القضية والأطراف ووكيل الملك إلى القول بأن الأفعال مرتبطة بجناية الاتجار في البشر وإحالة القضية والأطراف على الوكيل العام باستئنافية مراكش وقضاة التحقيق وغرفة الجنايات بها تبعا لانعقاد الاختصاص والولاية وحق النظر لهم. وإعادة النظر في التدابير القضائية المرتبطة بالكفالة والتحقيق في حالة سراح التي يتواجد فيها البعض من المتهمين منهم، وايقاع تدبير الاعتقال الاحتياطي بالنظر لخطورة الجرائم وحماية لوسائل الإثبات.


على سبيل الختم


استنادا إلى ما حققه الموقع المشبوه “حمزة مون بي بي” موضوع المتابعة من عواقب بسيكو-اجتماعية، هنا نحن نقدم هذا الدفوعات شكلا ومضمونا بما يناسب الركن المادي للجريمة، إذ لسنا نصدر الأحكام هنا جزافا، بالأحرى مستقرين النازلة وفق قواعد التحليل الجنائي، معترفا ان للقضاء وحدة سلطة الملاءمة والإدانة والتبرئة.
ولأن الوعي الحقوقي من منطلق الأمن القانوني والقضائي يشترط احترام قرينة البراءة، فإن كل المتابعين يظلون أبرياء إلى أن تثبت الإدانة بحكم بات لا تعقيب عليه، وللذين لحقتهم الإساءة كل الحق في المؤازرة والدفاع بما يتوافر من وسائل الإثبات، ويستفيدون من طبيعة حرية وسائل الإثبات في المادة الجنائية في تكوين قناعة القاضي، وفي مركز الضحية كشاهد في مواجهة المتهم.
و كل ينتظر وأنا معهم من المنتظرين، وإن غدا لناظره لقريب !!

محامي بمكناس، خبير في القانون الدولي

sabriabogado@gmail.com

Share
  • Link copied
المقال التالي