شارك المقال
  • تم النسخ

خبيرة تكشف مسار لقاح “كوفيد19” قبل أن تحقن إبره في أجساد المغاربة

كبقية أرجاء المعمورة يعرف المغرب مرحلة مقلقة في تفشي جائحة كوفيد 19، فالحالة الوبائية في بلادنا تعرف ارتفاعا ملحوظا في الحالات النشيطة للإصابات والوفيات، والمقلق جدا هو الارتفاع المهول لنسبة ملء المستشفيات والمراكز الصحية والضغط الذي تعيشه مراكز الإنعاش ببلادنا. هذا ما جعل المغرب- بأوامر ملكية مولوية سديدة- يعمل على اتخاذ قرارات استباقية لاستشراف سبل التعامل مع هذه الجائحة منذ بداية انتشارها وتفشيها، تمثلت في الإجراءات الطبية المستعجلة من فرض للحجر الصحي، وتعميم للبرتكول العلاجي على كافة المصابين، إلى الانخراط في التجارب السريرية وعقد شراكات دولية لجلب اللقاح الناجع والمناسب.

مجموع اللقاحات العالمية التي يتم تطويرها لحد الساعة قد بلغ أكثرمن 200 لقاح، وصلت بعض منها إلى مرحلة متقدمة من التجارب، غير أن قلة قليلة منها هي التي وصلت إلى المرحلة السريرية الثالثة، حيث بلغ فقط 12 لقاحا إلى هذه المرحلة المهمة والأساسية في تطوير اللقاحات.

إن عملية تطوير اللقاحات تعتبر من العمليات الصعبة والمعقدة والطويلة، حيث يمر اللقاح قبل أن يثبت نجاعته وفاعليته بمجموعة من المراحل والمحطات. توضع بموجب ذلك مجموعة من المعايير والضوابط الصارمة لضمان صنع لقاحات تحضى بالشروط العلمية المناسبة لاعتمادها، والمتمثلة في الرقابة الدولية، من لدن منظمة الصحة العالمية، أو من الرقابة الحكومية، حيث تتكلف القطاعات الصحية في البلدان المنتجة والمشاركة بهذه العملية، بهياكلها التنظيمية ومديرياتها المركزية من مثل مديرية الأدوية والصيدلة في المغرب مثلا.

فأولى الخطوات الأساسية في تطوير وصناعة اللقاحات، تبدأ بالدراسات المخبرية والحيوانية، والمتمثلة في المرحلتين الاستكشافية والقبل السريرية، بحيث يتم في الأولى تقديم مولدات الأجسام للمضادات الطبيعية أو الصناعية التي تهدف إلى تشخيص طبيعة الفيروس ومعالجته وقد تشمل مولدات الأجسام المضادة التي تشبه الفيروس أو الفيروسات الضعيفة أو السموم البكتيرية الضعيفة أو المواد المستمدة من مولدات الأمراض، تليها المرحلة الثانية وهي قبل السريرية، حيث يتم فيها تجريب وتقييم نجاعة اللقاح المقترح على فصيلة الحيوانات بحيث تكون هذه الحيوانات أقرب من الناحية الوراثية إلى الإنسان، وتعطي في المحصلة فكرة عن الاستجابة التي يتوقع حدوثها عند البشر.

وتعد مرحلة الدراسات السريرية على البشر من أهم المراحل في تطوير اللقاحات، وتشمل مجموعة من المساطر والخطوات سواء كانت في تجربة اللقاح ومراقبة القواعد والقوانين الصارمة من مثل عدد المتطوعين الخاضعين للتجارب أو في سلامة اللقاح بصفة خاصة، وهي من أولويات هذه المرحلة الهامة والحساسة. فخلال هذه الخطوة تخضع سلسلة تطوير اللقاح إلى تدقيق صارم في عدد المتطوعين الذي يعرف تصاعدا وفق مجموعة من القواعد والضوابط الجديدة (الانتقاء العشوائي، الدواء الوهمي..) وتعرف العملية توسيعا لعملية التجارب وذلك بهدف الوصول إلى لقاح آمن وفعال ليحضى بالموافقة والترخيص الدوليين.

لقد كان المغرب حكيما ومحظوظا عند اتخاذه قرار المشاركة والانخراط في المرحلة السريرية لتجارب لقاح أثبت إلى حد الآن فاعليته ونجاعته، وخلوه من أي خطر أو ضرر، خاصة في الخطوات التي سبقت التجارب السريرية، فالنتائج المحصلة لحد الآن كلها كانت إيجابية في مجملها وموثوق من علميتها ومنشورة في مجلات علمية معروفة على الصعيد العالمي.

مشاركة المغرب في المرحلة السريرية الثالثة في اللقاح الصيني المطور من قبل شركة Sinopharm وانخراطه في مجموعة من الاتفاقيات، منها اللقاح البريطاني-السويديAstraZeneca وشراكات أخرى متمثلة في ثلاث لقاحات أخرى ، كان تحت إشراف لجنة تقنية مختصة تضم في عضويتها مجموعة من الأساتذة الباحثين الأكفاء وصيادلة وأطباء مشهود لهم بالمهنية والخبرة في هذا المجال، بحيث كان لهذه اللجنة دور مهم في اتخاذ القرارات وتتبع حالات المتطوعين ومراقبة فاعلية ونجاعة اللقاح، فبلادنا بدلت مجهودات جبارة، وخطت خطوات مدروسة من أجل أن يكون المغرب من الدول السباقة عالميا إلى تطعيم مواطنيها بلقاح آمن وفعال من أجل محاصرة فيروس كوفيد 19 في أفق القضاء عليه. فبالإضافة إلى إبرام عقود مع مختبرين لضمان كمية مهمة للتطعيم الجماعي، وهما المختبر الصيني Sinopharm الذي يعتمد على ما يسمى لقاح ” الطريقة الكلاسيكية” التي لا تطرح أي إشكالية في طريقة أجرأتها والعمل بها، ناهيك عن فعاليتها ونجاعتها المعروفة. أما الاتفاقية الثانية مع مختبر AstraZenecaالبريطاني السويدي، فيعتمد على ما يسمى اللقاحات الجديدة حيث كان هذا المختبر من أوائل المختبرات التي كانت سباقة إلى نشر أبحاثها، وأبانت عن نتائج حسنة في المراحل قبل السريرية.

فكل من اللقاحين المدرجين في الاتفاقية خضعوا لقوانين ومعايير صارمة، وكل منهما وصلا إلى مراحل متقدمة، فلقاح astrazeneca هو أيضا يعتبر من مشاريع التطوير الكبيرة التي وصلت إلى المرحلة الثالثة من التجارب السريرية في مجموعة من الدول كالبرازيل والولايات المتحدة الأمريكية واليابان.. وأبحاثها منشورة هي أيضا في مجلات علمية معروفة. وتجدر الإشارة إلى أن التجارب السريرية لكل من المختبرين قد أجريت على خمسة أنواع حيوانية قبل الوصول إلى المرحلة السريرية الثالثة وأظهرت نجاعة وفاعلية كبيرة ومشجعة للقاحين. وبالرغم من المجهودات المبدولة من لدن المسؤولين في بلادنا فالنتائج النهائية لن تكون متوفرة حتى نهاية نونبر 2020، لكن تتبع الحالات ستبقى طيلة السنة أي إلى متم أكتوبر 2021.

إن أمر الوصول إلى لقاح آمن وفعال لوقف تفشي جائحة كوفيد 19 ليس بالأمر الهين أو السهل، فالأمر يحتم التحلي بالصبر واليقظة والتفاؤل، فالمجهودات المبدولة سواء من لدن الحكومة أو الوزارة الوصية تبقى مشرفة وغير مسبوقة ومشهود لها بالحرص الشديد على سلامة وصحة المواطنين، الذين يتوجب عليهم توخي المزيد من التدابير الاحترازية والوقائية لأن تحمل المسؤولية الجماعية هي الكفيلة بالخروج من هذه الجائحة بسلام وبأقل تكلفة.

باحثة جامعية في البيوتكنولوجيا الطبية

شارك المقال
  • تم النسخ
المقال التالي