شارك المقال
  • تم النسخ

خالد الشيات يكتب: الدولة المفتعلة للحرائق “PyroEtat ou l’État pyromane”

إن مصطلح pyromane يخص شخصا بمواصفات مرضية، لا يقوم بافتعال الحرائق لأهداف سياسية أو اقتصادية أو غايات إرهابية حتى، أنه يفعل ذلك بسبب عقدة نفسية يجد من خلالها متعة في افتعال الحرائق، ورؤية الخسائر التي تسببها من حوله، احيانا تتزاوج المرضية النفسية مع الحاجة للبطولة، اي انه يفتعل الحريق ويقوم بالسعي لإخماده حتى يراه الناس بطلا وصنديدا شجاعا.

كل هذا معروف بالنسبة للأشخاص الطبيعيين، لكن هل يمكن أن تكون دولة مفتعلة الحرائق Etat pyromane أو PyroEtat؟ تتحقق في دول معينة هذه الخصائص، ويمكن أن تكون هناك عوامل كثيرة سوسيو نفسية وسياسية وراء وجود هذا النوع من الدول.

١. الجزائر: ولادة مستعصية

نشأت هذه الدول من خلال مسار معقد اجتماعيا، إنها نتيجة وجود بدون هوية، هناك دول عريقة ودول ناشئة من خلال مقومات وظروف صعبة، وتعد دولة كالجزائر، بالنظر إلى انعدام صفة القيادة والاجتماع المستقل عن فاعل غير محلي لمدة طويلة تراوحت بين الوجود العثماتي والفرنسي، في القرون الأخيرة مثالا واضحا، أنها كابن من ام لكن ايضا من أب بدون هوية، يصارع أقرب الناس الذين يعتقد أنه والده البيولوجي ويرفضه. ولا يوجد في محيط الجزائر هوية سياسية اكبر من أثر المغاربة بالمعنى الضيق، لأن المغاربة بالمعنى الواسع يشمل الجزائريين أيضا.

نشأت الجزائر بواسطة عملية تقنية وليس انطلاقا من حاجة إلى التجمع أو الدولة، نتجت الجزائر من مبدأ أقامه القانون الدولي وهو تقرير المصير، لذلك تعبد هذا الاله وتحاول دائما ان تتشبث به باتعبار أنه رمز للوجود، وتعمل دائما على إيجاد عدو، هو في الحقيقة توأمها، لأن هذا العدو هو الذي يضمن وجود هوية داخلية في ابان غياب هوية جامعة بعيدة عن العمق التاريخي، انني أتحدث عن مسار حكم، لذلك التفريق بين هوية الشعب وهوية السلطة مهمة في الجزائر، هوية الشعب تنتمي إلى منظومات حضارية وهي الإسلام والعروبة والامازيغية، وهوية السلطة التي خرجت من شق قانوني، ولا تنفك ان تفعل كل ما باستطاعتها لتخوين وشيطنة الجانب الحضاري للابقاء على السلطوية ولو إلى حين، ومن هنا الصراع المتواصل بين السلطة والشعب في الجزائر، وشراسة هجومها على المغرب التاريخي والحضاري أيضا، مغرب المخزن، اي الدولة التاريخية في مقابل جزائر التوجه المستقبلي الذي لا يجد في تاريخه المستقل شيئا ينهل منه.

٢. لماذا تكره الجزائر التاريخ؟

الجزائر عقدة سياسية تاريخية، وجودها الجغرافي المضخم جغرافيا لا يتماشى مع قدر المجهود الذي بذلته للوصول إلى مساحة تفوق المليوني كلم مربع، لأنها ببساطة ورثت الدولة والمساحة من منظومة استعمارية، هذا يفسر رغبتها الجامحة في التدليل المستمر لعدائها لفرنسا باعتبارها دولة شريرة في المخيال الشعبي، وأيضا كيف تستمر في الارتباط بها في خدمة الاستعمار، لأن الذي يضمن استمرار المنظومة السياسية هي خدمة الاستعمار، أي خدمة الفرقة والانفصال والتشتت، وبالمقابل يجب أن تحوز على قوة دعائية لتمرير العكس، اي أنها دولة المبادئ، هذا يفسر أيضا حالة التباعد المستمر مع الشارع لأنه بالدرجة التي يستطيع فيها الشارع فهم الخديعة سيكون هناك رفض أكبر للسلطوية بالمعنى الذي توجد فيه، والذي تحتمي بأكبر جهاز للقوة فيه أي هو الجيش، وبالتالي يبقى فقط دغدغة عواطف الناس بالدعاية التي تتقنها.

لابد إذن من عدو مباشر وغير مباشر، عدو يمكن من خلاله تصريف مفهوم المتربص، والساعي للتدمير، تدمير الدولة صاحبة المبادئ بينما هو، اي العدو الذي لم يكن سوى المغرب، الذي بني واستمر في منظومة اجتماعية وسياسية متجانسة، مناسب جدا لكي يلبي الحاجة للعداء، لقد وجدت الجزائر لتخدم الاستعمار، ليس بالضرورة الاستعمار الفرنسي، لأنها الدولة الوحيدة في العالم التي استمرت بعد الانهيارات التي شهدها العالم بعد نهاية الحرب الباردة، لقد جاز التساؤل لماذا لم يسقط عسكر الجزائر؟ وفي أي منظومة أعادوا التمركز؟

الاستنتاج واضح، لقد قزمت السودان وأرسل رئيسها العسكري إلى محكمة لاهاي الجنائية، لكن لم يتم المساس بهذه الجزائر جغرافيا على الأقل في الوقت الذي تتسابق فيه القوى الكبرى الإقليمية لتقليم اظافر المغرب حتى لا يحلق اقتصاديا، المسألة واضحة فيمن يهدد أو يمكنه أن يهدد المنظومات المتقابلة حضاريا، لأن التاريخ لا يكذب ابدا. والمغرب الذكي يستعمل كل إمكانياته مرحليا ليحقق التفوق الذي يمكنه من التموضع في مقابل القوى التقليدية بينما تفعل الجزائر دور المحبط المباشر، الدولة التي تستعد لتفعل اي شيء من أجل ألا ترى مغربا متقدما وصاعدا وهي تتقاطع في ذلك مع القوى المنافسة بل والمناقضة حضاريا، ويمكن أن تتقارب مع اي دولة تعلن عداء اتجاه المغرب كيفما كان، كما حدث مع إسبانيا مؤخرا، أو كما حدث معها مع أزمة جزيرة ثاورة في 2002، لذلك ستستمر السلطوية العسكرية في الجزائر ما دامت تخدم هذه الأجندة.

٣. حرائق وحقائق

لقد اشتعلت النيران في غابات الجزائر بأمر من بنية السلطة المفتعلة للحرائق، لاشك أن ذلك يخدمها بقوة، يخدم ادعاءها بكونها منقذة الوحدة الوطنية والدولة الناشئة التي يحيط بها العداء ويتحالف مع الصهيونية، أنها مجرد أكاذيب من دولة تفتعل وتحترف افتعال الحرائق منذ مدة، حرائق الانفصال والتشرذم والتبعية، حرائق استمرار النظام الذي يعادي كل امتداد حضاري أو بعد اندماجي، لم يكن أي واحد يتوقع أن تستجيب الجزائر لمطلب المغرب القاضي بمد يد المساعدة، لا يمكنها أن تقبل المساعدة ممن تروج اجتماعيا وبكل الأساليب انه عدو الدولة الأول، لا يمكن أن تكون الدولة متناقضة مع نفسها، هي توجد في جزء كبير منها بخلق عداوة شاملة مع المغرب، وتحكم إغلاق الباب أو الحدود لمعرفتها المسبقة بخطورة فتحها، لأنها ستسقط في تناقض الدعاية مع الواقع.

لا أحد ينكر أن الدولة في الجزائر منظومة سلطوية توجد من خلال الحرائق والخراب واللا استقرار، ولا يمكن ان توجد في بيئة عادية وسليمة، بيئة تنطلق من الأخوة والانسجام بين المكونات الحضارية المغاربية العربية الإسلامية والأمازيغية التي ينهل منها المغرب، مغرب الدولة ذات الذاكرة، والذي لن يتقاطع مطلقا مع دولة بأسس أخرى متنافية مع هذه القيم الاصلية الموجودة في وجدان جماعي في قلب الشعوب، والذي يغيب عن بنية السلطة الجزائر، التي لا ترى مانعا في ان تضحي بوجودها كدولة لصالح قوى معادية للقيم الحضارية المشتركة، سلطة باسم الدولة تشعل الحرائق لتستمر لانها تستمر من خلالها في الوجود.

الأفق هو ان تنتهي منطلقات وجود هذا النظام الذي يحوز على وجود القوة ولكنه لا يحوز قوة الوجود، فعندما يكون مفتعل الحرائق مجرما تتدخل السلطة لردعه، لكن عندما تعيش السلطة بافتعال الحرائق فليس هناك سوى حل واحد، ان يتم ازاحتها وإزالتها حتى تشفى منها الدولة والشعب والمنطقة ككل.

أستاذ بجامعة محمد الأول بوجدة

شارك المقال
  • تم النسخ
المقال التالي