يصعب القفز في كل حديث عن تاريخ وتراث تازة الحديث، عما شهدته المدينة من دينامية رياضية وتجليات وبنية حديثة زمن الحماية خلال القرن الماضي. وإذا كان من حجل حديث عن الموضوع وفق ما يقتضيه من معرفة تاريخية مؤسَّسة، فهو نتاج ما هناك محدودية التفات بحثي حتى لا نقول من بياض تام، فضلا عن قلة ما هو رصين من تقارير، دون نسيان ما كانت ولا تزال تزخر به المدينة من رواية شفوية، لم يتم استثمارها عبر ما ينبغي من انصات لتجارب وأعلام محلية كانت بوقع في هذا المجال. علما أن ما شهدته تازة من نشاط وحضور رياضي خلال هذه الفترة، يكاد يكون بمعلومات شحيحة تخص بداياته ومساراته ومسالكه، لاعتبارات عدة منها ما هناك من عوز معبر يخص المادة التاريخية العلمية والأرشيفية. وعليه، فشبه البياض الكائن على هذا المستوى، يجعل كل حديث عن ذاكرة تازة الرياضية الحديثة مجرد روايات غير شافية ولا دقيقة. علما أن فعل المدينة الرياضي وتفاعلها محليا وجهويا ووطنيا زمن الحماية، هو جزء لا يتجزأ من تاريخها الحديث وذاكرتها الرمزية ومكونها التراثي. وعليه، ما ينبغي من انفتاح وعناية بالموضوع عبر دراسات وأبحاث وتوثيق، من شأنه فرز نصوص رافعة لخزانة تاريخ وتراث تازة وذاكرتها اللامادية.
في علاقة بذاكرة تازة الرياضية ومشهدها الحديث، يتبين أن موقع تازة وأهمية ممرها الفاصل بين وجدة شرقا – وقد شهدت هذه المدينة ما شهدت رياضيا منذ احتلالها من قبل الفرنسيين1907- وبين فاس العاصمة غربا، فضلا عما طبع المدن الثلاث عموما من عناية استعمارية خاصة(مدينة حدودية، مدينة ممر، مدينة عاصمة)، وما جمع بينها من سبيل بري وسكة حديدية وأدوار وبنية عسكرية، كان بأثر فيما حصل من تأثر سريع بما هو حديث ا من سلوك ونمط عيش جديد غربي استعماري، فضلا عن حداثة ما هو ثقافي وعمراني واجتماعي وترفيهي ورياضي … هكذا تحضر ذاكرة تازة الرياضية الحديثة، من خلال ما تحضنه المدينة من أثر مادي كولونيالي منذ ثلاثينات القرن الماضي، من قبيل ملعب ومسبح بلدي بلدي ومعهما فضاءات أخرى تقاسمت فرجة الرياضة محليا ضمن إيقاع حديث أروبي. كما تحضر ذاكرة تازة الرياضية هذه أيضا، من خلال أرشيف بلدي لا شك أنه ظل متوفرا بعد استقلال البلاد الى غاية ستينات وسبعينات القرن الماضي، قبل أن يعرف ما عرفه من اتلاف. ومن هذا الأرشيف الرافع لكل بحث ودراسة وتنوير، وثائق منشآت تازة الرياضية وتصاميمها الهندسية، وكذا صور مواقعها وأطوار اشغالها وانجازها. فضلا عن معطيات تخص من أعد هذه المنشآت وأشرف عليها من أسماء ومصالح ادارية دون نسيان شواهد كلفتها وتموينها وتجهيزاتها.
بعض فقط مما يمكن اثارته حول ذاكرة تازة الرياضية الحديثة وتجليات شأنها من تفاعلات، علما أن ذاكرة المدينة في هذا المجال كانت ببصمات معبرة، من قبيل مثلا ما تعلق بكرة القدم التي ارتبطت نشأتها بالوسط العسكري أساسا كما بباقي مدن المغرب الأخرى خلال فترة الحماية، وهي الرياضة التي كانت تؤطر أنشطتها وفرجتها تنافسيات واقصائيات ودوريات، ضمن ما كان يعرف ب”البطولة العسكرية بالمغرب” Championnats Militaires du Maroc . وعليه، يسجل ما كان لتازة من حضور في هذه الدينامية الرياضية الكروية، بحكم طبيعة المدينة التي كانت قاعدة عسكرية من أبرز وأهم قواعد المغرب آنذاك. ومن ثمة ما كانت تستضيفه من مباريات واقصائيات، من قبيل ربع نهاية البطولة المغربية العسكرية من خلال مقابلة جمعت بين فريق اللفيف الأجنبي المتميز لفاس الذي كان بطلا عدة مرات، بفريق فيلق القناصة المغاربة لتازة الذي كان يتوفر على لاعبين متميزين. وكانت هذه المقابلة وفق ما يحفظه الأرشيف، قد جرت خلال نهاية شتاء ألف وتسعمائة وخمسة وثلاثين، في ظروف جيدة أمام منصة ملعب بلدي مليئة بجمهور عسكري، وعلى ايقاع موسيقى عسكرية كانت بأثر تشجيعي كبير، جعل فريق تازة يحقق نصرا بنتيجة إصابتين لواحدة. علما أن هذه المقابلة التي جرت بتازة ضمن اقصائيات ربع نهاية بطولة المغرب العسكرية، حضرها عدد كبير من الضباط العسكريين تشجيعا منهم لفريق تازة العسكري RTM، من قبيل مثلا الجنرال lausanne “لوسان” قائد جهة تازة، ورئيس الهيئة العسكرية الجنرال Caillault “كييولت”، فضلا عن عدد من الضباط العسكرين عن مدينة فاس الذين قدموا لمتابعة هذه المقابلة، والتي أوردوا عنها أنها مقابلة استحقت تنقلهم من فاس الى تازة نظرا لما وفرته من فرجة واثارة وقدرة تنافسية. وحول ما يتعلق برياضة كرة القدم فضلا عن فريق تازة العسكري السابق الذكر، من المفيد الإشارة الى أن المدينة كانت تتوفر عام ألف وتسعمائة وخمسة وثلاثين على فريق موسوم ب Sporting Club Tazi “سبورتينغ النادي التازي”، وكان فريقا بقدر تميزه في ترتيبه بقدر ما كان يستقبل في ميدانه فرقا كبرى من قبيل الجمعية الرياضية لبريد فاس، ونذكر من اللاعبين الذين كانوا يؤثثون فريق سبورتينغ التازي، هناك gilabert, sdira, bonilla, javellard, ségura, ziéber, barreli, hermandez, ferreur, riati, navas, gallégo . ، وعن مقابلات فريق تازة هذا لكرة القدم يذكر الأرشيف أنه انتصر في احدى مقابلاته على فريق بريد فاس بخمسة إصابات مقابل إصابتين، ضمن مقابلة جرت خلال الأسبوع الأول من شهر نونبر سنة ألف وتسعمائة وخمسة وثلاثين.
وفي مقابلة أخرى تعود لشهر يناير من سنة ألف وتسعمائة وستة وثلاثين، حقق فريق تازة هذا انتصارا خارج ميدانه تحديدا بمدينة مكناس على فريقها “السككيين” بثلاثة إصابات مقابل واحدة. نتيجة بقدر ما جعلت فريق “سبورتينغ التازي” يحتل الرتبة الثانية ضمن الترتيب العام، بقدر ما سمحت له بحظوظ في البطولة وربح مباريات السد ضمن القسم الشرفي. علما أن فوز فريق تازة على فريق مكناس كان بفضل دفاعه، نظرا لما قدمه من عرض وما بذله من جهد في مقابلة قوية، ورد أن فريق تازة لعبها بعشرة لاعبين فقط بعد خمسة وثلاثين دقيقة عن بدايتها اثر تعرض الحارس للاصابة. عن كرة القدم التازية وبداياتها زمن الحماية ايضا، جدير بالإشارة الى أن المدينة العتيقة “تازة العليا” شهدت في خريف سنة ألف وتسعمائة وثلاثة وثلاثين، انشاء أول جمعية رياضية لها من عناصر تازية بدعم وتثمين من السلطات الفرنسية، وكان مقرها محل تاجر فرنسي” M.barthes كان يحضى بتقدير الساكنة ووثقتها، لكونه كان أول من أحدث محلا ومؤسسة تجارية له في مجال المدينة العتيق.
وعن هذه الفترة من زمن تازة الرياضي الحديث حيث ثلاثينات القرن الماضي، نذكر ما كان لرياضة كرة المضرب “التنيس” من شأن واشعاع وتنافس واقصائيات ضمن Coupe Templier. بحيث يسجل أن فريق سبورتينغ التازي للتنيس، فوزه على فريق السككيين للتينيس بمدينة وجدة بنتيجة أربع انتصارات على ثلاثة وكان ذلك ضمن أول دورة للكأس بتازة. وعلى اثر هذه النتيجة انتقل فريق تازة للقاء نادي فاس للتينيس بمدينة فاس خلال يناير من سنة ألف وتسعمائة وستة وثلاثين. وعن الألوان الرياضية الأخرى التي كانت نشيطة بتازة خلال هذه الفترة، نجد الكرة المستطيلة وهي من الرياضات التي كانت بحضور معبر، بحيث كان فريق تازة للريكًبي يشارك ضمن عصبة الشمال وضمن بطولة المغرب. وحول ذاكرة تازة الرياضية الحديثة زمن الحماية، نستحضر ما كانت عليه رياضة سباق الدراجات من اشعاع وتميز ومشاركات هنا وهناك. فعلى مستوى المدينة يحفظ الأرشيف ما كان ينظم من سباقات على مسافة هامة ضمن مدار حضري بخمسة وعشرين دورة للمتسابقين المشاركين، فضلا عن مدار حضري آخر بثلاثين دورة، ومن هذه المدارات ما كان يتم بالملعب البلدي. مع أهمية الإشارة الى أن رياضة سباق الدراجات كانت تمارس من طرف فرنسيين، منهم نذكر péres, castillo, nivet, louis, martines. رياضة كانت بإقبال كبير وفرجة جماهرية وتنافسية قوية، رغم ما كان من حاجة لأرضية مناسبة لها. يذكر حول هذا اللون الرياضي، أن سلطات الحماية بالمغرب كانت تنظم بفاس منذ ثلاثينات القرن الماضي، سباقا موسوما ب”طواف فرنسا الصغير الفاسي” le petit tour de France fassi والذي كان يسهر عليه نادي سباق الدراجات بفاس. وطواف فاس السنوي هذا كان يستقبل الرياضيين المنضوين ضمن فرق تابعة لعصبة الشمال التي كانت تازة ضمنها، طواف كان يتكون من أربعة عشرة مرحلة على مسافة مائة وثمانية وستين كلم خلال يوم واحد، والمرحلة الأولى كانت تنطلق على الساعة السابعة صباحا من ساحة وسط المدينة كانت تعرف بساحة “ليوطي”، والوصول لآخر مرحلة كان يتم في الساعة السابعة مساء. مع أهمية الإشارة الى أن هذا الطواف كان يستقطب مشاركة أفضل المتسابقين الدراجين عن عصبة الشمال، وأن ضمن هؤلاء كانت تحضر تازة عبر عدد من دراجيها وقد سبقت الإشارة لبعضهم، وهم متسابقين فرنسيين (تازيين) كانوا بحديث للصحافة الفرنسية المواكبة عنهم، من خلال ذكرهم وذكر قيمة مشاركتهم وقوة حضورهم وتميزهم. علما أن تازة أيضا كانت بموعد سنوي لسباق الدراجات، كانت تؤثثه عناصر مشاركة عن عدة مدن مغربية من قبيل فاس ومكناس وغيرها، سباق كان على مساحة خمسة وسبعين كلم، فضلا عن منحة محلية تشجيعية للمشاركة بقيمة مائة فرنك فرنسي.
وعن ذاكرة رياضة سباق الدراجات بتازة ايضا، كانت المدينة محطة لـ”سباق شمال افريقيا” خلال ربيع كل سنة، والذي من مراحله بعد تلمسان بالجزائر كانت واحدة تمتد من وجدة الى تازة، سباق كان يشارك فيه متسابقون دوليون من فرنسا وبلجيكا وإيطاليا…، ويسجل أنه في احدى محطات وجدة تازة هذه، فاز متسابق جزائري يدعى “زعاف” عندما دخل في المرتبة الأولى بتازة سنة ألف وتسعمائة وخمسين. وعن الشأن الرياضي التازي زمن الحماية، يسجل أنه ضمن النادي السياحي الجوي لمنطقة فاس، كانت هناك بطولة خاصة بمعرض فاس foire de fes منذ ثلاثينات القرن الماضي، ومن جملة من كان يشارك في هذا اللقاء طيارين رياضيين من تازة (فرنسيين)، فضلا عن آخرين قادمين من مدينة مكناس وسيدي قاسم (بوتيجا) وأزرو والقنيطرة (بور ليوطي) والرباط وطنجة ووجدة والدار البيضاء ومراكش وآسفي وغيرها، بل وعن الجزائر طيارين من مدينة تلمسان وعين تموشنت وبلعباس ووهران ومستغانم وسعيدة وغليزان ولبليدة والجزائر العاصمة وسطيف وبسكرة وجيجل وقسنطينة، فضلا عن مدن تونسية. ويسجل أن ما كان يميز تازة من طبيعة خلابة ومجاري مائية ومجال أخضر واسع جعلها بمثابة “الحديقة الكبرى”، كان وراء ما أحيطت به رياضة السباحة من عناية زمن الحماية، تناغما مع حاجة مساحة مقيمين ومعمرين، وعليه ما حصل من بنية تحتية لهذا الغرض من خلال منشآت أولية، قبل ورش مسبح بلدي شهير بالمدينة، كان بأثر فيما شهدته هذه الرياضة من اشعاع وموقع متميز على صعيد المغرب، وهو ما ظل عليه بعد استقلال البلاد حتى مطلع ثمانينات القرن الماضي. ولعل رياضة السباحة بتازة ومسارها وبنيتها وأعلامها وموقعها ضمن خريطة تازة الرياضية الحديثة، بحاجة لورقة خاصة شافية لاثارة ما هناك من ارث يخص هذا اللون الرياضي الذي ظل حاضرا بقوة، إثر ما كان عليه مسبح تازة البلدي الأولمبي الشهير وطنيا من عناية، ومن ثمة ما طبعه من اشعاع وأبطال سباحين تازيين كبار، فضلا عن بطولات وفرق وتجارب نشيطة ورائدة.
بعض فقط مما هو رمزي رياضي بتازة، حول ايقاعها الرياضي الحديث زمن الحماية، من خلال ما شهدته من بنيات تحتية لا تزال بعض معالمها شاهدة، فضلا عن فسيفساء مجد وعطاء وتميز ظل قائما حتى نهاية سبعينات القرن الماضي.
*عضو مركز ابن بري للدراسات والأبحاث وحماية التراث
تعليقات الزوار ( 0 )